المقالات

حسن مصطفى حمد – أبو مروان – لقد فقدنا السنديانة الحمداوية قبل الأخيرة

 

 

 

 

الصفصاف08/27/2021

عزيزٌ ومقتدرٌ، شهمٌ ومتسامحٌ، رجلٌ طيب القلب وجميل الخلق، شيخٌ جليلٌ وكبيرٌ عليمٌ، موسوعةٌ صفصافيةٌ. عرف شجرة العائلة (عائلتنا) من جذرها الى آخر عناقيدها. متحدثٌ لبقٌ ومفوهٌ حكيمٌ، صادقٌ واثقٌ وعارفٌ ومتزنٌ ومستمعٌ جيدٌ، أحب سماع أخبار شباب العائلة وتطورات حياة كل واحدٍ منهم في الدول التي يقطنون بها. ضليعٌ بكل شؤون الصفصاف وعليمٌ بعائلة حمد، محبٌ لأقربائه ولأبناء بلدته وجلدته. حريصٌ على صلة القربى والرحم وعلى العلاقات الاجتماعية والعائلية. حين تلتقي به يسألك عن الجميع كبارا وصغاراً وعن أعمالك وأخبارك. يقدم لك النصح والارشاد ويثني على مناقبك الجيدة والجميلة. عصاميٌ كان يحب العصاميين. صفصافيٌ كان يود الصفصافيين، فلسطينيٌ كان يعشق فلسطين.

هكذا عرفت العم أبو مروان – حسن مصطفى حمد، الذي للأسف لم ألتقِ به كثيراً بسبب البُعد الجغرافي وإقامتي خارج لبنان. فقد حصل أن التقينا مرتين الأولى سنة 2014 في الامارات العربية والثانية في مخيم البداوي في منزله في أكتوبر – تشرين الأول من سنة 2019، حيث زرته برفقة أبناء العم المرحوم أبو عفيف حمد وهم عفو وعماد وأيمن. فكانت تلك زيارتي الأولى والأخيرة لمنزله وله. ربما كانت زيارة الوداع فوداعاً يا عمنا الطيب.

في أبو ظبي حيث كنت مشاركاً في مهرجان الفيلم العالمي هناك في دورته الأخيرة على ما أظن إذ توقف المهرجان فيما بعد. علمت أن العم أبو مروان كان هناك في زيارة لأبنائه المقيمون والذين يعملون في الامارات. وصادف أن بيت أحدهم كان بالقرب من الفندق الذي أقمت فيه. فتوجهت الى هناك برفقة الأخ المرحوم عفيف حمد – أبو أحمد- ونجله أحمد، حيث التقيت به في منزل نجله أبو عمر، وكان اللقاء ودياً جداً وحميماً لأنه اللقاء الأول الذي جمعنا وجهاً لوجه، حيث لم يسبق أن التقينا، فقد كنا نتحدث من حين لآخر عبر الهاتف. علمت ذات يوم من العم أبو مروان خلال مكالمة تلفونية أنه كان معجباً بنشاطي وما وصلت إليه بالرغم من جراحي وإعاقتي الجسدية. فقد كان يقدر ذلك كثيراً ويعتبره انجازاً وفخراً للعائلة وللبلدة. وأنا بدوري خجلت لكنني أيضاً فرحت وسعدت بسماع المديح والاطراءات تلك من شيخ جليل من شيوخ عائلتنا وبلدتنا ومخيماتنا. حيث قمت بشكر العم أبو مروان على كل ما تفوه به وعلى ثناءه علي وعلى مسيرتي. فهو وغيره من كبار العائلة كانوا ولازالوا مثالاً لشباب العائلة يحتذى به دائماً.

