المقالات

نحو مجلس وطني فلسطيني جديد هـل من تغيـرات بنيويـة؟

نحو مجلس وطني فلسطيني جديد هـل من تغيـرات بنيويـة؟

بقلم صقر ابو فخر

27-02-2013

خاص مجلة القدس/ شهدت فلسطين خلال أربعة وتسعين عاماً، أي منذ انهيار السلطنة العثمانية وانحسارها عن بلاد الشام، صدور ثلاثة مواثيق وطنية صدرت عن ثلاثة مؤتمرات وطنية فلسطينية مهمة جداً. كان الميثاق الأول هو “ميثاق الحركة الوطنية الفلسطينية” الذي صدر عن مؤتمر الجمعيات الاسلامية – المسيحية في سنة 1919؛ هذه الجمعيات التي كانت الممثل الفعلي للشعب الفلسطيني آنذاك. والميثاق الثاني هو “الميثاق القومي الفلسطيني” الذي صدر عن المجلس الوطني الفلسطيني الأول في 28/5/1964؛ هذا المجلس الذي أعلن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. والميثاق الثالث هو “الميثاق الوطني الفلسطيني” الذي صدر في 10/7/1968، والذي كان هو الميثاق القومي نفسه مع بعض التعديلات في الاسم وفي بعض المواد. ولعل في الامكان ان نضيف الى هذه المواثيق الثلاثة الصادرة عن3 أعلى هيئة تمثيلية للعشب الفلسطيني، أي المجلس الوطني، ميثاقاً رابعاً هو ” اعلان الاستقلال” الذي صدر في الجزائر في 15/11/1988.

مهما يكن الأمر، فإن المجلس الوطني الفلسطيني الذي هو الهيئة التمثيلية الشاملة للفلسطينيين، كان دائماً يضع السياسات العليا لمنظمة التحرير الفلسطينية ويصوغ برامجها وخططها وحتى تكتيكاتها أحياناً. فهو، في هذه الحال، أخطر مستوى قيادي للفلسطينيين، ويسبق في الأهمية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير المكلفة تنفيذ ما يرسمه المجلس نفسه. غير أن المجلس الوطني صار عمره اليوم نحو ستين سنة، وخلال هذه الفترة خضع لتغيرات كثيرة، بنيوية وجوهرية، وتعرض لأوضاع قاهرة أعاقت عمله في كثير من الأحيان.

المتغيرات وإرادة البقاء

كما هو معروف فإن “المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول” الذي عقد في القدس في 28/5/1964 (صار اسمه “المجلس الوطني الفلسطيني ” في ما بعد) هو المؤتمر الذي أعلن رئيسه أحمد الشقيري في ختام أعماله يوم 2/6/1964 قيام منظمة التحرير الفلسطينية. ومنذ ذلك التاريخ صار الانعقاد الدوري للمجلس أمراً شبه مقدس، لأنه يمثل الميدان الذي ينظّم خلافات الفلسطينيين،ويصوغ وحدتهم الوطنية في الوقت نفسه. وعلى الرغم من أن النظام الأساسي للمجلس ينص على ضرورة انتخاب أعضائه بالاقتراع المباشر حيثما يكون ذلك ممكناً، الا ان هذا النص ما كان في الامكان تطبيقه على الاطلاق. وحتى المؤتمر الأول نفسه لم يخضع لقاعدة الانتخاب المباشر بل جرى التوافق على أسماء الاعضاء بين الفاعليات الفلسطينية المختلفة في تلك الفترة، وكان للأعنان والنواب (ولاسيما في الاردن) الأغلبية في ذلك المجلس، علاوة على شخصيات سياسية وصحافية ونقابية من سورية ولبنان والضفة وغزة وبلدان الاغتراب الأخرى. وهذه الشخصيات كانت، في معظمها، تنتمي الى الطبقات الوسطى المتعلمة، وكانت تمثل المنظمات الفلسطينية التي بدأت تظهر في تلك الحقبة مثل حركة فتح، والتنظيم الفلسطيني في حزب البعث والقوميين العرب والناصريين.. الخ.

