أرشيف المنتدى

رسالة من الطفل الفلسطيني إلى كل أهل الأرض

رسالة من الطفل الفلسطيني إلى كل أهل الأرض

بقلم / الشيخ رائد صلاح

الشيخ رائد صلاح – رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني

1_1461490470.webp

1- أنا الطفل الفلسطيني الحي الذي لم يرزقني ربي الشهادة كما رزق أخي “محمد الدرة” وكما رزق أختي “إيمان حجو”، وكما رزق بقية إخوتي الأطفال الشهداء!! أنا الذي قد أخطأتني رصاصات قناصة الاحتلال عشرات المرات بينما كنت أنام على فراشي في بيتي، وبينما كنت قائما في غرفتي خلف الشباك أراقب الدبابات وهي تسحق أشجار الزيتون، وبينما كنت في طريقي إلى الدكان كي أشتري لأخي الرضيع علبة حليب، وبينما كنت على مقعدي في مدرستي، وبينما كنت قائما لله تعالى في صلاتي !! نعم لقد أخطأتني رصاصة قناص الاحتلال قبل أيام حين مرت قرب أذني، وأخطأتني رصاصة أخرى مسحت شعر رأسي، وأخطأتني رصاصة ثالثة اندفعت بلهيبها بين قدمي، و أخطأتني رصاصات و رصاصات تراكضت تحمل الموت عبرت تؤُزّ عن يميني وعن يساري و من فوقي و من تحتي !! أنا الطفل الفلسطيني الذي أخطأتني قذائف الدبابات و راجمات الصواريخ و قنابل الطائرات و قذائف مروحيات الأباتشي الأمريكية !! فلا نامت أعين الجبناء !! .

2- أنا الطفل الفلسطيني الذي قد هدّموا بيتي فوق رأسي و فوق رأس أمي و أبي و إخوتي في مخيم جنين و مخيم بلاطة و نور شمس و في سائر مخيماتنا و قرانا و مدننا في الضفة الغربية و قطاع غزة !! فاستشهد أبي تحت ردم بيتنا الذي تحول إلى رجم حجارة ، و استشهدت أمي و هي تحمل أرغفة خبز فوق رأسها جاءت مسرعة بها لتطعمنا ، و استشهد إخوتي و هم في مواقف المواجهة لدحر الاحتلال !! أنا الذي ودّعت بيتي المهدوم و لم أعد إليه حتى الآن ، فأقمت أياما عند خالتي فهدموا بيتها ، ثم أقمت أياما عند عمتي فهدموا بيتها ، ثم أقمت أياما جوّالا متنقلا عند القريب و البعيد ، و ها أنذا طفل يتيم بلا أم و لا أب و لا إخوة !! ها أنذا طفل يتيم بلا بيت !! فهل تحملون جرحي ؟! و هل تجبرون كسري ؟! و هل تغيثونني لأبني بيتي من جديد ؟! ألست طفلا غاليا عليكم و كريما على نفوسكم ؟ ألست طفلا معتبرا من عالم الطفولة الإسلامية و العربية ؟! ألست كذلك ؟! لا تغفلوا عني و لا تهملوني و لا تتركوني وحيدا .

