المقالات

المقاومة الفلسطينية المدنية للاحتلال.. لن تسكت

المقاومة الفلسطينية المدنية للاحتلال.. لن تسكت

عميرة هاس

قمصان قصيرة الاكمام للاطفال ودمى هي جزء من الغنيمة التي أخذها معهم جنود الجيش الاسرائيلي في الاقتحام الذي قاموا به الاسبوع الماضي لمكاتب ثلاث منظمات غير حكومية فلسطينية: الضمير، منظمة حقوق انسان تركز على السجناء الفلسطينيين؛ اتحاد لجان المرأة الفلسطينية؛ ومكتب شبكة المنظمات الفلسطينية غير الحكومية (PNGO).

قبل وقت قصير من الاقتحام، في الليلة التي بين الاثنين والثلاثاء، وتبعا لقواعد التنسيق الامني، أبلغ الجيش الاسرائيلي الشرطة الفلسطينية بأن قوة عسكرية توشك على الدخول الى رام الله، وأعلنت هيئات أمنية فلسطينية بأن الجيش الاسرائيلي لم يبلغها بالهدف. وعند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل شوهدت سيارات جيب عسكرية تدخل الى رام الله من ثلاثة اتجاهات. وركزت على موقعين: المبنى الذي توجد فيه «الضمير» و PNGO في حي ميسور في المدينة، ومكاتب اتحاد لجان المرأة الفلسطينية في مخيم «قدورة» الصغير للاجئين الفلسطينيين، على مسافة نحو مئة متر من المستشفى الحكومي. وهناك وثقت الكاميرات نحو ثماني أو تسع سيارات جيب عسكرية، وجنودا مكشوفي الوجوه يحملون كراتين تحوي غنائمهم.

ولم يتصل الجيران في الحي الميسور برجال الضمير ليبلغوهم عن الاقتحام في الزمن الحقيقي. وقالوا انهم بلغوا بذلك الشرطة الفلسطينية. اما الجيران في مخيم «قدورة» فسارعوا الى التبليغ عن الاقتحام لمديرة المنظمة النسائية. وتجمع شبان ورشقوا الحجارة على الجنود الذين القوا عليهم بالقنابل المسيلة للدموع وقنابل الصوت.

نحو ساعة ونصف الساعة استغرق الاقتحام للمبنيين. وخلف الجنود وراءهم أبوابا محطمة، ملفات منثورة وأمتعة ملقية على الارضية، خزائن مفتوحة على مصراعيها، وجوارير مفتوحة، وبوسترات ممزقة (مثلاً للسجناء المضربين عن الطعام أو خرائط فلسطين) والكثير من المعدات الناقصة. وصادر الجنود من الضمير أربعة حواسيب نقالة، كاميرة فيديو، قرص صلب وبطاقات زيارة للعاملين في المنظمة، التي تقدم خدمات الدفاع القانوني عن المعتقلين الفلسطينيين امام المحاكم العسكرية. وكانت حواسيب اخرى في المكتب لم تصادر. واقتحم مكتب PNGO هو الاخر ولكن بقدر ما هو معروف لم يؤخذ منه شيء.

ومن مكتب اتحاد لجان المرأة الفلسطينية، الذي تأسس عام 1980، صادر الجنود سبعة حواسيب، أربعة أقراص صلبة، بطاقات كاميرات، قرصا خارجيا، جهاز بث. وكل هذه تضاف الى آلاف الاغراض المشابهة التي صودرت في العقد الاخير من مكاتب ومنازل فلسطينيين وملقى بها في مخازن الجيش أو المخابرات الاسرائيلية، ولم تجري اعادتها الى اصحابها حتى بعد أن اخذت منها كل المعلومات ونسخت.

