المقالات

دلال عروسة فلسطين

دلال عروسة فلسطين

بقلم رفعت شناعة

12-03-2013

في مثل هذا اليوم الحادي عشر من آذار العام 1978 كان الساحل الفلسطيني على موعد مع ثلة من أبناء هذه الأمة لكتابة صفحة جديدة في سجل فلسطين المشرق، هذه الصفحة التي ما زالت الأجيال تقرأها باعتزاز. لقد تمكنت مجموعة الشهيد كمال عدوان التي ضمَّت ثلاثة عشر بطلاً من أبطال حركة فتح تقودهم دلال المغربي عاشقة فلسطين ابنة صبرا وشاتيلا التي انتمت إلى حركة فتح مبكراً، وحققت ما حلمت به هي ورفاق دربها بالوصول إلى أرض الوطن السليب، وتنشُّف رائحة ترابها وعبق أزهارها، وتكحيل العيون برؤية بحرها وشواطئها، وسهولها، وجبالها، وتحقق الحُلم بالوصول بواسطة الزوارق المطاطية، قفز الأبطال بأسلحتهم متأهبين لتنفيذ مهمة الثأر للشهداء الثلاثة القادة كمال عدوان، وأبو يوسف النجار، وكمال ناصر الذين تم اغتيالهم في العاشر من شهر نيسان العام 1973 في أماكن سكنهم في بيروت ليلاً، في منطقة الفردان. لم تكن مهمة هذه المجموعة مجموعة الشهيدة دلال المغربي سهلة لأنها تتم في عمق الاحتلال والأماكن المستهدفة هي أماكن عسكرية محصَّنة جيداً. سيطرت المجموعة على باصين، وكانت رحلة المجد والاعتزاز على امتداد الساحل الفلسطيني، ولمدة زمنية مكنتها من إقامة الجمهورية الفلسطينية حسب ما قال نزار قباني لأول مرة رغم أنف الاحتلال، للتأكيد على أن هذه الأرض هي الأرض التاريخية للشعب الفلسطيني. أبطال العملية هم من عدة أقطار عربية وهذا ما يؤكد بأن مهمة تحرير فلسطين هي مهمة الأمة العربية والإسلامية وليس فقط الشعب الفلسطيني، والأبطال هم:

دلال سعيد المغربي (جهاد) عشرون عاماً.

محمود علي أبو منيف، (أبو هزاع) 19 عاماً.

يحيى محمد سكاف (أبو جلال) 18 عاماً وهو من قرية بحنين شمال طرابلس لبنان، وقد أسر أثناء المعركة ولم يُعرف عنه شيء حتى الآن.

حسن إبراهيم فياض (فياض) 18 عاماً، أُسر بعد أصابته وحكم عليه بالمؤبد، وخرج في عملية التبادل العام 1985 في عملية النورس.

خالد محمد أبو أصبع (أبو صلاح) من فلسطين أصيب بعد أن نفذت ذخيرته، وتم أسره وحُكم عليه بالمؤبد، وأطلق سراحه في عملية التبادل العام 1985 في عملية النورس.

خالد عبد الفتاح يوسف (عبد السلام)- فلسطين- استشهد غرقاً قبل الوصول إلى الساحل.

محمد حسين الشمري (الشمري) من اليمن.

عبد الرؤوف عبد السلام علي- عبد السلام- من اليمن- استشهد غرقاً قبل الوصول.

علي حسين مراد (أسامة) شبل من لبنان، استشهد.

أحمد راجي شرعان- (وائل)- من لوبية، فلسطين، شهيد.

محمد فضل أسعد- أبو الرمز- فلسطين شهيد.

عامر أحمد عامرية (عامر)- 18 عاماً- من بلدة بحنين- المنية، شمال لبنان.

محمد مسامح، من شويكة فلسطين.

ونحن نعيش هذه الذكرى المفخرة يهمنا أن نسجِّل مجموعة من القضايا الجوهرية

أولاً : إنَّ أبطال العملية خضعوا لتدريبات عسكرية في معسكر في منطقة صور شرقي الليطاني ؟، ولم تتسرب أية معلومات عن هذه التدريبات ، وهذا يدل على مستوى الوعي والفهم لطبيعة هذه المهمة الخطيرة .

ثانياً : إنَّ سير العملية أكد سلامة التخطيط الذي أشرف عليه القائد خليل الوزير أبو جهاد المسؤول الفعلي عن العمليات في الداخل ، والعمليات التي خطط لها هذا القائد سواء عملية كمال عدوان ، أو سافوي ، أو ديمونا دلَّت على الخبرة العسكرية ، والمراس الميداني ، ومعرفة ما يتعلق بالعدو الإسرائيلي .

