أرشيف المنتدى

الزائر الذي طال إنتظاره..

الزائر الذي طال إنتظاره..

ها هي سنين التقاعد قد بدأت تطل برأسها مُعلنة قرب اللقاء، بعد صخب شبابٍ أوهمنا بسحره الأزلي. لن يطول بنا الوقت حتى نستقبلها طوعاً وبلا خَيار.

هل حقاً كما قيل هي “السنين العِجاف”، أم كما يُقال في بلاد العم سام هي سنين “العمر الذهبي” بلا منازع!.

تساءل صديقي الذي ترافقت وإياه بين دروب الحارات وفي بلاد الإغتراب: لماذا لا نستقبل مرحلة التقاعد بمرح وفرح كونها مكافأة كدحٍ قارب الأربعة عقود!.

تزاحمت الأفكار حتى منعتني لبرهة من رد الجواب، ثم قلت:

من الإنصاف يا صاحبي، أن نحصل على ما يُعادل رحلة العطاء التي سلكها العقل والجسد بلا كلل. لكن، دعني أصارحك بهواجسي حول ما الذي يمكن أن تخبأه تلك الأيام القاعدة المتقاعدة بعد أن تطرق الأبواب.

هي “رسالة بريد” لا يعلم فحواها غير الواحد الأحد. بعضها كما “السجن” مليء بفراغات يصدح بين جنباته حوار النفس مع جسد أرهقته رحلة الأيام. حوارٌ قد يُجبر من حولك على الأخذ بيدك عوناَ لخطوات أخطأت مواطئها وهي تبحث عن الثبات.. إلى أن تستكين الروح طوعاً أمام مشيئة الرحمن.

وبعضها قد يُصبح كما “الحركة الدائرية” تنحصر دروبها ما بين البيت وأين يقطن الأولاد والأحفاد، وعند أبواب عيادة طبيب.. وأمام نوافذ الصيدليات!.

وقد تكون كما “المَحكمة”، القاضي فيها والجاني هما شخص يسكنه شخصان.. يجلس تارة محاسباً وتارة مراجعاً لخطواتٍ أين أخطأ فيها وأين أصاب!.

وقد تكون يا صاحبي كما “الرحلة” على بساط الريح، الصفاءُ سيُّدها والهدوء لها عنوان.. وزادها كتاب وقلم وطبيعة تُحاكي أسارير النفس وتوحِّد خالق الأنام.

وربما يا صاحبي، هي كما إختبرنا أخواتها من السنين السابقة، خليطٌ من شقاء وهناء ورجاء، مُفسحة المجال أمام حسن التدبير والتدبّر مع كل يوم تشرق فيه شمس الصباح لتحاكينا بلغة لا يتقن قراءة حروفها سوى من ملك القدرة على محاكات اللحظات وهي تلامس الوجود بأمن وسلام.

ولنا معكم ومع سنين التقاعد لقاء..

أبورياض