لم يطل الأمر كثيراً حتى بدأت موازين القوى في داخل المجلس الوطني تتحول نحو وجهة جديدة، وبدأ الأعيان يفقدون وزنهم النوعي في داخل المجلس بالتدريج، خصوصاً أن عدد الاعضاء كان غير ثابت وخاضعاً لاجتهادات شتى. فالمجلس الأول كان عدد أعضائه 397 عضواً، وارتفع في المجلس الثالث (20/5/1966) الى 466 عضواً، وإذا به في المجلس الرابع (10/7/1968) ينخفض الى مئة عضو فقط، ثم راح يزداد زيادة طفيفة في الدورات التالية، الى ان بدأ العدد يقفز بقوة حيث بلغ في الدورة الرابعة عشرة ( 15/1/1979) الى 297 عضواً، وفي الدورة الخامسة عشرة (11/4/1981) الى 315 عضواً… وهكذا.

إن أول تغيير بنيوي في تكوين المجلس وقع بعد هزيمة حزيران 1967، فانحسر دور الأعيان وصعد دور المنظمات الفدائية، وتألفت في المجلس كتلة وقفت ضد أحمد الشقيري الذي كان يعتمد، بصورة أساسية، على هؤلاء الأعيان وأرغمته الكتلة الجديدة على الاستقالة.

لكل مرحلة مجلسها

دشن المجلس الوطني الفلسطيني منذ الدورة الرابعة في القاهرة (10/7/1968) مرحلة جديدة هي مرحلة الفدائيين والكفاح المسلح. ومنذ ان تسلم ياسر عرفات قيادة منظمة التحرير حتى التحمت الاداة السياسية (المنظمة) بالأداة النضالية (الكفاح المسلح) في مسيرة واحدة، وفي مؤسسة واحدة، وتحت قيادة واحدة. والمجلس الوطني منذ ذلك الحين كان يقود، من الناحية الدستورية (الشرعية الثورية)، نضال الشعب الفلسطيني. ولعلي لا أجازف في القول إن المرحلة تلك انتهت في 22/4/1996 حين عقد المجلس الوطني الأخير الذي جرى الاتفاق فيه على تعديل الميثاق الوطني بما يلائم الالتزامات الفلسطينية في اتفاق أوسلو. ولما لم يتفق الجميع على تعديل الميثاق جرى الاتفاق على صوغ دستور لدولة فلسطين المستقلة التي ستمثل، شرعياً وسياسياً، الفلسطينيين. ومازال هذا الدستور مشروعاً لم يتحول الى نص نهائي.

أما اليوم فيدور كلام كثير عن اعادة تأليف المجلس الوطني على أسس جديدة، خاصة بعد ارتفاع الكلام على امكانية انضمام حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي الى الجهد الفلسطيني المتضافر في سيبيل الخروج من الافخاخ التي واجهت مسيرة الشعب الفلسطيني بعد اوسلو، خصوصاً فشل المفاوضات المباشرة في ارغام اسرائيل على تطبيق بنود اعلان المبادئ. ومهما يكن أمر هذا الكلام الجديد، فإن مما لا شك فيه ان المجلس الوطني سيشهد تغيرات بنيوية جديدة في تكوينه وفي رؤيته السياسية، وسيتناسب ذلك مع التغيرات الكثيرة التي شهدها النضال الفلسطيني بعد توقيع اتفاق اوسلو في سنة 1993.

على المستوى التمثيلي، لاخلاف، على الاطلاق، على ان اي مجلس جديد يجب ان يمثل الشعب الفلسطيني كله؛ في داخل فلسطين وخارجها، وأن يمثل جميع هيئات المجتمع الفلسطيني ايضاً كالنساء والعمال والكتاب والنقابات المهنية والمنظمات والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والاعيان والمستقلين. لكن من الواضح ان وزن الفصائل الفلسطينية التي كانت تحوز مكانة مهمة في اي مجلس وطني، وفي المجلس المركزي واللجنة التنفيذية ايضاً، سيتراجع كثيراً، لان بعض الفصائل اندثر تقريباً، وبعضها الآخر تراجع حضوره السياسي بصورة لافتة، بينما صعدت مؤسسات المجتمع المدني الجديدة بشكل لم يكن موجوداً قبل أوسلو. وفضلاً عن ذلك كله فإن الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية التي كان لها حضور قوي في المجالس السابقة (كاتحاد الطلاب واتحاد العمال واتحاد المرأة) ما عاد لها الحضور الفاعل نفسه، بل ان دورها تآكل خلال العشرين سنة الماضية, وأبعد من ذلك، فإن وزن الشتات الفلسطيني الجديد في أوروبا وأميركا ارتفع بقوة خلال مرحلة مابعد الخروج من بيروت في سنة 1982.

