المقالات

الدولة وخيار حل السلطة

الدولة وخيار حل السلطة

ناجي صادق شراب

هل من علاقة بين حصول الفلسطينيين على دولة غير عضو وحل السلطة الفلسطينية؟ طرح هذا الخيار ليس بجديد، فقد كان الفلسطينيون دائماً يطرحون بل يهددون بحل السلطة الفلسطينية لوضع “إسرائيل” أمام مسؤولياتها كسلطة احتلال.

خيار حل السلطة يعني ببساطة شديدة تحويل مسؤولية السلطة الفلسطينية بكل أدوارها ووظائفها الأمنية والاقتصادية والسياسية إلى “إسرائيل” على اعتبار أن “إسرائيل” ما زالت كسلطة احتلال، هي المسؤولة مباشرة عن التحكم في أراضي السلطة الفلسطينية، وهي من تحدد حدود هذا الدور، وهذا هو الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه السلطة بسبب قيود اتفاقات أوسلو على أمل أن تنتهي هذه الحالة بانتهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية الكاملة التي لن تتحقق إلا بانتهاء الاحتلال “الإسرائيلي”.

وهذا الفهم “الإسرائيلي” للسلطة يتناقض مع الفهم الفلسطيني، ويتعارض مع مفهوم الدولة الفلسطينية.

وهنا تكمن معضلة التعارض في معادلة السلطة الفلسطينية، وأول جوانب هذا التعارض أن السلطة الفلسطينية التي أقيمت استناداً لاتفاقات أوسلو هي سلطة بالوكالة، ومهمتها أن تقوم بأدوار أمنية أو غير أمنية تريدها “إسرائيل”، وبعد أن أدركت السلطة الفلسطينية هذا القصور، حاولت أن تعالج هذا الخلل من خلال فرض واقع فلسطيني جديد بإنشاء مؤسسات أكثر استقلالية وتحرراً من هيمنة “إسرائيل”، وهو ما لم تنجح فيه السلطة إلى درجة كبيرة بسبب الضغوط التي مارستها وتمارسها “إسرائيل” كحجب الأموال الفلسطينية، وفرض واقع استيطاني يجهض مضمون الدولة من ناحية، ويفرغ السلطة من مضامين سياسية وسيادية حقيقية.

من ناحية ثانية قيام الدولة الفلسطينية بصفة مراقب لم يغير من واقع السلطة، بل أبقاها على حالها وفقا لاتفاقات أوسلو التي تحول دون تحول السلطة الفلسطينية إلى مكون حقيقي من مكونات الدولة، وهذا لن يتحقق إلا مع إنهاء الاحتلال.

اليوم يتجدد الحديث عن حل السلطة الفلسطينية وتسليم مفاتيحها ل”إسرائيل”، هذا إذا كان للسلطة أصلاً مفاتيح. فالمتعارف عليه في أدبيات السلطة أن الدولة الكاملة لا تتحقق إلا بتوافر العناصر الثلاثة الآتية: الإقليم وهو غير متوافر بسبب الاحتلال “الإسرائيلي” لأراضي الدولة الفلسطينية فهي دولة غير كاملة وغير متكاملة إقليمياً، والركن الثاني وهو السلطة وهو غير متوافر أيضاً وبسبب الاحتلال واتفاقات أوسلو التي تقيد سلطات وصلاحيات السلطة بالسلطة المحتلة وبتوافق متبادل، وهو أمر غير مبرر الآن، فهي سلطة أيضا منقوصة وغير سيادية، ولا تتوافق مع مفهوم الدولة الفلسطينية، والعنصر الثالث وهو الشعب وهو العنصر الوحيد الذي لم تتمكن “إسرائيل” من شطبه أو محوه، فتتوافر فيه مقومات الهوية الوطنية، ومع ذلك حتى هذا العنصر يعاني عدم قدرة على ممارسة الحقوق العادية التي يتمتع بها أي مواطن عادي في أصغر دولة في العالم.

في سياق هذه الأبعاد المختلفة يبدو أن الحديث عن حل السلطة أمر منطقي، لكن غير المنطقي أنه كيف يمكن ل”إسرائيل” أن تقبل بتسلم السلطة الفلسطينية، والحلول محلها في ظل وجود دولة غير مراقب في الأمم المتحدة؟ وماذا لو رفضت “إسرائيل” ذلك وأعلنت انسحاباً أحادياً على غرار ما حدث في غزة؟ إذن، المعضلة تكمن في كيفية التوافق والتلاقي بين منطق الدولة وبين منطق السلطة الفلسطينية باعتبار أنها الركن الأساس في قبول الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة؟ لا خلاف على أهمية مراجعة مفهوم السلطة الفلسطينية ودورها ووظيفتها في ظل الدولة الفلسطينية، وكيفية العمل على تحررها من قيود اتفاقات أوسلو المنشئة لها، وبقدر تحرر السلطة بقدر تجسيده لدولة أكثر اقتراباً من الدولة الكاملة، وهنا التفكير ينبغي أن ينصبّ على كيفية إنهاء الاحتلال، وليس حل السلطة الفلسطينية، وبدلاً من ذلك التفكير في إعادة بنا منظومة السلطة الفلسطينية التي تنطلق من مفهوم الدولة الفلسطينية في ظل الاحتلال، أو المطلوب سلطة تقوم بدور في إنهاء الاحتلال.

وإذا كان هناك من تفكير جدي في حل السلطة، فيجب أن يكون في اتجاه وضع الدولة الفلسطينية بكل مؤسساتها ومسؤولياتها تحت وصاية الأمم المتحدة لتقوم الأخيرة بدورها في إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” بكل الوسائل الشرعية التي تتوافر، وصولاً إلى طلب ذلك استناداً إلى تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز فرض عقوبات على “إسرائيل”، على الرغم من الفيتو الأمريكي الذي لا يحول دون الاستمرار في هذا التوجه.

ويبقى السؤال وما دور السلطة الفلسطينية؟ أولا أن تتحول إلى سلطة كفاحية، وسلطة خدمات، وسلطة توفر الوعاء للمقاومة المدنية الشعبية الكفيلة بتحريك القوى المدنية الدولية، حتى تبقى القضية الفلسطينية حية ومؤثرة في القرار الدولي.

وقبل التفكير في حل السلطة الفلسطينية علينا أن نفكر في الخيار البديل، وأي خيار فلسطيني فاعل

مرهون بقدرته على التسريع في إنهاء الاحتلال . والسؤال لأخير هل حل السلطة ينهي الاحتلال أم يقوي من وجوده؟

الخليج، الشارقة، 2/1/2013

مقالات ذات صلة