أرشيف المنتدى

أهالـي البـارد يعيـدون الحيـاة إلـى مخيمهـم

بعدما ملّوا انتظار الوعود ومساعدات لم تأت

أهالـي البـارد يعيـدون الحيـاة إلـى مخيمهـم

عمر ابراهيم

البارد:

ينشغل أبناء مخيم نهر البارد هذه الأيام على خطين متوازيين يجسدان الجهود المبذولة لإزالة آثار المواجهات وإعادة دورة الحياة إلى طبيعتها بعد أقل من عام ونصف العام على انتهاء المواجهات العسكرية، وعودة القسم الأكبر من النازحين إلى منازلهم ومركز الإيواء المؤقت في الجزء الجديد من المخيم. ويعكس المشهد في جانب منه إصراراً واضحاً من قبل الأهالي على تخطي كل العقبات التي واجهتهم وما تزال، ويكشف في جانب آخر زيف كل الإدعاءات والمقولات التي أطلقت سابقاً وما تزال حبراً على ورق.

ويبدو أن أبناء البارد قد تجاوزوا حالة اليأس التي سيطرت عليهم خلال الفترة السابقة نتيجة تأخر أعمال إعادة البناء وعدم التزام الجهات المعنية بالوعود التي قطعتها على نفسها، ودخلوا مرحلة جديدة عنوانها الرئيس »الإعمار«. ويتسلح الأهالي بإرادة صلبة قفزت فوق الإمكانات المتواضعة المتوافرة لديهم، وأسفرت في فترة زمنية قصيرة عن إنجاز سلسلة مشاريع على صعيد الترميم وإعادة الإعمار، وساهمت إلى حد ما في التخفيف من حدة الأعباء الاجتماعية، وكان لها الوقع الإيجابي في نفوس الأهالي وعلى مجمل أوجه الحياة.

ولا بد أن تستوقف الداخل إلى الجزء الجديد من المخيم مشاهد الورش المنتشرة في معظم أحيائه الرئيسية وأزقته الداخلية، والتي تأخذ شكل أعمال ترميم وإعمار واسعة للمباني والشقق والمخازن المتضررة من المواجهات، والتي بقيت حتى الأمس القريب على حالها دون أن يطرأ عليها أي تغيير يذكر نتيجة عدم إدراجها على جدول أعمال وكالة الأونروا كونها أملاك خاصة لا تقع ضمن نطاق عمل الوكالة، فضلاً عن عدم تمكن أصحابها في حينها من إجراء أية إصلاحات عليها بسبب تردي أوضاعهم المالية. وأدى تأخر الجهات المعنية في إطلاق ورش الإعمار والصيانة وتردي الأوضاع المعيشية، إلى اضطرار البعض منهم إلى المباشرة في إصلاح ما أمكن، في حين فضل آخرون انتظار ما يمكن أن تقدمه لهم الحكومة اللبنانية أو الدول المانحة من تعويضات مالية. وتتعدد وسائل تأمين نفقات إعادة الإعمار والترميم المالية بالنسبة لهم، حيث لجأ قسم منهم إلى استدانة الأموال اللازمة، في حين اعتمد البعض الأخر على تأمينها من الأقارب المقيمين في دول الاغتراب، فضلاً عن مساعدات مالية بقيمة ١٢٠٠ دولار أميركي حصلت عليها بعض العائلات من مؤسسات غير حكومية تابعة للأمم المتحدة، لإصلاح أبواب الشقق ونوافذها.

وطرأت تغييرات جوهرية على المشهد العام في المخيم إن على صعيد الطرقات التي عبّدتها الاونروا أو على شكل المباني التي أعيد تأهيلها والمؤسسات التجارية التي فتحت أبوابها، لا تلغي معاناة مئات العائلات التي ما تزال تقيم في البيوت المؤقتة وفي المخازن بانتظار الشروع في إعمار المخيم القديم، الذي تأخر البدء به عن الموعد المحدد بسبب بعض العراقيل الإدارية، بحسب ما أفاد لـ»السفير« مصدر مسؤول في وكالة الأونروا.

ويؤكد المصدر »أن وضع الحجر الأساس بات قريباً، خصوصاً بعد الانتهاء من جرف المباني المهدمة والركام من القطاع الذي سيبدأ العمل به.

ويضاف إلى المشاكل مسألة التصاريح المعمول بها على حواجز الجيش اللبناني عند مداخل المخيم، والتي تحول دون عودة المخيم إلى سابق عهده كمركز استــقطاب لأبناء القرى والبلدات المحيطة به. ويتم إعطاء التراخيص حصراً للمقيمين في المـــخيم أو في بعض الحالات الاستثنائية، وهو أمر يرى فيه أبناء المخـــيم انه من اكبر العقبــات التي إن تمت معالجتها فستؤدي إلى تنشـــيط الدورة الاقتصادية وخلق فرص عمل لمئات العمال.

يقول أبو محمد عثمان، أحد أبناء المخيم، »انتظرت أشهراً عدة بعد انتهاء المواجهات العسكرية عودتي وعائلتي إلى المخيم، على أمل الحصول على تعويضات مالية، لأعيد ترميم وإصـــلاح الأضرار الجسيمة التي طالت المنزل«. واضطر عثمان للإقامة بداخــــل منزله بعد إصلاح إحدى الغرف، »إلا أن تأخر دفع الأمـــوال وعدم وضوح الرؤية«، دفعه إلى اقتراض مبلغ خمسة آلاف دولار أميركي لصيانة المنزل، »واليوم اعـــمل أنا وأولادي على تسديد هذا المبلغ وباقي الأموال المـــتوجبة علي كسندات بدلاً من شراء مستلزمات المنزل«.

من جهته يشير أبو رائد فياض إلى أن أعمال الترميم التي أجراها لمنزله، بلغت كلفتها نحو سبعة آلاف دولار أميركي، وهو مبلغ أرسله له ابنه المقيم في ألمانيا »لقد رفض ابني أن نقيم في البيوت الجاهزة أو في المخازن«.

يقول فياض إن أهــــالي المخيم »لديهم القدرة على بناء ما تهدم، وهذا ليس بالأمر المســـتغرب، فأبناء البارد هم من قاموا ببنائه سابقاً، وهم قادرون على إعـــادة الكرة، ولكن وفروا لنا الأمـــوال وسهلوا حـــركة الدخول والخروج للمخيم، وحينها سيتغير الوضع«.