في اللقاء الثاني تحقق وعدي له بزيارته في منزله في مخيم البداوي ووعدي لنفسي بزيارة طرابلس الفيحاء عاصمة الشمال اللبناني. إذا لم يسبق لي أن زرتها من قبل. ففور أخبرني أبناء العم أبو عفيف برغبتهم بالسفر الى طرابلس لزيارة العم ابو مروان وإن كنت أود مرافقتهم كان جوابي نعم وبالتأكيد. وهكذا تمت الزيارة السريعة، حيث وصلنا الى حارة شفا عمر في مخيم البداوي وفاجأنا العم أبو مروان بزيارتنا، التي أفرحته كثيراً وأثلجت قلبه. فأخذ يتحدث ويسأل ويجيب على أستفساراتنا وبالذات على أسئلة الأخ أيمن القادم من الدانمرك بشوق لسماع حكايات عائلته وبلدته الصفصاف من شيخ جليل عاشها ويعرفها خير المعرفة. وكنا في ذلك الوقت نقوم بتسجيل أهم ما كان يقوله. كما ألتقطنا الكثير من الصور للعم أبو مروان ولصور والده الراحل، المعلقة على جدار الغرفة في إطار يليق بها. وهو شيخ جليل ورجل ذو هيبة تبدو عليه علامات الوقار والهيبة العربية الفلسطينية الجليلية الصفصافية الحمداوية.

في ذلك اليوم ودعنا العم أبو مروان وشد على أيدي كل منا وقال إحفظوا الأمانة وتابعوا وتتبعوا شجرة العائلة وأنتبهوا لأطفالكم. كأنه كان يعرف أنه في أية لحظة قد يغيب ويختطفه الموت، فالموت حق وهو كان يؤمن بذلك لأنه كان إنساناً ملتزماً ومؤمناً بما جاء به القرآن الكريم. أما نحن فَكُنا بدورنا نعلم أنها قد تكون الزيارة الأخيرة أو أنه قد يكون اللقاء الأخير، كما كان أيضاً في نفس الوقت لقائي الأخير مع زوجة العم المرحوم أبو عفيف الحاجة أم عفيف التي توفيت بعد عودتنا في ذلك الوقت من لبنان كل الى بلده الثاني، الاسكندنافي الأوروبي.

خلال سنوات عملي النضالي تعرفت على رفاق وإخوة وأصدقاء كثيرين من مخيمي البداوي ونهر البارد وغالبيتهم كانوا يسألونني: ” هل يقرب لك الحاج أبو مروان حمد”؟. بعد سماع الجواب، كانت معرفتنا تزداد وتتوثق. فلطالما تحدثت عن ذلك مع رفيقي الراحل ماهر اليماني ومع صديقي الجميل عبد خطار مدير موقع مخيم البداوي في برلين ومع المرحوم الرفيق خالد أيوب مختار الجبهاويين واليساريين والبداويين في غرب المانيا… ومع آخرين. فكلهم كانوا يعرفونه لأنه من مخيمهم ووجه من وجوه الفلسطينيين في لبنان وشماله بالذات، حيث عمل مديرا لوكالة الإنروا في الشمال حتى بلوغه سن التقاعد. فقد كان إنساناً متعلماً ومثقفاً وعملياً في حياته. من جيل الشباب الذي خرجوا من فلسطين في النكبة وهم متعلمين في مدارسها. كما كان العم أبو مروان حمد من فاعلي الخير لوجه الله تعالى ومن الذين أعانوا وساعدوا الكثير من الناس المحتاجين والمعتازين والمرضى. كل هذا سيكون في ميزان حسناته وسيرته الحسنة ان شاء الله عند رب العالمين.

نحن جيل ما بعد الشباب بقليل في صفوف أبناء العائلة يا عم أبو مروان سنحفظ الأمانة ونحاول تسليمها لمن يحفظها من جيل الشباب في العائلة والبلدة. فنم قرير العين في جنات الخلد.

العم العزيز حسن مصطفى حمد “أبو مروان” كان يشغل مدير الانروا في منطقة الشمال وحتى بلوغه سن التقاعد. وهو من آخر كبار عائلة حمد من الشباب في حينه، الذين عاصروا وعايشوا النكبة والمجزرة في البلدة سنة 1948. وافته المنية مساء يوم الاثنين الموافق 23.08.2021 في لبنان . تم الدفن انطلاقا من منزله الكائن في حارة شفا عمر بمخيم البداوي تمام الساعة السادسة من مساء يوم الثلاثاء الموافق 24-8-2021.

نضال حمد في 27-8-2021

مقالات ذات صلة