أرشيف المنتدى

إيران إلى الأمام ونحو الأعلى!

بعد إعلان إيران عن نجاحها، عبر قدرات إيرانية مئة بالمئة، في إطلاق قمرها الصناعي “أوميد” (الأمل) على صاروخ “سفير-2″، قامت الدنيا ولم تقعد في الغرب وامتداداته، على جري العادة في كل مرة تحقق فيها إيران نصراً في مجال من المجالات. وفي جملة ذلك، ظهرت تعليقات من النوع الذي يصدر عن مستخدمي الانترنت توجه اللوم إلى الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، لأنه لم يفعل ما كان ينبغي فعله لمنع سقوط شاه إيران، وبعد ذلك، لأنه لم يضرب الثورة الإسلامية في المهد. وهنالك تعليقات مشابهة تصدر عن بعض العرب. وفي الحالتين، تنطلق التعليقات من الاعتقاد الساذج بأن الولايات المتحدة وحلفاءها فعالون لما يريدون. وفي الحالتين، لا يأخذ هؤلاء المعلقون بعين الاعتبار كل ما فعله الغرب وحلفاؤه، بمن فيهم العرب، من أجل ضرب الثورة الإسلامية في إيران عبر ما لا يحصى من حروب ومؤامرات وضغوطات وعقوبات… دون أن يؤدي ذلك إلى غير المزيد من استقرار البلد وتقدمه على جميع المستويات الاقتصادية والسياسية والعلمية.

وفي غمار ردود الأفعال، تلفت الانتباه تصريحات صدرت عن خبراء استراتيجيين وسياسيين غربيين عبرت عن القلق من تزايد قدرات إيران العلمية والعسكرية. منها أن إيران قد تمكنت، برغم العقوبات والمعارضة الدولية، من دخول ناد مقلق جداً هو نادي الدول التي نجحت في وضع قمر صناعي في مداره. ومنها أن أي بلد قادر على وضع قمر صناعي في مداره إنما يثبت قدرته على إطلاق صاروخ باليستي على قارة أخرى.

مصدر القلق هو ما تعنيه هذه الخطوة من احتمال أن تكون إيران قد تمكنت من تطوير صواريخ بالستية بعيدة المدى، مع تأكيدات منها ما صدر عن خبراء إسرائيليين أكدوا بأن أوروبا الغربية قد أصبحت في مرمى الصواريخ الإيرانية، ومنها ما أومأ إلى أن هذه الصواريخ بات بإمكانها أن تصل إلى الولايات المتحدة ذاتها. خصوصاً في وقت يتخوف فيه الغربيون والإسرائيليون وامتداداتهم العربية من أن يكون البرنامج النووي الإيراني مشتملاً على شق عسكري.

قد لا تخلو هذه التصريحات من التهويل الهادف إلى زيادة الضغط على إيران لوقف برامجها في مجال التنمية العلمية بما فيها المجال النووي، وبالتالي لتحييدها عن دائرة الصراع في المنطقة، وخصوصاً أن إيران تعمل بشكل مكشوف على مواجهة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي الناشط على الساحة الفلسطينية وبقية الساحات العربية والإسلامية. لكن التهويل يخلي المجال لخوف حقيقي في ظل الهزائم التي لحقت بأميركا وامتداداتها في العراق وأفغانستان ولبنان وجورجيا… وقرغيزيا، ولا سيما في فلسطين، مع الانتصار الذي سجلته غزة والذي يتجه، برغم تصعيد الحصار المحلي والإقليمي والدولي، نحو المزيد من التجذر، بالشكل الذي فتح الباب نحو ظهور خطاب فلسطيني وعربي أعاد عقارب الساعة إلى العام 1948، أي إلى طرح الحل العادل الحقيقي للمشكلة الفلسطينية. ولعل هذا التطور هو ما دفع وزير الحرب الإسرائيلي، إيهود باراك، في الوقت الذي يدور فيه كلام أميركي عن الحوار المباشر مع إيران، إلى أن يملي على أميركا ما يمكن اعتباره روزنامة للتحرك الأميركي في فترة ما بعد “أوميد”: مفاوضات سريعة، تعقبها عقوبات صارمة، يأتي بعدها الاستعداد للتحرك… العسكري. أي ذلك التحرك الذي لم يخرج طيلة الأعوام الأخيرة عن الإطار الكلامي، في ظل الخوف الأميركي من العواقب الوخيمة التي ستترتب على التحرش بإيران.

وبغض النظر عن الاستعجال الاسرائيلي، فإن السلوك الأميركي تجاه إيران لم يتغير، في ظل أوباما، عما كان عليه في ظل بوش، اللهم إلا في ما يتعلق بالكلام عن الحوار والبحث عن حل ديبلوماسي دون التخلي، بالطبع، عن الخيارات الأخرى. فالناطق باسم البيت الأبيض صرح، بعد ساعتين على إطلاق أوميد، بأن بلاده ستستخدم كل عناصر القوة لمواجهة التحدي الإيراني. ولما كان إطلاق “أوميد” قد جاء قبل يوم واحد من لقاء ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن + ألمانيا، في براتيسلافا الألمانية، للنظر في موضوع الملف النووي الإيراني، فإن اللقاء الذي ناقش إطلاق الموجة الرابعة من العقوبات التي كان الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش، قد طالب بتطبيقها في حق إيران، والتي أجلت بانتظار وصول أوباما إلى البيت الأبيض، خرج باعلان أن مجموعة الست تتبنى الحوار مع إيران. إعلان واقعي جدا لأن الستة ليسوا في وضع يسمح لهم باتخاذ قرار حاسم في وقت تتجه فيه الأمور نحو إطلاق مفاوضات أميركية إيرانية مباشرة حول الموضوع، وفي ظل فشل كل محاولات فرض العقوبات السابقة.

الحل المنطقي هو الذي تقترحه إيران: احترام حقها المشروع في تطوير قدراتها العلمية، والتعامل معها بطريقة واقعية وصحيحة. وإذا كان الأميركيون وغيرهم يطلقون التهديدات ذات اليمين وذات الشمال، فإن الإيرانيين يردون بوضع شروط صارمة لأية محادثات قد تجرى مع الأميركيين: على أميركا أن تغير سياستها وألا تكتفي بمجرد التكتيكات، وأن تعتذر عما ارتكبته من جرائم في حق إيران.

هل يملك أوباما الشجاعة الكافية للتغيير والاعتذار؟ أم أنه سيسلك طريق من سبقوه؟ مع علمه أن أميركا المهزومة عسكرياً والمنهارة اقتصادياً واجتماعياً، في العام 2009، ليست في وضع يساعدها على التصرف بالشكل الذي تصرفت به عام 2001. لذا، فإن أغلب الظن أن سقف التحرك الأميركي الإسرائيلي لن يتجاوز المناورات الهادفة إلى تحريك الأدوات الإقليمية عملاً بالقول المأثور: أركب عبدك على الفرس. فإن هلك هلك ـ غير مأسوف عليه ـ وإن ملك فلك! والسؤال المحرج هو: هل يملك المملوك الخائر القوى في لملمة أشلاء المالك؟!

زر الذهاب إلى الأعلى