3- أنا الطفل الفلسطيني الذي خرجت بحفظ الله تعالى من تحت ركام بيتي حيا ، ثم طفقت أركض وسط الدمار في مخيمنا و من فوق رأسي الطائرات تطاردني و تطارد بقية أهلي الهائمين على وجوههم و الصارخين ، فمررت و أنا أركض في شوارع المخيم المجروفة و أزقته المحروقة ، مررت بجارنا (أبو محمود) شهيدا عند أعتاب بيته المهدوم ، و مررت بجارنا (أبو سعيد) جسدا بلا رأس و رأسه على بعد متر من جثمانه الغارق بالدماء ، و مررت بعشرات الأيدي المبعثرة هنا و هناك ، و التي لم أعرف أصحابها ، رغم أنني عرفت أن بعض هذه الأيدي الصغيرة كانت لأطفال صغار لعلي كنت قد تعلمت معهم في مدرسة واحدة ، و لعلي كنت قد لعبت معهم في حقل زيتون واحد ، و لعلي كنت قد ركضت معهم في بيارة البرتقال الواحدة ، و الآن أصبحوا شهداء ممزقين لا أرى عيونهم و لا وجوههم و لا ابتسامتهم ، بل أرى منهم الطفل الفلسطيني الذي رأى كل ذلك ، و رأيت الأرجل المبعثرة و من حولها قطع لحم و بقع دماء تحيط بها كما يحيط الإسار بالمعصم !! فَلِمن هذه الأرجل يا ترى ؟! هل هي لأخي الذي استشهد عند بوابات المخيم و لم أره بعد ذلك ؟! هل هي لعمي (صابر) الذي قيل لي عنه أنه قد تصدى لدبابة ففجّرها بعد إذ فجر نفسه بلا تردد ؟! هل هذه الأرجل لخالي (حمزة) الذي قيل لي عنه أنه وقف يدافع عن حرمة مسجد المخيم حتى مزقته قذيفة دبابات الاحتلال ؟! رباه ارحم نكبتي !! رباه ارحم غربتي !! رباه ارحم حسرتي !! لمن هذه الأيدي المبعثرة ؟! لمن هذه الأرجل المتناثرة ؟! لمن هذه الأجساد الممثل بها ؟! لمن هذه الوجوه المسمّلة العيون ؟! أنا الطفل الفلسطيني الذي رأيت كل ذلك و ما زلت أراه ماثلا أمام عيني طوال الوقت !! نعم ما زالت كل هذه المشاهد ماثلة أمام عيني رغم مرور أسابيع على دمار مخيمنا !! نعم ما زلت أرى كل هذه المشاهد و أنا آكل و أشرب ، و أنا أركع و أسجد ، و أنا في الشارع و المدرسة !! ما زلت أراها تلازمني ملازمة الروح للجسد في النهار ، و ما زلت أراها أحلاما تقتحم عليّ نومي كل ليلة !! فهل لي أن أنسى هذه المشاهد ؟ متى و كيف ؟! هل لي أن أرجوها كي تغيب عني للحظات رأفة بي حتى أستريح ؟! هل لهذه المشاهد أن تشفق عليّ و أن ترحمني و أن تودّعني و لا تعود ؟!! رباه يا أرحم الراحمين !! نهاري عذاب و ليلي هموم ، و دمعي سكيب و جسمي كلوم .. يا رب يا الله .

4- أنا الطفل الفلسطيني الذي رأى سيارات الإسعاف و هي تنقل مئات الجرحى من مخيمنا !! ، يا ويلتي … إني أراهم الآن ماثلين أمام عينيّ !! ها هم أمامي … صدقوني إنني أراهم يتعثرون بدمائهم فيسقطون على الأرض !! صدقوني إنني أراهم يتمرغون بالتراب صارخين و ناعبين أَلَماً و دماء !! صدقوني إنني أراهم و قد تدلت أيديهم و التوت أرجلهم و بُقرت بطونهم و تكسرت عظامهم و شجّت رؤوسهم !! يا ويلتي إنهم يزحفون رغم الجراح و الدماء و الآلام !! انظروا إليهم … إنهم يزحفون في كل اتجاه على بطونهم و على ظهورهم و على جنوبهم !! بل إنهم يصرخون !! ألا تسمعونهم ؟ إنهم يطلبون النجدة !! إنهم يصيحون قائلين : “النجدة … النجدة .. النجدة .. وا إسلاماه وا عرباه!! وا معتصماه!! وا صلاح الدين !!” .. ألا تسمعونهم ؟ إنهم يصيحون متألمين و ينادون : “إسعاف … إسعاف إسعاف … أيها المسلمون إسعاف !! أيها العرب إسعاف !! أيها العلماء و الأئمة و الدعاة و المصلحون إسعاف !! أيها الملوك و الحكام و الرؤساء و الزعماء إسعاف !! أيها المؤتمر الإسلامي إسعاف !! أيتها الجامعة العربية إسعاف !!” … يا لصرخاتهم تدوي في صدري و تسبح في قلبي و تدوّي في أذني !! إنهم أهلي و أهلكم يصرخون !! لا تقولوا لي : “و كيف تراهم و قد مضت الأسابيع على مجزرة مخيمكم و تم دفن كل الشهداء ، و تم نقل كل الجرحى ؟!!” ، أرجوكم لا تقولوا لي ذلك فالمأساة ما زالت تزداد بعد مرور أسابيع على مجزرة مخيمنا !! فإن كنتم لا ترون مأساتي فأنا ما زلت أراها تزداد !! نعم … قيل في الفضائيات المختلفة إنهم فكوا الحصار عن الرئيس ياسر عرفات ، و لكن مأساة شعبي ما زالت تزداد !! قيل في الفضائيات المختلفة إنهم توصلوا إلى حل لأزمة كنيسة المهد ، و لكن مأساة شعبي ما زالت تزداد !! قيل في الفضائيات المختلفة إن السلطة الفلسطينية قد باشرت في الإصلاح السياسي فنقلت وزارة العمل إلى وزير الصحة و نقلت وزارة الرياضة و الشباب إلى وزير التعليم العالي و نقلت وزارة التعليم العالي إلى وزير العدل ، و لا ندري من سيقدر على حمل أعباء العدل و هموم المظلومين ؟! قيل لنا و لكم كل ذلك ، و لكن مأساة شعبي ما زالت تزداد ؟! قيل في الفضائيات المختلفة : “لقد جاء (تشيني) و ذهب (باول) ثم ذهب و جاء (تينت) ، ثم ذهب تينت و جاء باول . و لكن مأساة شعبي ما زالت تزداد !! قيل في الفضائيات المختلفة إن قوات الاحتلال قد انسحبت من مخيم جنين ، و لكنها عادت و اقتحمته مرات و مرات !! قيل في الفضائيات المختلفة إن قوات الاحتلال قد انسحبت من رام الله ، و لكنها اقتحمت بيت لحم !! و قيل إنها انسحبت من نابلس ، و لكنها اقتحمت طوباس !! و قيل إنها انسحبت من مخيم رفح ، و لكنها اقتحمت مخيم الشاطئ !! و هكذا دواليك … ما زال جنود الاحتلال يقتحمون !! في الليل يقتحمون و في النهار يقتحمون !! ما زالوا يقتحمون و يهدمون البيوت !! و ما زالوا يقتحمون و يعتقلون الآلاف !! و ما زالوا يقتحمون و يقتلعون الزيتون و يحرقون البرتقال و يدمرون الحقول !! برنا و بحرنا و جوّنا ما زالوا يقتحمون !! و ما زالت مأساة شعبي تزداد !! قيل في الفضائيات المختلفة إن مجزرة مخيم جنين التي ذبح فيها جنود الاحتلال العشرات من أهلنا قد انتهت ثم توقفت !! و لكن إن ذبحوا العشرات من أهلنا في مجزرة مخيم جنين جملة واحدة فما زالوا يذبحون العشرات أسبوعيا بالتقسيط في الضفة الغربية و قطاع غزة ، و يقول قائلكم : “مأساة الشعب الفلسطيني تزداد و قد تم تشكيل حكومة فلسطينية جديدة” ؟!! ، أمعقول ؟! و كيف ذلك ؟! و أنا الطفل الفلسطيني أقول لكم : “مأساة شعبي ما زالت تزداد !! فشعب بلا لقمة طعام و لا جرعة دواء و لا حقن لدمائه و لا حماية لأعراضه و لا حفظ لمقدساته … أليس في مأساة ؟!” ..

