المقالات

مهمة أوباما بمنظور روحاني !

عندما كنت أخوض بين مختلف المخطوطات الروحانية، وأنواع القراطيس الفلكية، ابتداءً من “اسم الله الأعظم” ومروراً بِطُرق الزيارجة بأنواعها، ووصولاً إلى منشورات أبومعشر الفلكي بألوانها، أجد متعة لا يصدقها عقل، ولا يستوعبها فؤاد. كونها وللوهلة الأولى تُعطي مما تزخر به متونها سؤل السائل، وتنقذُ الحيران بما تجود منه بطونها حتى في عويص المطالب والمسائل، وتُحذّر بالطرق العجائب، من جملة الكوارث والمصائب. فمن أبواب الصداقة والمودّة، إلى فصول القبول والمحبّة، ومن أجزاء جلب النوافع والأخيار، إلى متطلبات دفع البلايا والأشرار. لكني كنت أغتاظ أضعافاً مضاعفة، وأتلقى آلاماً مُكلفة، كلما هممت بفعل ما يجيئ في البال والخاطر، أو ما يهُبّ على الهوى والسرائر، لعدم حصول شيء مما أردته، ولا حدوث أمرٍ كان مما رغبته، برغم الاقتداء بالمسالك الصحيحة، والانقياد للطرق الحسنة والمليحة، سواءٌ في كشف الحُجُب والأعمال، أو بما يتعلق بفتح المندل على الطريقة والمنوال.

د. عادل محمد عايش الأسطل
د. عادل محمد عايش الأسطل

هكذا تبدو الولايات المتحدة، التي تتزود بالمناظر، وتخلو من المخابر، ولعل الناظر إليها، يُبهر لجمالها وينجذب لنهجها، فيأكل من أكلها، ويرتدي من صنعها، وهي غرورة بسياستها وخادعة ببرامجها، فهل نرى الخير على قدوم الأشول الأقرع؟

من الصعب أن تقود زيارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” للمنطقة أواخر الشهر الجاري – فيما لو تمكن “نتانياهو” من تشكيل حكومته الجديدة- إلى حلٍ للقضية الفلسطينية، بالرغم من أن القيادة الفلسطينية قد علّقت آمالاً مهمة، لا سيما بعدما تواردت أنباءً على أسماعها، بلغت سرعتها أضعاف سرعة الضوء، سبقت صاحبها ولأول مرة في التاريخ السياسي الجاهلي والمعاصر، حيث أنه ليس من المعتاد الإفصاح عما ستتناوله أجندة أيّة زيارة قبل إتمامها، حيث أوردت صحيفة (ورد تريبيون) أنباءً في إطار مبادرة أمريكية، عزم “أوباما” الطلب من المأزوم في أمره “نتانياهو”، الانسحاب الإسرائيلي من أراضي الضفة العربية أو من أراضٍ في الضفة الغربية، على أن يكون هذا الانسحاب (مجدولاً) خاصة وأن إسرائيل تقدّس المواعيد ولها سوابق لا تُعدّ في هذا المضمار، وذلك لإفساح المجال أمام قيام دولة فلسطينية (هادئة) بحلول العام 2014.

هناك من الخبراء والساسة أنكروا مثل هذه الأنباء، سواء من حيث مدى صحتها أو من حيث إمكانية تطبيقها، لكن أشاروا إلى أن من السهل التنبؤ بحصول بعض الحركات المعتادة أمريكياً، التي يمكنها دغدغة الأطراف الفلسطينية، لا سيما وقد أنبأ عن ذلك صراحةً وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” عندما أعلن بأن هذه الزيارة ليست لإيجاد الحلول، أو فرض إملاءات وإنما للاستماع، وكأنما تاقت نفسه لسماع أغنية من أغاني طفولته زمن “الكاوبوي الأول” كان طرِب لسماعها حينذاك.

لا شك معه حق، في أن يأتي برأسٍ فارغ وعينين مغمضتين وركبتين مرتجفتين، منذ حملته الانتخابية، لهو أفضل من محاولة استنباط الحلول أو استقراء للواقع والمستقبل لوضع المنطقة الآخذ في التأزّم والتصعيد، لأن هناك من سيلقنه الدرس من الغلاف إلى الغلاف، في شأن القضية الفلسطينية حتى الصداع. وبالتأكيد، سيقع الظلم بحق الرجل، بسبب أنه وبحسب التاريخ الأمريكي، قد عجزت الحكومات الأمريكية عن حل القضية الفلسطينية على الأهواء الإسرائيلية، وكانت أقل تعقيداً، فهو مع غرقهِ داخل جاكوزي (الأنيميا السياسية الحادة)، لا يستطيع فعل أي شيء ومحظورٌ عليه فعل الكثير. مضافاً إلى ذلك، وقوعه تحت وطأة أمراض مزمنة، أقلّها ما ورثه عن سابقيه وآخرهم “بوش الثاني”، وفيما كان بسببه هو ذاته، في تعطيل الحلول بالفيتو تارة، وبإعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لكي تقتل الشعب الفلسطيني تارةً أخرى.

