المقالات

لنجعل من ذكرى النكبة مناسبة للصحوة

بقلم: الدكتور نزار محمود

تمر الأمم والشعوب بنكبات في تاريخها لأسباب مختلفة، منها ما تعلق بها ذاتياً، ومنها ما فرضتها عليها ظروف خارجة عن إرادتها، وقد تكون تلك الأسباب مجتمعة. ونكبتنا في فلسطين، هي من ذلك النوع الأخير.

حصل ما حصل، ومن الضروري، بالطبع، تحليل تلك الأسباب والوقوف على ظروفها من أجل التعامل وتجاوز تداعياتها.

وفي هذا يقتضي المنطق أن نبدأ في معرفة الأسباب الذاتية أولاً.

لقد كانت شعوب وبلدان أمتينا العربية والإسلامية من الضعف بعيد انتهاء الحرب العالمية الأولى ما سهل مهمة المغتصبين في نكبتنا. جهل وتخلف وفرقة وتناحر.

ولم نتعظ نحن العرب والمسلمون من النكبة بالصورة الصحيحة ونتسم بأخلاق التضحية ونكران الذات، بل استمرينا في تفرقنا وتناحرنا، متنصلاً غنينا عن فقيرنا، وقوينا عن ضعيفنا، ومستأثرينا “باستقلالياتنا” عن وحدتنا.

أصبحنا أنظمة طاغية، وشعوباً تعودت العبودية وهي تنادي بالحرية. نسينا واجباتنا، واشتروا منا حقوقنا بدراهم معدودة.

تناحرنا شيوعيين وقوميين وإسلاميين وليبراليين، تناحراً سلبياً مدمراً. ولم يكن شعبنا الفلسطيني، صاحب النكبة الأول، بحال أفضل من ذلك.

وبالطبع، لم تفت الآخرين المتربصين فرصة ضعفنا واختلافنا، فاغتنموها ثأراً ومصالح كبيرة. إنها أخلاقيات السياسة الفاسدة وأطماع الذئاب المسعورة.

إن شعبنا الفلسطيني لم يبخل بدماء شهدائه الزكية، ولا بحريات أسراه الغالية، ولا براحته في حياة كريمة. هجر وشرد وإلتجأ في شتاته إلى أصقاع بعيدة. ولم يكن غير محب للسلام العادل، لكن المغتصبين لم يريدوه ولن!

حصل ما حصل، فما عسانا نحن فاعلين؟

لقد جربنا، ولا زلنا نجرب، أساليب نضال وكفاح كثيرة. ولم تكن في أغلبها إلا تضحيات بنوايا حميدة. ومن المنطقي أن تكون أساليب نضالنا مناسبة لظروف الحياة ومعطياتها، في قدراتنا ومواقف الآخرين منا ومن قضيتنا. وللأسف الشديد نمر منذ عقدين من الزمان بأسوأ تلك الظروف والمعطيات، حتى انتهينا إلى مرحلة قاسية في رغبتهم بتصفية القضية، وما نجحوا بإذن الله.

كنت قبل بعض الوقت، وفي كلمة قصيرة لي بمناسبة مؤتمر حول الاونروا في برلين، قد أشرت إلى ضرورة إعادة النظر بأساليب نضالنا، ونحن نعيش عصر الثورة التكنولوجية الرابعة في رقمنتها وذكائها الاصطناعي. لنا عشرات الآلاف من العلماء والمهندسين الشباب منن يعملون في المراكز البحثية والتطويرية والجامعات وغيرها من المؤسسات في أوروبا وأمريكا والعالم العربي، ممن هم الأمل في قوتنا، حيث لم تعد أساليب نضالنا التقليدية تجدي نفعاً. لقد دعوت إلى تبني طاقات شبابنا في إنجازات واختراعات علمية قد تغير مواقعنا في موازين القوى التي تحكم عالمنا. أنا لست من السذاجة لكي أعتقد بأن الطريق سهلة وتكون مفروشة بورود الاستقبال والترحيب. فالعالم تحكمه سياسة المافيات وعقد التاريخ.

أختتم بالقول، إن ذرف الدموع بمناسبة النكبة، يجب أن لا يبقى في إطار “التنفيس” عن المأساة ويخطب وشعارات واتهامات المتخاذلين من العرب والمسلمين. أنا لا أنكر أثرها العاطفي والوجداني وحتى التوعوي، لكننا بحاجة ماسة إلى أساليب نضالية أكثر واقعية وفاعلية وجدوى.

برلين، ١٧/٥/٢٠٢٠

مقالات ذات صلة