في صندوق الاتحاد كانت 3 آلاف شيقل اختفت بعد الاقتحام، كما روت الموظفات لـ «هآرتس». وصادر الجنود ايضا ثوبا نسائيا مطرزا بعمل يدوي من الثمانينيات، بوسترات لجورج حبش، الزعيم الراحل للجبهة الشعبية، وبوسترات لجواهر ابو رحمة من بلعين، التي توفيت بعد استنشاقها غازا مسيلا للدموع أطلقه جنود الجيش الاسرائيلي لتفريق تظاهرة في كانون الاول 2010.

ويدير الاتحاد 21 روضة وحضانة في المجتمعات الافقر في الضفة الغربية، وكلها تسمى على اسم غسان كنفاني، الكاتب الفلسطيني واللاجئ، من مواليد عكا، الذي كان احد الناطقين بلسان الجبهة الشعبية في بيروت واغتالته اسرائيل في 1972. والآن صادر الجنود نحو 60 قميصا للاطفال، مطبوع عليها اسمه، علبة تحوي أوسمة ودروعًا وشالا نسائيا، لعب اطفال، رسومات اطفال، كتبا والعابا فكرية.

وكتب الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي التعقيب التالي لـ «هآرتس»: «يوم الثلاثاء ليلا اجريت تمشيطات في مكاتب تستخدمها المنظمة «الارهابية» «الجبهة الشعبية» في رام الله في اثنائها صودرت أغراض، ادوات، ووثائق مشبوهة بأنها تستخدم من هذه المنظمة «الارهابية».

قبل شهرين اعتقل الجيش الاسرائيلي ايمن ناصر، ابن 42، باحث من الضمير. وحققت معه المخابرات الاسرائيلية 39 يومًا. وأنتج التحقيق لائحة اتهام هزيلة جدا: عضوية في الجبهة الشعبية، مشاركة في مهرجانين. وينفي ناصر الادعاءات عن عضويته في الجبهة الشعبية وبالنسبة لمشاركته في احد المهرجانين. وقال ان «مهرجان التأييد للاسرى الذي شارك فيه – في زمن اضرابهم عن الطعام – كان فلسطينيا عاما وليس للجبهة الشعبية. وكما روى لمحاميه، محمود حسان، فعلى مدى كل ايام التحقيق منع من النوم على مدى ساعات طويلة وأبقاه محققوه على مدى عشرين ساعة كل مرة بشكل متواصل مكبل اليدين من الخلف، بسند الكرسي، وقدماه مكبلتان بأرجل الكرسي. وقد عانى من الآلام ولكنه لم يتلق العلاج المناسب.

وفي اجابة على سؤال للصحفي حجاي مطر (في موقع 972) قال الناطق بلسان المخابرات، ان طبيبا فحص ناصر عدة مرات ووجه أن وضعه يسمح باستمرار التحقيق. وقال ايضا ان التعليمات الطبية التي أصدرها الطبيب الفاحص نفذت بكاملها. وحسب المخابرات، فلا أساس لادعاءات ناصر بالتعذيب، وجرى التحقيق وفقا للقانون واحترمت حقوقه. وذكرت المخابرات بأن ناصر اتهم بالعضوية في «المنظمة الارهابية الجبهة الشعبية» وتقديم خدمات لهذه المنظمة.

كلمة «ارهاب» تسكت مسبقا النقد وتعفي الجمهور الاسرائيلي من الحاجة الى التساؤل عن هذه العادة البيروقراطية العسكرية التي تزيت عجلاتها بالاقتحامات وبجمع كل معلومة متوفرة. كل نظام الاحتلال في عالمنا عرض اقتحامات مشابهة كوسيلة معروفة لقمع المحتلين والمقاومين. اخطأ من أمل في أن يكون الجيش والمخابرات الاسرائيلية قد شفي منها. ويخطئ من يعتقد انها ستحقق هدفها – اسكات المقاومة الفلسطينية المدنية للاحتلال.

هآرتس، 16/12/2012

الحياة الجديدة، رام الله، 17/12/2012

مقالات ذات صلة