المقالات

الشتات اليهودي والتشتيت العربي !

الشتات اليهودي والتشتيت العربي !

الشتات اليهودي معلومٌ منذ الأزل (السبي البابلي الأول والثاني)، وكان رغماً وكرهاً، بينما التشتيت العربي كان حصل قريباً وبدا بوتيرة أسرع وكان طوعاً ورغبةً، وسواء كان بإرادة المشتَتين، أو من قِبل المشتِتين. ورغم أن من القواسم المشتركة، بين المشتتين من اليهود أو العرب، بأنهم يعيشون خارج دولهم، فإن ما يفرّق بينهم هو، أن الشتات اليهودي بشكلٍ (كلي) يظل معلقاً دينياً وقومياً بما يُسمى لدى اليهود (أرض إسرائيل)، باعتبارها أرض الميعاد وأرض الآباء والأجداد، بعكس الشتات العربي، الذي يكون على درجةٍ أقل من حيث الولاء والانتماء للبلد الأصل، والوطن بشكلٍ عام.

الشتات اليهودي اصطلاحاً، هو تفرّق الجماعات اليهودية في أنحاء الدول. ويعني إجرائياً، بأنه يضمن سمات بارزة وعلامات فارقة (دينية – ثقافية)، كوّنت بمجموعها ثقافة خاصة، تميز بها وسط شتات أقليات أخرى حول العالم بما فيها الشتات الفلسطيني. حيث نرى يهود الشتات، أكثر تماسكاً وقرباً وفاعلية، من خلال دأبهم – كركيزة أساسية- التظلل برداء الديانة التوراتية، والقيم والأعراف والعادات اليهودية المتوارثة، ويبدو ذلك جلياً من خلال العمل على خلق المؤسسات اليهودية المختلفة، من مدارس ومعاهد وجمعيات ومراكز تدريب وتأهيل، وهي فاعلة (جماعياً) بشكلٍ جيّد، حيث كان لها الدور الأكبر، في ترتيب المفهومات الدينية اليهودية، وتعظيم الهوية الاقتصادية اليهودية أيضاً، حيث كان لهما التأثير البالغ، في رسم السياسات وصنع القرارات في الدولة التي يعيشون فيها، بل وتعاظم ذلك التأثير، إلى حد السيطرة اليهودية على الهيئات والمؤسسات الدولية وأهمها (مجلس الأمن الدولي). بينما الشتات العربي، فهو أقل تماسكاً وبدا كأنه مشتت مرةً أخرى، فلا تجمعه مؤسسات ذات شأن، وليس له وزن يُذكر، بالرغم من تفوقه على التواجد اليهودي والأقليات الأخرى، في دولة الشتات من حيث الكم والعدد، حيث تصل نسبتهم إلى خمسة أو ستة أضعاف بين عربي ومسلم. فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية يلاحظ بوضوح ازدياد نفوذ الطائفة اليهودية الأمريكية، بوصفها أضخم وأغنى طائفة، تمثلت في آلاف المؤسسات والمنظمات اليهودية المختلفة وأبرزها منظمة (الإيباك) وهناك في فرنسا مؤسسات ومنظمات يهودية مماثلة، لها نفوذاً منتجاً، من خلال ما يقارب 700 ألف يهودي داخل البلاد، وهو وضع يمكن سحبه على بقية الدول في العالم وخاصةً الأوروبية. من حيث دورها الغاعل، في إحداث عملية ديناميكية، لإيجاد مصالح مشتركة (دائمة) بين الجماعات اليهودية وبين الدول الغربية بشكلٍ خاص، ومن ثم قدرتها على مداومة التقاء المصالح من خلال تقديمها خدمات واسعة للدول الغربية في الاقتصاد (رأس المال) والأمن. وقد ساهم ذلك في العديد من الأحداث والتغيرات حول العالم وأبرزها، تحطيم ألمانيا النازية، وانهيار الاتحاد السوفياتي، ودعمها لمصالح الغرب فى منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عام. بينما لا يوجد أي جهد يمكن الاعتداد به، أو المقدرة من قِبل الشتات العربي، في إيجاد أي ربط أو أي شكل من أشكال التقاء بين المص الح الغربية والعربية، واقتصرت على عمل الأنظمة فقط، والتي أنتجت المزيد من التداعيات والتراجعات على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.