اذا أخذنا هذه العوامل في الحسبان، فإن تغيرات جوهرية ستطال بنية المجلس الوطني الفلسطيني المقبل، سواء جرى تنظيم هذه البنية بالانتخاب المباشر أم بالتوافق الوطني. والبنية الجديدة ستعكس بالتأكيد ازدياد عدد الفلسطينيين من نحو 3 ملايين في سنة 1964 الى نحو احد عشر مليوناً في سنة 2012، علاوة على اتساع دائرة انتشارهم، وحيوية فئة الشبان منهم في عصر التواصل الاجتماعي الجديد.

ماذا عن حماس والجهاد؟

من المعلوم ان حماس رفضت المشاركة في أول انتخابات تشريعية فلسطينية في سنة 1996 بذريعة اعتراضها على اتفاق اوسلو وما نجم عنه من مؤسسات والحقيقة انها شاركت فعلاً في هذه الانتخابات، لكن بطريقة مواربة من خلال “حزب الخلاص الوطني” الذي اوصل ستة اسلاميين الى المجلس التشريعي الأول، بينهم عماد الفالوجي الذي عين وزيراً في أول حكومة فلسطينية بعد هذه الانتخابات. غير ان حماس عادت وشاركت في الانتخابات التشريعية في سنة 2006، وكان لهذه المشاركة التي منحتها أغلبية المقاعد الأثر الكبير في المسار السياسي الفلسطيني اللاحق وهو أثر سلبي في أي حال.

كانت حماس تتطلع دوماً الى الاستيلاء على منظمة التحرير الفلسطينية وإن لم تفصح عن ذلك مباشرة. ففي مباحثات الخرطوم في سنة 1995 بين الأخ ياسر عرفات وممثلي حماس، طلبت حماس منحها 40% من أعضاء المجلس الوطني، والنسبة نفسها في المؤسسات الاخرى كاللجنة التنفيذية والمجلس المركزي. وبما ان امكان اجراء انتخابات شاملة لعضوية المجلس الوطني غير ممكنة اليوم، وخصوصاً في سورية والأردن ودول الخليج واسرائيل، فإن الخيار الممكن هو اجراء الانتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة (المجلس التشريعي)، والتوافق على الاسماء في بقية اماكن وجود الفلسطينيين، مع اعتبار ان اعضاء المجلس التشريعي هم اعضاء طبيعيون في المجلس الوطني.

غير ان حماس ما برحت تماطل في موضوع الانتخابات، مع انها تطمح الى الفوز بأغلبية اعضاء المجلس الوطني المقبل بتحالفها مع حركة الجهاد الاسلامي وبعض المنظمات الاخرى. وكذلك مع بعض الهيئات الجديدة في دول الشتات، بحيث يصبح في الامكان انتخاب خالد مشعل على سبيل المثال، رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية. ومع ان هذا الطموح السياسي مشروع تماماً، الا ان دونه عقبات شتى، منها أن، تغيير جوهر الميثاق الوطني في حال استولت حماس على المجلس الوطني الى ميثاق اسلامي المحتوى من شأنه احداث انقسام فلسطيني – فلسطيني بدلاً من السير نحو الوحدة الوطنية.

ان دخول حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي الى صفوف منظمة التحرير الفلسطينية بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية سيغير، بالتأكيد، تكوين المجلس الوطني بمقدار الحصص الجديدة العائدة لهما. لكن، لو أُجريت انتخابات المجلس اليوم، واستناداً الى قياسات الرأي العام، والى قرينة سياسية مهمة هي مهرجان انطلاقة حركة فتح في غزة في مطلع سنة 2013، فإن حماس لن تحصل الا على الأقلية من أعضاء المجلس الوطني الجديد، وستكون حركة فتح، على الأرجح، في المقدمة، يليها المستقلون الوطنيون، ثم الاتجاهات الاسلامية (حماس والجهاد وحلفاؤهما)، وأخيراً الفصائل الأخرى ومنظمات المجتمع المدني. لكن منظمات المجتمع المدني التي اتسع نطاقها مؤخراً هي منظمات ذات طابع ليبرالي وشبه علماني في معظمها، الأمر الذي يحول دون امكانية تكوين كتلة كبيرة في المجلس الوطني الجديد تغيره جذرياً، مع ان التغير سيقع حتماً في جميع الأحوال.

بقلم / صقر ابو فخر

مقالات ذات صلة