صحيح أن زيارة الرئيس “أوباما” لن تخلو من الحسنات (الغير مباشرة)، التي ستُقدم على فعلها إسرائيل، والتي لم تأتي بأي حال نتيجة العمل السياسي الأمريكي، نحو تحقيق أهداف ورغبات لصالح القضية الفلسطينية، وإنما نتيجة بروتوكولات وطقوس سياسية، اتبعتها الدول وخاصةً (إسرائيل)، سعياً لتحقيق مصالح خاصة، هي أعلى ربحاً وأقل خسارة من التي ستقوم بتقديمها في البداية، وتكون قد حصدت مرتين، بتعديل صورة كيانها أمام العالم (المُرائي)، وامتصاص الغضب وتنفيس جملة المضغوطات هنا وهناك، وما سيعود عليها جراء الرضا الغربي من استئناف تدفق الأموال وعودة المياه إلى مجاريها، بشكلٍ يسهل عليها ابتلاع ما بقى من أراضي الضفة الغربية رغماً عن أصحابها، ومن ناحيةٍ أخرى بقاء الحال على ما هو عليه ومن غير إشعار.

حقيقة الأمر أن “أوباما” يهدف إلى خدمة المصالح الأمريكية، بشكلٍ أكثر مما يهدفه في شأن حلحلة القضية الفلسطينية والدفع بها إلى الأمام، وإن ملمتر واحد. فهناك ولاشك أعباء سياسية وعسكرية واقتصادية، تجبره بالتحلل من كافة المشاعر الأدبية والأخلاقية، بسبب أنه بات (طريداً ومطلوباً) داخلياً، طوال الوقت، من قِبل ثلاثة أعداء لدودين، الجمهوريون بزعامة “غينغريتش” واللوبي اليهودي وأصحاب المصالح، ويسعى لأخذ بعض المسكنات لمشكلات حقيقية تُعانيها بلاده، إضافةً إلى متابعة ما هو أهم والذي يتمثل في تكريس النفوذ، وإحكام السيطرة على المنطقة نحو مصالحها الاستراتيجية بشكلٍ عام، بما في ذلك ضمان التفوق (الإسرائيلي) العسكري والاقتصادي والسياسي على الدول العربية، وخاصةً دول الطوق، ومن ناحيةً أخرى ضمان الحفاظ على تدفق النفط إلى الولايات المتحدة بأسعار مريحة.

وحتى إذا حصل الخوض في شأن القضية الفلسطينية، فإن نتانياهو” لن يرُق له ذلك، ولن يتفاعل مع أية طروحات أو مبادرات، وإن كانت أمريكية بالرغم من علمه، بأن لا حياة لإسرائيل بدونها، وسيفضّل تناول السمّ قبل أن تتلفظ شفتاه بتنفيذ أيٍ من استحقاقاتها، وسيتمنى على “أوباما” بأن يقلب الصفحة، وانتقاله بسرعة إلى الملف النووي الإيراني.

الحمائمي “إيهود باراك” نفسه، كان هناك لدى صناع القرار في واشنطن، وهو بالضرورة على علم بعناوين الزيارة، كان استبعد تماماً فكرة تحقيق سلام شامل مع الجانب الفلسطيني، ورأى ضرورة العمل على تحقيق (سلام مؤقت) يراعي المصالح الأمنية لإسرائيل، ورأى أنه في حال عدم تحقيق هذا (السلام المؤقت) فيتوجب على إسرائيل اتحاذ خطوات أحادية، لمنع قيام دولة فلسطينية عنيفة.

يبقى اليقين الآن، بأنه ليس للرئيس “أوباما” ولا بأي حال، المقدرة أو الجرأة على فرض (فرص) كافية ومشجعة، للوصول إلى حل للقضية الفلسطينية قريباً، وإن من خلال عمل “أوباما” بمفرده، فالولايات المتحدة لها تاريخ طويل في انحيازها التام لإسرائيل، وإسرائيل من ناحيتها ليست بحاجة لأحد، كي يُحصي متطلباتها الأمنية والسياسية، التي تحول بينها وبين الإيمان بالحلول السلمية أياً كان شكلها، لتبقَ (سدّة نحاس) ضد العملية السياسية وضد السلام الذي تنشده. لكن تظل لدى الجانب الفلسطيني قناعة بأن جولة “أوباما” إذا لم تقُد إلى أي اتفاق مع الإسرائيليين، فمن شأنها أن تعمل على (تحريك) القضية الفلسطينية، و”أوباما” خير من يفعل ذلك.

د. عادل محمد عايش الأسطل

خان يونس/فلسطين

5/3/2013

مقالات ذات صلة