المقالات

فشل في ستة دروس

فشل في ستة دروس

ناحوم برنياع

كان يجب على بنيامين نتنياهو في ظاهر الامر ان يستيقظ صباحا بعد ليلة لم ينم فيها وأن يوقظ زوجته ويقول لها جملة قد سمعتها ذات مرة وهي: «يا سارة، إننا ذاهبان». ثم يلبس أفضل ملابسه ويدعو وسائل الاعلام الى الداخل ويتحدث الى الشعب. من غير حائط المبكى من خلفه ومن غير طبقة ثخينة من زينة الوجه ومن غير نصوص كتبها خبراء علاقات عامة. كان يجب ان يتحدث ببساطة. كان نتنياهو يستطيع ان يقول: «فشلت. أردت الخير لكنني خسرت في الطريق ثقة الشعب. ويجب أن ندفع عن الاخفاقات».

وحينها كان ينبغي ان يدعو الناقلين ويسافر في الطريق الى قيسارية.

لن يحدث هذا كما يبدو. فنتائج الانتخابات كما بينتها العينات أمس (الاول) تدع لنتنياهو امكانا متضايقا لانشاء حكومة – أو حكومة ضيقة قائمة على المتدينين والحريديين، أو حكومة أوسع شيئا ما بمشاركة قائمة لبيد وآخرين. ولن يكون له من هذه الجنازة فرح كبير كمقولة الأم البولندية الكلاسيكية.

إن نتنياهو شخصية مأساوية فقد بلغ مرتين الى الحكم واستقرت آراء الناخبين مرتين على انهاء ولايته بضربة مذلة لا لأنه رئيس وزراء سيئ جدا بل لأنه ينفر الجمهور منه مرة بعد اخرى بإجراءاته وسلوكه. فالفرق بين ما يعتقده نتنياهو في نفسه وبين ما يعتقده الاسرائيليون فيه حصل على تعبير قاس أمس (الاول) صباحا حينما ظهر نتنياهو وزوجته وابناه ظهورا مشتركا عند صندوق الاقتراع في مدرسة بولا بن غوريون في القدس. ويتكرر هذا الطقس بصورة نموذجية بالضبط في كل المعارك الانتخابية في العالم: فرئيس الحكومة تلتقط له الصور وهو يمضي الى وراء الستار ويدس الغلاف في الصندوق. وأخرج نتنياهو وزوجته، كل واحد منهما حينما حان دوره ورقة التصويت من الغلاف وبدأء خطبة انتخابات وخطب الابنان بعدهما. وكان ذلك نقضا فظا لقوانين الانتخابات لو فعلته عائلة اخرى لاستتبع ذلك اعتقالا. كان الزوجان نتنياهو على يقين من أنهما يبثان الثقة بالنفس وروح القتال. لكنهما كانا بالفعل انفعاليين فهذه عائلة مستعدة لأن تفعل كل فعل مذموم بشرط ألا يسلبوها المنصب الفخم وكتائب الحراس والانتباه.

يحصل رئيس الوزراء مع التعيين على وجبة دسمة من التشريف أضاعها نتنياهو عبثا وأضاعها بسلوكه الشخصي وأضاعها بقراراته السياسية.

ونقول بالمناسبة إن الفشل ليس له أب واحد. فقد بدا مديرا الحملة الانتخابية جدعون ساعر وجلعاد أردان وهما أميرا الليكود الجديدان مثل الأمير البريطاني تشارلز: فقد أصبحا قديمين قبل ان يحظيا برؤية طرف التاج.

إن تحليلا سياسيا لنتائج الانتخابات يعطينا درسا يثير الاهتمام عن المجتمع الاسرائيلي. ويجب ان يبدأ الدرس باحتجاج صيف 2011. حينما جاء الخريف ونقضت الخيام في الجادة أصبح الشعور العام بأن الاحتجاج مات ودفن ولم يكن هذا صحيحا لأن البذور قد زرعت وانتظرت في الارض المطر الذي ينبتها وجاء المطر. صحيح ان المطالب الاجتماعية التي أثيرت في الاحتجاج لم تستجب ما عدا عددا من التعديلات التي أفادت الوسط الحريدي أكثر من الشباب من الطبقة الوسطى. لكن الشعور بالنفور من قواعد اللعبة السياسية لم يمت بل ازداد حدة فقط. وخرج من صفحات الشبكة الاجتماعية ولم يؤثر في الشباب في المدن الكبيرة فقط بل في ذوي أعمار آخرين وطبقات اخرى من المجتمع. وتمتع بأصوات النفور لبيد ويحيموفيتش وبينيت وغلئون. فالاحتجاج هو الفائز الحقيقي في يوم الانتخابات.