ثالثا: إن إختيار البرلمان الإسرائيلي كهدف تصله المجموعة ومن داخله تبدأ بالمفاوضات بعد السيطرة ، واختيار هذا الهدف الكبير والمعقد هو بحجم الجريمة التي ارتكبها باراك بحق ثلاثة من قادة الحركة .

رابعاً: دلال خاطبت الرهائن المذعورين في الباص وعددهم (68 ) بلغة إنسانية لطمأنتهم بأنهم ليسوا الهدف الذي نبحث عنه (( نحن لا نريد قتلكم ، نحن نحتجزكم فقط كرهائن لنخلص إخواننا المعتقلين في سجون دولتكم ألمزعومة من براثن الأسر . هذه اللغة الرقيقة والدمثة لا يستطيع قولها مقاتل ينتظر الموت بعد لحظات ، فالجانب الإنساني في حياة مقاتلينا له أثر كبير على قناعاتهم وسلوكهم .

خامساً : إن تمكن هذه المجموعة من تخطي ثلاثة حواجز بعنف وقتل الجنود هناك ، كل ذلك لا يعني الانتحار ، وانما الاصرار على الوصول إلى الهدف وهذا ما أرعب بارك وجعله يعطي أوامره برفض التفاوض والتصدي للرهائن .

سادساً: إنَّ الخبرة القتالية التي امتلكها أعضاء الدورية ،والإيمان المطلق جعلهم يخوضون معركتهم بشراسة ويوقعون عدداً كبيراً من القتلى (30 ) ومن الجرحى (80)، ولولا الإرادة والإصرار لما تمكنوا من الاستمرار في العملية حتى النهاية .

سابعاً : أعضاء المجموعة تصرفوا بهدوء ، أما باراك فقد فقد مشاعره وعقله عندما رأى أن من يقود هذه العملية هي امرأة فلسطينية وطنية وأصيلة ، وليس باراك الذي لبس لباس امرأة لإخفاء ملامحه عندما اقدم على اغتيال القادة الثلاثة . ولهذا السبب أمسك شعر دلال المغربي وهي شهيدة وشده ، وهي شهيدة ، ثم ركلها برجله ، فأين هي المناقبية العسكرية ؟!

أي دين يبيح التعامل مع الجثة بهذه الطريقة ! أليست هي العنصرية بنفسها ؟!

ثامنا ً : إنَّ دلال المغربي وهي التي انخرطت في المقاومة باكراً ، وتدَّربت ، وامتلكت الجرأة النادرة ، وكانت دائماً تقول: (( الموت فوق أرضنا حياة وكل طلقة من أجلها صلاة ، هيا معي يا إخوتي ، ويا رجال ثورتي ،لنجعل الرصاص طريقتنا إلى الخلاص )) .

تاسعا : يستوقفنا في هذه العملية ما علَّمه أبو جهاد لأبنائه المقاتلين من قِيم ، ومبادئ ، وأخلاق دينية ، وما وضعه من ضوابط لإنجاح العملية : إنَّ هدفنا هو تحرير أبطالنا الأسرى ، وعلينا أن نضرب مثلاً في الشجاعة ، وان نكون يداً واحدة ، وان ينتصر الوجه الحضاري لثورتنا من خلال تعاوننا وتعاملنا مع الرهائن ، وان نعامل الاطفال والنساء معاملة حسنة ، وان نرفع علم فلسطين فوق أرضنا . وأما من يقع أسيراً من أعضاء المجموعة فعليه التصرف بشموخ جبال الجليل ، وعليكم أن تجعلوا مناحيم بيغن يبكي كما أبكانا في دير ياسين .

عاشراً: إنَّ الوصية التي تركتها دلال المغربي قبل استشهادها والتي نشرت بعد العملية في 2/4/1978تتميز وبالنقاء والصفاء والوعي ألوطني والحرص على الوحدة الوطنية والعلاقات ألأخوية والقرار ألمستقل وتحرير الأرض والتراب ألفلسطيني وأكدت الشهيدة دلال حقيقة ثورية بأنه لا يهم أن ترى أنت النصر ، وأنك ترى لحظة الانتصار بعيني رفيقك .

هذه العملية البطولية كانت اكبر من الكلمات لأنها أربكت كياناً عسكرياً صهيونياً وجعلته يتصرف بجنون يبرز الهمجية الصهيونية والحقد والإجرام .

بقلم /رفعت شناعة

مقالات ذات صلة