يتميز الشتات اليهودي بالحماية التامة من قبل أنظمة الحكم في الدولة الإسرائيلية، بينما تنعدم تلك الحماية ذاتها بالنسبة للشتات العربي.

الشتات اليهودي، يجمع الأغنياء وأصحاب العقول، بينما العربي يظل على الدرجة الدنيا من الغنى ونسبة غير كبيرة من أصحاب العقول.

أيضاً فإن من السمات الغالبة على الشتات اليهودي، هو بذل العتاد والأموال لإسرائيل ولليهود داخل الدولة، حيث يضخ في صندوق ماليّتها، مليارات الدولارات في السنة الواحدة، بهدف مواصلة إعمارها والمحافظة عليها، بينما يفتقر الشتات العربي، لدوافع وحوافز أخرى، للإقدام على أعمال مشابهة.

كما أن لدى العقيدة اليهودية رأس مال شجاع، تبرز أهميته أوقات الشدة والأزمات، التي قد تعصف بمقدرات إسرائيل، وبالمقابل فإن أموال الشتات العربي بالكاد تصل، وتكون بدرجة عالية من الشح والندرة، وأكثر جبناً من رؤوس الأموال الأخرى، وأسرع في الهرب لأقل طارئة.

وبالتأكيد، فإنه تغلب على الشتات اليهودي صفة الثراء المتنامي والمتعاظم، الذي يسمح لهم بمواصلة السيطرة والتحكم باقتصادات العالم، لكن الثراء العربي (الفردي) تطغى عليه في الغالب، صفة التآكل والتلاشي، لعدم القدرة الكافية لتسييره في المكان المناسب، أو بسبب وضعه في مجالات الفساد. ومحال أخرى غير مجدية.

ومن الأمور الهامة في مسألة الشتات هذه، هو أن الدولة الإسرائيلية، تسعى بكامل طاقتها، وتجاهد جهدها، وسواء بالترغيب في مرضاة الرب، بتحقيق الوعد الإلهي، أو الترهيب من الغضب الرباني من هجران الأرض الموعودة، أو بتفاصيل دنيوية (الديمقراطية والتصدًي لمعاداة السامية)، تسعى إلى جلب يهود العالم إلى داخل الدولة، لا سيما منذ أن أصدرت الحركة الصهيونية العالمية، فتح أبواب فلسطين لليهود، لغاية إنشاء مملكة اليهود الكبرى في (وطنهم التاريخي) بالرغم من عدم وجود أية مقومات جغرافية أو سكانية أو تاريخية، بينما لا نجدُ من تشعر بتلك التوجهات من الدول العربية، وهي ذات الجذور الدينية وصاحبة الحضارة والتاريخ والتراث الأزلي، بل قد يكون هناك تشجيعاً من قِبلها وإن بطريقٍ غير مباشرة، وخاصةً أصحاب القدرات والعقول، للهجرة منها والبقاء خارج البلاد.

الشتات اليهودي، إلى جانب كونه عنصراً هاماً في تطوير الدولة، فإنه من ناحيةٍ أخري يعتمد الجاسوسية السياسية والأمنية والاقتصادية واختلاس التقنيات المختلفة، في سبيل مواصلة تطويرها، حيث يعتبر جيش إسرائيل الثاني، من حيث الحماية الشاملة لدولة إسرائيل من خارج الحدود، بينما تنعدم مساهمة الشتات العربي في هذا المجال، أو بهدف إحياء الدول التي ينتمون إليها، ومن ناحيةٍ أخرى، فإن شريحة أخرى من المشتتين العرب، تعتبر إلى حدٍ ما، عالة على الدولة المضيفة، وعلى دولهم الأصل، بسبب قلة إمكاناتهم الإنتاجية والعملية، إضافةً إلى ما تلاقيه من مضايقات واستفزازات بحيث يمكن من خلالها وصفهم باستعدادهم القيام بالأعمال التي يطلق عليها الغرب (أعمالاً إرهابية).

وما دام الأمر كذلك، كان لا بد من أن تعمل القيادات لدى الدول العربية، ليس على تقليد ثقافة الشتات اليهودي والاقتداء بذات النهج، بل لخلق شتات عربي منظم ذو (ثقافة عربية) لها القدرة في صنع إنسان عربي وأمة عربية وطنية، تكون أهم خصائصها، قيادة الأمم.

د. عادل محمد عايش الأسطل

خانيونس/فلسطين

15/2/2013

مقالات ذات صلة