يتعلق الدرس الاول بحدود الانقسام في كتل. يفكر الساسة ووسائل الاعلام بمصطلحات صارمة لليسار واليمين وليس الناخبون كذلك. إن نتنياهو الذي ذعره نجاح قائمة البيت اليهودي في استطلاعات الرأي، أمر الليكود بأن يكشف بلا رحمة عن مرشحين متطرفين في القائمة المنافسة. وبذلك خدم الجمهور خدمة جيدة لكنه خدم نفسه خدمة سيئة جدا. فقد دفع الهجوم ناخبين متدينين عن الليكود الى بينيت ودفع شبابا يمينيين غير متدينين عن بينيت الى لبيد. وربما كانت الخريطة السياسية ستكون مختلفة لو امتنع الليكود عن الهجوم على مرشحي بينيت.

ويتعلق الدرس الثاني بمصير الليكود. فقد كان يجب على الليكود باعتباره الحزب الحاكم ان يحافظ على بقائه في المركز السياسي أشد الحفاظ لكن نتنياهو دفع الى اليمين بالفعل. بدأ ذلك بالحلف مع ليبرمان ثم بالانتخابات التمهيدية في الليكود التي سيطر عليها كاتس وفايغلين، وقضيا على التراث الليبرالي لليكود وانتهى الامر الى منافسة بينيت في اصوات اليمين المتدين.

لم يتحرك اليمين أمس (الاول) الى اليسار كما لم يتحرك اليسار قبل ذلك الى اليمين. فقد تبين ان جزءا كبيرا من جمهور الناخبين يفضل ان يختار ورقته الانتخابية بحسب معايير اخرى.

ويتعلق الدرس الثالث بتشكيل الحكومة المقبلة. يوجد في الليكود – اسرائيل بيتنا صراع على هذه القضية زادته نتائج الانتخابات حدة فقط. يفضل ليبرمان ان يتوجه الى لبيد والى بينيت وربما الى ليفني ايضا وان يتخلى عن الحريديين، ويمكن بذلك صوغ قانون تجنيد. وسيكون الأمل في ان تقدم ليفني لهذه الحكومة ورقة تين دولية دقيقة (وربما تضمن بمجرد وجودها محاكمة أسهل لليبرمان. فما كان جيدا لتساحي هنغبي يمكن ان يفيده هو ايضا). ويفضلون حول نتنياهو ان يتجهوا قبل كل شيء الى الشريكات الطبيعية وهي شاس والبيت اليهودي ويهدوت هتوراة. ويجب على نتنياهو ان يبت الامر فهو لا يستطيع ان يرقص في العرسين.

إن لبيد اليوم ليس لبيد أمس فهو يجب عليه ان يطلب أكثر. لأنه حظي بوجبة أكبر مما تستطيع معدته ابتلاعها. ويستطيع لبيد ان يضم اليه سبعة نواب ليفني فلا شيء يفصل بين القائمتين سوى حب الذات. وتمت جهود محمومة في هذا الاتجاه أمس (الاول). لكن السؤال الكبير هو كيف سيعامل لبيد نتنياهو. انه يستطيع ان يحدد تركيبة الائتلاف المقبل ويستطيع تحديد سياسته. إن أباه قد اتخذ قراراته تحت ظل شارون العريض وليس للبيد ظل يلتف به.

ويتعلق الدرس الرابع بحدود الانتخاب. يبدو انه لا يوجد في الواقع الاسرائيلي طريقة لارضاء توقعات الأكثرية من جهة التساوي في حمل العبء ولا توقعات الأكثرية من جهة العدل الاجتماعي ولا توقعات سياسة خارجية تكون مقبولة في العالم. فاما ان توجد مصالحات تنجح وإما ان نصل في غضون سنتين الى انتخابات جديدة.

ويتعلق الدرس الخامس بحزب متواضع لم يكد يذكر في المعركة الانتخابية وهو ميرتس. فقد كانت هذه الانتخابات امتحانا أعلى له – فاما ان يكون وإما ألا يكون. وعرض على جمهور ناخبي اليسار اتساقا ونقاء وجدية ولم يعرض الحكم. وانتعاشه جزاء طيب عن عمل سياسي صعب ودرس ممتاز في الديمقراطية. كان يجب ان نرى السعادة على وجوه نشطاء ميرتس أمس كي نفهم معنى التحول.

ويتعلق الدرس السادس بالبت سلفا أنه لا يوجد اهتمام بهذه الانتخابات لأن نهايتها معروفة سلفا. حينما يحصل 5 ملايين اسرائيلي على فرصة التوجه الى صناديق الاقتراع والحسم فان هذا لا يمكن ان يكون مملاً.

يديعوت

الحياة الجديدة، رام الله، 24/1/2013

مقالات ذات صلة