المقالات

جمال عبد الناصر… حضور مختلف

من خلال متابعة إحياء الذكرى ال 43 لرحيل الزعيم العربي جمال عبد الناصر، لاحظت ذاك الفارق الذي اتخذته تلك المناسبة هذا العام عن الأعوام السابقة، حيث كان حضوره مختلفاً بحق. وأولى صور ذاك الاختلاف الحضور الشعبي المصري والفلسطيني والعربي عموماً، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة التي خلّدت الذكرى سواء في الكتابة عنها أو تعميم صورته أو جعلها الصورة الشخصية أو رفع صوره في العديد من الميادين/العواصم العربية، إضافة إلى ما حفلت به الصحافة ووسائل الإعلام من تغطية للذكرى لم تكن معتادة من قبل، وصولاً للمشاركة الرسمية المصرية من قبل المؤسسات المصرية “الرئاسة والحكومة والجيش” إلى جانب الوفود الشعبية والحزبية والمجتمعية مع أسرته وأحفاده. بما يمكن أن نسميه -مرة أخرى- حقاً بالحضور المُختلف.

لماذا الحضور المُختلف، بعد كل محاولات تغييبه المستمرة لما يزيد عن أربعين عاماً، والتي لم تقف عند حد التغييب بل وصلت حد التشويه للرجل “مشروع وانجازات”؟! وعليه يترتب سؤال: كيف نضع الرجل في ميزان التقييم التاريخي؟.

أعتقد ليس بخافياً أن جمال عبد الناصر قد جرت محاولات متعددة لتغييبه/اغتياله قبل رحيلة في 28 أيلول 1970، وقفت خلفها أجهزة مخابرات دول كل من: بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، والعدو الصهيوني، ولا أستبعد المشاركة العربية في بعضها!!!، لماذا عدم الاستبعاد ذلك؟، ففي كتابه “جمال عبد الناصر قائد ومسيرة”، يسرد حسن رجب: بأنه ليلة إعلان تأميم قناة السويس، وأثناء استقباله لملك العراق فيصل ورئيس وزرائه نوري السعيد، لم يُخفي أنطوني إيدن “هستيريته”، من هذا القرار، فكان رد زواره “لم يبق أمامك سوى طريق واحد، هو أن تضرب، وأن تضرب بعنف الآن، وإلا فسيكون كل شيء متأخراً”. ففي ذات الليلة وبعد مغادرة زواره عقد مجلساً للحرب، ومما قاله فيه: “لن أسمح لناصر أن يضع يده على زورنا، لا بد من تدميره…”، فكنا أمام مشهد العدوان الثلاثي “البريطاني – الفرنسي – الإسرئيلي” في 29 أكتوبر 1956، حتى أن رحيله حتى اللحظة لا يزال سؤاله مفتوح: هل اغتيل أم توفي؟!.

على كل الأحوال، كان عبد الناصر قيد الاستهداف الدائم حتى بعد رحيله، فهل كان ذلك الاستهداف تغييباً لفكرة الثورة التي تجسدت في 23 يوليو 1952 أم لمشروعه في التحرر والانعتاق من الاستعمار والارتهان والتبعية، أم لبناء مصر الحديثة نظاماً وجيشاً وتعليماً وصناعة وتنويراً، أم لانحيازه للطبقات الشعبية المسحوقة من عمال وفلاحين وفقراء، ورفعه وممارسته للمساواة والعدالة الاجتماعية “ومحاولاته الاشتراكية”، أم لرفضه ومواجهته للصهيونية والإمبريالية والرجعية العربية أم لأنه آمن بالوحدة العربية وبدأها مع سوريا في 22 فبراير 1958؟!.

أعتقد جازماً أنه يقف وراء محاولات تغييب عبد الناصر حياً وبعد موته كل ما سبق ذكره، إضافة إلى شجاعته وحسه بالمسؤولية العالية وقدرته على تحملها/دفع ثمنها، ولعل تعبيرها الأبرز بالنسبة لي، هو تقديمه لاستقالته بعد هزيمة عام 1967، لكن المفارقة العجيبة أن الشعب العربي ومنه المصري والفلسطيني الخارج لتوه من الهزيمة “الذي يُفترض أنه منهك القوى”، خرج رافضاً الاستقالة وهتافه “هنحارب”.

لا نبعد عن الحقيقة كثيراً لو لخصنا كل تلك السنوات من منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم حتى يونيو 2013، عندما غَيّب “رئيس الإخوان المسلمين” محمد مرسي ثورة 23 يوليو وذكراها، الذي هو تغييب ضمني لمفجرها، في الوقت الذي لا نجافي الحقيقة أيضاً، أن جمال عبد الناصر كان حاضراً فعلياً في شعارات الحالة الثورية المصرية في 25 يناير، و30 حزيران، من خلال “عيش – حرية – كرامة إنسانية – عدالة اجتماعية”، بل وأبعد من ذلك كان حاضراً في اللحظة الثورية ذاتها في خطاباته وصوره؛ لكن الفارق أن عبد الناصر استطاع “هدم” نظام قديم وبناء نظامه الثوري الجديد الذي تم الاجهاز عليه من خلال الثورة المضادة المدعومة خارجياً “وما أشبه اليوم بالبارحة”، فهل تستطيع الحالة الثورية المصرية الوصول لبناء نظامها الثوري الجديد، استكمالاً لما بدأه عبد الناصر وخطفه الموت قبل استكماله؟!.

“إن كفاح أي شعب، جيلاً بعد جيل، بناء يرتفع حجر فوق حجر.. وكما إن كل حجر في البناء يتخذ من الحجر الذي تحته قاعدة يرتكز عليها، كذلك الأحداث في قصص كفاح الشعوب.. كل حدث هو نتيجة لحدث سبقه، وهو في نفس الوقت مقدمة لحدث ما زال في ضمير الغيب…” جمال عبد الناصر (فلسفة الثورة).

اسم الكاتب : وسام الفقعاوي
تاريخ إدراج المقال : 2013-10-01

مقالات ذات صلة