5- أنا الطفل الفلسطيني الذي لم يتوقف عن توديع الشهداء كل يوم !! فعلى مدار السنتين و أكثر ما زال لنا في كل يوم أكثر من جنازة و قبر و تابوت ، و ما زال لنا في كل يوم أكثر من بيت عزاء !! و ما زال لنا في كل يوم أكثر من ثكلى و أكثر من يتيم و أكثر من باكية نائحة و أكثر من ناعية جائحة !! ما زالت لدينا قوافل الأيتام تزداد يوما بعد يوم !! و ما زالت لدينا قوافل الأرامل و الثكالى تزداد يوما بعد يوم !! و ما زالت لدينا قوافل الجرحى و المعتقلين تزداد يوما بعد يوم !! ما زلت أتجوّل بين مئات البيوت المدمرة و آلاف البيوت المتصدعة !! ما زلت أمرّ بمسجد الخضراء المهدوم في نابلس ، و مسجد الشيخ زيد المهدوم في طولكرم !! ما زلت أمرّ بعشرات المساجد الأخرى و قد عاثت بها يد الاحتلال خرابا و إرهابا !! فكم من مسجد بالوا في محرابه ؟ و كم من مسجد حطّموا كبرياء منبره ؟ و كم من مصحف مزّقوه و استخدموا أوراقه عند قضاء حاجتهم ، و كم من مئذنة قصفوا شموخها العالي و الغالي ؟ و كم من مسجد أرادوا به كيدا و حرّقوه ؟!! .

6- أنا الطفل الفلسطيني الذي ما زالت تطارده الدبابات حتى الآن في كل رقعة من جرحنا الكبير في الضفة الغربية و قطاع غزة !! و ما زالت هذه الدبابات المتوحشة تطارد جدتي كلما تجرأت و صعدت إلى الجبل القريب منا لتحضر لنا بعض (الزعتر) أو أعواد (الميرامية) علّها تخفف من حدة جوعنا و مرضنا و عطشنا !! أنا الطفل الفلسطيني الذي ما زال يتنفس رائحة الموت في كل مكان !! نعم ما زلت أتنفس رائحة البارود و القنابل و الرصاص في كل مكان !! ما زلت أتنفس رائحة الحصار بعد الحصار كل يوم !! رباه ارحم هواني على المحتلين !! .

7- أنا الطفل الفلسطيني الذي يريدون إبعادي عن القدس الشريف و المسجد الأقصى المبارك طريدا أو سجينا ، و أنا أقول لهم : “بل سأحيا للقدس الشريف و الأقصى المبارك شهيدا … شهيدا … شهيدا” … قول صدق لا تمثيل ..