المقالات

يافا براعم برتقال:- رشا حيدر

الإهداء الى فلسطين كل فلسطين
الى روح الشهيدين عدي وغسان ابو جمل
الى يافا ابنتي التي لم تولد بعد
والى روح ابي
ليلة المخاض
أسميتها (يافا) كيف لا وانا ابنة
فلسطين وابنة المخيم وابنة الخامسة والعشرين عاما والسبعون نكبة والقضية
جاءني الم المخاض وكأنه زلزال يضرب أحشائي ،وعندما وضعتها وحملتها شعرت وكأن فلسطين بين يدي رأيت قبتيّ الصخرة والاقصى في عينيها المغمضتين
كان بكاءها متقطع يشبه انين الامهات الثكالى
يافا ابنتي فسيل من برتقال البيارات في يافا اقتطعت من ارضها لتزرع في أحشائي . وضعت يافا ليلة مولد النبي محمد وعندما عدنا بها الى منزلنا طلبت من زوجي ان يضيء شمعتان واحد لميلاد النبي محمد والثانية ليافا وطلبت من الله ان يحفظ الصغيرة ومطرقة ورصاصة مطرقة من نار لتذيب الأسلاك والحواجز حتى لا يكون لنا الا الحق والحق ارضنا.
كنت أريد ان انام لكني وجدت نفسي أتأمل وجه طفلتي جميلة طفلتي كيافا شعرها أشقر أملس تغطي خصلاته جبينها اما عيناها كأن موجه من بحر يافا حطت فيهما.
اخ يما اديش خايفة تكبري انت واخوكِ ونبقى بهالمخيم وما نعرفش وطن غيرو
كبرت يافا انه عيد ميلادها الاول مدينتي الصغيرة من لحم ودم وضعت على كعكة عيدها ثلاثة شمعات ليافتي لمحمد النبي وليافا الام وهكذا في كل عام كنت أضاعف عدد الشموع.
يسلملي وجهك يما محلاكي كنت دائما أراقب قسمات وجه صغيرتي بذرة البرتقال تلك التي غرست في رحمي وهاهي شجرة مثمرة ولكن بلا جذور
يافا المشاغبة كالبحر دائما تسالني -يما اديش بتحبيني؟
-بحبك قد المخيم ووتد الخيمة والطلقة الاولى وكرت الإعاشة .
٣٠-٩–٢٠٢٤
صوتي يعلو في الدار قوم يابو غسان عزا بعدك نايم شو ناسي اليوم اول يوم مدرسة ليافا ولازمن نكون معاها.
-غصب بالك يا مرا بتضلك مستعجلة
انتظرت ستة أعوام لأرى صغيرتي بالزي المدرسي وهاهي ابنتي اليوم على مقاعد الدراسة ألتابعة لوكالة الغوث انفجرت ضاحكة باكية وانا ادخلها الى الصف وتمتمت قائلة : والله الظاهر بنتوارث الهم والمخيم هون انا درست المرحلة الابتدائية اه والله هون
وكنت يومها حبلى ب عدي فنهرني زوجي ما تنكديش يا مرا بلاش يجي الصبي نكدي .
انتظرت عودة الصغيرة كنت متشوقة لأعرف ادق تفاصيل يومها وكنت قد لقنتها ان تقول اذا ما سألوها عن اسمها : انا اسمي يافا لان شعري اصفر مثل رملها وعيون مثل لون البحر.
وعكفت تخبرني عن صديقتها بيسان وأنها تسكن الى جانبنا في المخيم ومضت تلعب فراشتي مع غسان الذي يكبرها بعامين ونكبة.
جارتي ام بيسان
كعادتي انا من تأخذ يافا وغسان الى المدرسة وفي طريق عودتي كأن صوتاً يناديني يام غسان يام غسان فتعجبت وقلت انا؟
قاطعتني قائلة انا امها لبيسان رفيقة يافا،
ما اجمل من تلك المدن الا ابنتينا قاطعتها قائلة اهلًا وسهلا يختي امانة الله الا تجي نشرب قهوة ابو غسان بالشغل.
وروحنا نثرثر ونتعارف
فسألتني شو عندك ولاد
عندي ثلاثة (ل الله) الكبير غسان والوسطى يافا والصغير ابن الشهور الأربع عدي وأطلقت على الصبية اسم عدي وغسان تيمناً بشهداء عملية (دير ياسين)البطولية (غسان وعدي ابو جمل).
اما يافا عندما حملت بها أعلنت انا بعد حبلي بالشهر الرابع وقلت لزوجي: اسمع يابو غسان اذا الله أطعمنا بنت بدّي اسميها يافا
فضحكت وقاطعتني يخرب بيتك شو حاكمة.
كبر ابنائي الثلاثة وأصبحوا بحجم القضية في قلبي
