المقالات

الثقب السوري.. في وعي

الثقب السوري.. في وعي

الطبقة السياسية..

السبت,23 شباط 2013 الموافق 13 ربيع الأخر 1434هـ

بقلم أحمد الغز

يصعب علينا تحديد حقبة بعينها من الحياة الوطنية منذ الإستقلال حتى الآن تميّزت بإستقلالية القرار السياسي اللبناني.. فمن أحضان فرنسا الأم الحنون.. إلى أحضان حلف بغداد والعمّ سام.. إلى أحضان الوحدة السورية المصرية ومصر عبد الناصر.. إلى عهدة منظمة التحرير الفلسطينية والأخ أبو عمار وكلّ الأبوات.. إلى رعاية الأشقاء العرب وقوات الردع العربية وعلى رأسهم الشقيق السوري الأقرب.. والشعب الواحد في دولتين.. إلى العدو الاسرائيلي الذي كاد يمسي جاراً.. إلى القوات المتعددة الجنسيات.. وواينبرغر وجورج شولتس.. إلى إجتماعات كريات شمونة.. وموريس دريبير والوفد اللبناني المفاوض.. إلى الإنسحاب من بيروت والجبل.. وإقتتال ذوي القربى دون رادع أو رقيب.. يوم كانت إسرائيل في الجنوب وبعض البقاع الغربي.. وسوريا في البقاع وبعض الشمال.. وطرابلس بين أبو عمّار وأمراء التّوحيد.. وبيروت وحيدة بين أيدي فلان وفلان وفلان وفلان.. إلى أحضان سباق الخيل حيث أصبح اللبنانيون أحصنة هرمة في ميدان سباق الخيل.. تجتمع فيه اللجنة الأمنية الثلاثية بين سباق وآخر لتتقاسم الرهانات والأرباح على أرواح الناس وممتلكاتهم..

إنّ هذا الإستعراض ليس تأريخاً دقيقاً.. إنّما هو محاولة لتنشيط الذّاكرة الوطنية.. لأنّنا بأمسّ الحاجة إلى إستعراض كلّ ذلك الشّريط الطويل من الخيبات اللبنانية والفشل الدائم في إدارة شؤونها بأنفسها.. حتى أصبح التّساؤل مشروعاً حول قدرة هذه التّجربة اللبنانية على الإستمرار.. وهل يمكن أن تدخل في مسيرةٍ واضحة الأسس والأهداف والأدوات.. تجعل اللبنانيين يحققون جوهر تكوّنهم الوطني؟.. أمّ أنّ هذا الأمر مستحيلاً وليس هناك أي إمكانية لتكوين هوية وطنية على أساس المواطنة في وطن ودولة بأبسط أسبابها ومعانيها ؟..

كثيرةٌ هي الإستدلالات الإجتماعية والإقتصادية والفكرية والأدبية والفنية.. وبشكل قاطع تأكيد القدرة الانجازية للفرد اللبناني في كلّ مجال مما يؤكّد على سويّته الإنسانية والذهنية.. وأنّه يفكّر كلبناني.. ويعمل كلبناني وعندما ينجح يتحدّث عن لبنانيته.. وعندما يصل الأمر إلى السّلطة يصبح فاشلاً..وقاصراً.. ومتخلّفاً.. وخائفاً من أن يكون لبنانياً..

محطاتٌ ومحطات.. ومظاهرٌ من الحقد والتنافر لدى المكوّنات السياسية والوطنية بالغة الوضوح.. ومن العنف السياسي الدّائم.. الذي لم ينقطع أبداً منذ الإستقلال حتى الآن.. مما يجعل من محطات العنف المسلّح أمراً عادياً وطبيعياً.. نتيجةً للعنف السياسي.. وعلى سبيل المثال فإنّ التلفزيونات لا تحب الذين لا يحركون الغرائز.. بمعنى أوضح أنّ معظم البرامج التلفزيونية والصحف اليومية هي جولات من العنف السياسي تُسعد اللبنانيين لأنّهم يفضّلون العنف السياسي تحاشياً للعنف المسلّح..

أعتقد بأنّني إستطعت أن أذكّر بذلك الماضي المؤلم والمأساوي.. وبعضكم تذكّر عزيزاً قُتِل.. أو منزلاً حُرِق.. أو متجراً نُهِب.. أو سيارة سُرقت.. أو كهرباء أو ماء انقطعت.. أو صديق غَدَر.. أو جار ظَلَم.. إنّني أعتقد بأنّ هذه الذّاكرة لا بدّ من إستحضارها الآن لأنّ الأخوة اللبنانيين الذين تسبّبوا في كلّ ذلك.. وقد أُعْطُوا مجتمعون مقدّرات البلاد والعباد.. سلطةً وأسواقاً.. فإنّ هؤلاء يعانون من جملة أزمات ملتبسة ومتناقضة فهم لا يعرفون ما إذا كانوا أصل الحكم في الحقبة الماضية أم صورة الحكم..

