المقالات

حديث حديث في الاشتراكية

بقلم: الدكتور نزار محمود

يبدو أنه قد أفل عصر الاشتراكية عند الكثيرين، بمن فيهم من كان معتنقاً إياها كمنهاج حياة سياسي واقتصادي، بعد انهيار منظومة الدول الاشتراكية، وبالتالي انتصار النموذج الرأسمالي للحياة، لينتهي التاريخ، كما اعتقد “فوكوياما”.

لكن هل هذا صحيح؟، وهل هناك من ضرورة لإعادة “ملف” الاشتراكية، مرة ثانية، وأي اشتراكية؟

لم يكن نموذج الاشتراكية الشيوعية هو النموذج الوحيد للاشتراكية عموماً. فالتاريخ شهد نماذج كثيرة ومتنوعة حملت معها روح التشارك في الحياة سياسياً واقتصادياً واحتماعياً. كما تنوعت نظريات تلك الاشتراكية في حدودها وأدواتها وإلزاميتها. وهذه النظريات كانت ولا تزال قد تبنتها حركات وأحزاب سياسية وبنت عليها أهدافها وبرامج عملها.

وعلى العموم فإن مفهوم الاشتراكية يجب أن يقوم على الأسس الرئيسية التالية:

⁃ العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين المواطنين.

⁃ صون كرامة الإنسان في إشباع حاجاته المادية والمعنوية وحريته وحقه في التعبير عن رأيه.

⁃ الحرص على صحة الإنسان وتعليمه وتأهيله وأمنه وتوفير فرص العمل والحياة للمواطنين بصورة متساوية.

⁃ إنصاف الإنسان بما يستحقه على جهده وإنجازه وتميزه.

⁃ توفير فرص التطور والتقدم بما تمليه ضرورات الحياة.

من هذا المنطلق يجب أن لا تخدعنا شعارات وتسميات دول وأحزاب عندما لا نقف في ممارساتها على ما ذهبنا إليه من أسس الاشتراكية، من ناحية، ولا يجب أن ننكر الاشتراكية على غيرها مما لا تدعيها.

الاشتراكية ومسألة ملكية وسائل الإنتاج وعلاقاته:

إن أول ما يتبادر على ذهن الإنسان حين ذكر الاشتراكية هو، وبسبب تجربة الاشتراكية الشيوعية، هو مسألة ملكية وسائل الإنتاج وعلاقاته. فإلغاء الملكية الخاصة لتلك الوسائل وتحويلها إلى ملكية عامة أو اجتماعية، كما يحلو للبعض تسميتها، وما يترتب على ذلك من أمر تخطيط الإنتاج وإدارته وتوزيع عائداته، يشكل الأساس في البناء الاشتراكي، وهو ما ثبت بالتجربة عدم صحته وواقعيته في تحقيق الكفاءة والعدالة الاقتصادية.

لماذا العودة للحديث عن الاشتراكية في الوقت الحاضر:

يمكنني إجمال أسباب العودة للحديث عن الاشتراكية في المحاور التالية:

⁃ تجابه العالم اليوم تحديات اقتصادية واجتماعية وثقافية تاريخية جسيمة في ضوء التطورات التكنولوجية المذهلة وفي مقدمتها التكنولوجيا الرقمية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي وشبكات الاتصالات والتواصل ودلالاتها وانعكاساتها وتداعياتها على البشرية في أصحاب قراراتها ووسائل إنتاجها الجديدة وعلاقاته.

⁃ الاختلافات الكبيرة في أدوار البشر ومشاركاتهم في صنع القرارات السياسية وعمليات الإنتاج الجديدة وخرائط توزيع عوائده، وما ستخلقه من صراعات لا يقدر مداها على مستوى الشعوب والأفراد.

⁃ ليس هناك ما يوحي بضمان تحقيق ما أشرنا له من أسس اشتراكية البشر في ظل الأنظمة الحالية المهيمنة.

⁃ ما الذي يحل بالبشر ، شعوباً وأفراد، من الذين لا يستطيعون مواكبة التقدم الهائل في تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة؟

هذا ما دفعني اليوم للعودة إلى الحديث عن الاشتراكية، باعتبارها تعبيراً عن كرامة الإنسان وضماناً لحياته وأمنه.

برلين، ٧/٥/٢٠٢٠

مقالات ذات صلة