اليوم اعلان نتائج الثانوية العامة ليافا منذ بداية الصباح وانا ادعو الله (يارب ما تضيعلها تعب)،(الله يفرح قلبك يا حبيبتي ) ودخلت المطبخ لأعد طعام الغداء انه الجمعة يوم المقلوبة والمسخن في بيتنا
دخل عليّ غسان وانا أعد الطعام وهو يضحك الله شو هالريحة الزاكية يا حجة
رددت عليه: ها ولا بشر قمحة ولا شعيرة
مش حاكي لنوكل بلاول
وذهب ، تع يا ابن ال.. فتذكرت ان زوجي في غرفة الجلوس فابتلعت الكلمة.
وخرجت لأعرف نتيجة اخته وإذ بأخر العنقود عدي يقول : شو هالحظ الي بيفلق الصخر مقلوبة ومسخن ونجاح وأطلقت العنان للساني بالزغاريد وقبلت يافاتي التي كانت في غرفتها تنتظر البشرى
(قد تتسائلون اننا في منتصف الألفية الثانية والصغيرة تنتظر اخوها لمعرفة النتائج بس يومها كانت الكهربا مقطوعة بالمخيم )
قبلتُ يافا والبستها سلسلة فيها خريطة فلسطين وقلت لها : شوفي يما هالعقد امانة في رقبتك أهدتني اياه جدتك وهو لك ولابنتك وهكذا حتى نرجع الى فلسطين لا تنزعيه ابدا مهما صار مفهوم!
يحب أولادي المقلوبة والمسخن الملوخية وخبز الطابون فعندما نلتف حول المائدة بعد ذكر الله نذكر فلسطين وتاريخ هالاكلة فتصبح المائدة مهرجانا وطنيا اه والله كان ينقصنا ان ننشد قبل البدء بلاكل نشيد موطني
موطـني موطـني
اْلجَلالُ وَالْجَمالُ وَالسَّناءُ وَالبَهاءُ
في رُباك
أمست يافا أطول مني كيف ومتى لا اعرف وهذا أفظع مافي الحياة تسارع الزمن عشرون عاما انقضّوا كانهم ليلة المخاض كأنها في أحشائي تعصف بي ما زلت اذكر تلك البيضاء الصغيرة في القماط الابيض وانا اقبل يدها الصغيرة البارزة من القماط كأنها برعم برتقال تفتح جديدا
وهاي الان تأتي مقبلة بفستان زفافها الابيض تحضنني وتقبلني
كفكفت دموعي وحضنتها وقلت لها (يما) الكلمة عينها التي قلتها عندما رايتها بالقماط الابيض واقبل نحوي عدي وغسان الله يرضى عليهم وأبوهما الذي زجرني: حاج تبكي يا مرا نكدي البكى بهيك فرحة فال مش منيح
كان لزوجي هيبة ووجه جميل ويمسك زمام البيت يكبرني بعشرة أعوام الا انه صغير الجرم فيبدو اصغر من عمره الحقيقي (نيالو)!
بعد زواج يافا من ابن الضفة تركت البيت فاضي عليّ والله يا ام بيسان وصرت نحلة الشباب بيطلبوا وانا كبرت الله يرضى عليهم واتخيلي قال شو بدن يسافروا يشتغلوا برا ويترك امو بكفيش اختو الي سكنت بالغربة
وهلء برا المخيم بتسميها غربة سألتني ام بيسان متعجبة
اه والله غربة يختي لما يكون المخيم الصغير بديل عن وطن كبير السكنة براتو غربة وافرضي ولاد الكلب راحوا وبدنا نرجع عفلسطين من هون المخيم فلسطين اقرب .
توالت السنين وشو بدّي احكي تاحكي …سافر الأولاد الله يرضى عليهن ولم أرهم منذ اربعة أعوام في اخر اتصال الححت عليهما بالنزول يما يا غسان خد اجازة انت وأخوك وتعالوا شوفوا (عائدة) بنت اختكو كأنها يافا بزغرتها فاعتذر غسان مشغول يما بقدرش اجي هلء فأغلقت سماعة الهاتف وانا اقول عصافيري اربيها للناس.
وقمت ادعي للأمهات رد اللهم الي أحضانهن اولادهن من مجاهل الارض ومن افاق السماء فلا تفجع ام بولدها امين يارب.
وذهبت لأجلس مع الختيار وأراقب تقاسيم وجهه كأني أتعرف اليه اكثر (متأهرم والله على غربة الأولاد)، اراقبه وهو يشيخ امامي وأراقب وحدتنا كيف أمسينا وحيدين كما بدأنا.
سأنام تصبح ع خير يا بوغسان سأنام لاصحو باكرا بركدن لولاد رجعوا عالمخيم.
في السرير أغمر وسادتي كما غمرت يافا عندما ولدتها واهدهد
غمازتك يما فوهة عذاب بتتوسط خدك بتشبه يافا عند الشروق وفتنة حيفا لما تغيب الشمس..

مقالات ذات صلة