إنّ ما يعيشه هؤلاء أزمة كبرى بسبب الغموض الذي يحيط بمستقبل سوريا.. فجميعهم.. حلفاءً كانوا أم خصوماً لسوريا.. كانوا ولا يزالوا محكومين بالإدارة السورية للشأن اللبناني على مدى عقود طويلة..

إنّ الطّبقة السياسية تعيش أزمة الفراغ السوري الذي بدأ يصبح أمراً واقعاً.. وهذا الكلام لا علاقة له بما يجري في داخل سوريا.. إنّما له علاقة بتكوين الوعي السائد لدى الطبقة السياسية التي تشكّل سوريا فيه نقطة الإرتكاز.. مما أحدث ثقباً في الوعي يشبه الثقب في طبقة الاوزون وأثرها السلبي على البيئة.. فجميعهم لا يعرف لبنان إلاّ من خلال سوريا ودورها.. خصومة أو صداقة..

إنّنا مسؤولون عن سلامة تلك الطبقة السياسية ومساعدتها على تجاوز محنتها.. فهي لا تعرف حقبة لبنانية دون حاضن أو مدير للأزمة أو للاستقرار..

لبنان يحتاج إلى صديق.. يريد له الخير والسلامة ويساعده على النأي بنفسه مما يدور حوله وفي المنطقة والعالم.. نعم لبنان يحتاج إلى عطف اللبنانيين على الطبقة السياسية.. ولا مانع بأن يطالب الشعب اللبناني بإبقاء نواب الأمة أطول مدة ممكنة داخل البرلمان حتى الشّفاء من داء البرلمان.. لا بدّ لنا من أن تتشكّل لجان إغاثة لحماية الطبقة السياسية من نفسها.. وأن نتحمّل مسؤوليتنا الأهلية كما تحمّلناها خلال حربهم الطويلة بتأمين احتياجاتنا الذاتية من ماء وكهرباء وأمن وتعليم وطبابة.. لا بدّ لنا من استحداث سلطة أهلية موازية لرعاية أزمة الطبقة السياسية..

لا نستطيع أن نجيب هذه الطبقة السياسية على سؤالها الضمني والحقيقي والواحد لدى الجميع.. المطلّع والمتابع والمستشرف.. وهو ما مستقبل الأوضاع في سوريا؟.. انه السؤال الوحيد لدى أصدقاء سوريا وخصوم سوريا.. والأكيد أنّ الإجابة عن سؤال الفريقين هي واحدة.. فسوريا لم تعد سوريا التي عرفتمونها.. وإنّكم لن تعرفوا سوريا كما عرفتمونها.. وإنّ السؤال الذي يجب عليكم البحث عن الإجابة عليه هو كيف نملأ الفراغ الذي وقع في وعيكم وإدراككم وألقى عليكم تحديات لم تكونوا مهيّئين لها.. فإنّ أبسط واجباتكم.. هو حكم أنفسكم بأنفسكم.. وأنّ السوري ليس مسؤولاً عن الخواء الذي تظهرونه والعنف الذي تمارسونه فيما بينكم..

إنّ أخطر ما يحدث في الأسابيع الماضية هو الشّروع في تحريك الإستعداء للمسيحيين في لبنان.. وهذا يجب أن يكون أمراً محرّماً على المسلمين والمسيحيين.. وعليهم جميعاً أن يكونوا لبنانيين.. ومواطنين بدون إمتدادات.. كي لا يصبح وجودهم ثقيلاً على الكيان الصغير.. فلبنان الوطن النهائيّ لجميع أبنائه.. بما هم أفراد ومواطنون..

إنّ الأسابيع القادمة ستكون قاسية جداً.. وعلينا جميعاً أن نتحلّى بالكثير من الصبر والثّبات.. وعلينا أيضاً أن نعمل على تهدئة الطبقة السياسية وتطمينها والعناية بها كي لا تؤذي نفسها ووطنها.. لأنّ الأعراض التي رأيناها في الأيام الماضية جعلتنا نحزن لحالهم.. ونتفهّم عجزهم.. فلقد تعوّدوا على ادّعاء المسؤولية وليس ممارستها.. رغم أنّه لو أتيح لهم فرصة خلال العقود الماضية لأجادوا وأبدعوا لأنّهم يملكون مقدّرات عالية وخلاّقة.. إلاّ أنّ الإدارة الخارجية للواقع اللبناني سلبتهم هذا الحقّ.. وعوّضت عليهم بتلك المواقع..

علينا أن ندخل في لبنان ما بعد تحرير الأرض وإعادة البناء وما بعد سوريا.. وعلينا أن نتواضع في فهم ما لدينا.. وما هو قدر الضرر الذي لحق بالشخصية الوطنية اللبنانية منذ الإستقلال حتى الآن.. علينا أن نقلع عن الإدّعاء وعن البحث عما يفرّقنا.. فلقد إستنزفنا كلّ ذلك الوعي السلبي الذي تحكّم بشراكتنا الوطنية ومنع قيام الدولة الناجزة والشعب الواحد..

ahmadghoz@hotmail.com

مقالات ذات صلة