أرشيف المنتدى

فلسطين أهم من كل الفصائل..!!

حادث تبادل إطلاق النار الذي جرى في قلقيليه بين عناصر من كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، ودورية تابعة للشرطة الفلسطينية، والذي أدى إلى مقتل ستة فلسطينيين، بينهم ثلاثة من أفراد الشرطة واثنين من كتائب القسام، يجب النظر إليه بخطورة بالغة، والعمل على تطويقه ومعالجة ذيوله بأقصى سرعة ممكنة.

ليس فقط بسبب الخسائر البشرية وعدد القتلى الذين سقطوا فيه، بل أيضا بسبب تداعياته المحتملة على الوضع الفلسطيني برمته، فهذا الحادث يمكن أن يقود الوضع الفلسطيني إلى دائرة الفعل ورد الفعل، وهذه الدائرة يصعب إغلاقها إذا تطورت الأمور، وقد يطال لهيبها الشتات الفلسطيني، وخاصة المخيمات الفلسطينية في لينان التي تعتبر ذات حساسية عالية لمثل هذا النوع من الصراعات، التي هي في غني عنها..

كما أن هذا الحادث يمكن أن يتكرر في أية لحظة، وفي مناطق أخرى من الضفة الغربية، إذا استمر التحريض المتبادل، مما يعني استمرار إراقة الدماء الفلسطينية، وتضييع الهدف وفقدان البوصلة، بل وخلق حالة من الضبابية السياسية، بعد أن يحتل الصراع بين الحركتين الأولوية، ويتحول الصراع مع الاحتلال إلى صراع ثانوي، وفي ذلك يكون ضياع القضية بيد أهلها وليس بيد العدو، الذي يجب إن توجه إليه كل البنادق الفلسطينية.

ما جرى في قلقيليه هو انعكاس لما يجري في غزة، من محاولات لتحجيم دور حركة “فتح” ومنعها من ممارسة العمل السياسي، وما يجري في غزه هو ردود فعل غير موزونة لحركة “حماس”، بسبب الإرباك الذي تعيشه وانسداد مشروعها السياسي ووصوله إلي طريق مسدود

وردود الفعل هذه تجاوزت المستويات والحدود المتعارف عليها فلسطينيا، إذ لم يسبق لأي فصيل فلسطيني، مهما بلغت قوته وجبروته، أن حاول منع فصيل فلسطيني أخر من ممارسة حقه في العمل السياسي والجماهيري، وهذه تعتبر سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات الداخلية الفلسطينية.

كانت الديمقراطية الفلسطينية التي كان ينعني بها دائما الرئيس الراحل عرفات، ويسميها “ديمقراطية عابة البنادق”، تكفل لكل فصيل فلسطيني مهما بلغ صغر حجمه وجماهيريته حرية العمل السياسي، حتى أن بعض قادة التنظيمات الفلسطينية “الصغيرة”، حسب اللغة السياسية الدارجة لدى بعض قادة “حماس”، كانوا “يتنططون” في وجه قائد الثورة الفلسطينية ويغالون في توجيه النقد له أحيانا، وكان هذا حق مكفول لهم مادام الهدف منه هو خدمة المصلحة الوطنية الفلسطينية.

وحتى نضع الأمور في نصابها الصحيح نقول، وأنا هنا لا أقدم براءة ذمة لأحد، أن السلطة في رام الله، محكومة في تصرفاتها وممارساتها بهاجس تكرار تجربة الانقلاب العسكري الذي قانت به “حماس” في غزة، في الضفة الغربية، خاصة وان حركة “حماس” لا تخفي نواياها بتكرار هذه التجربة في الضفة أيضا، عبر تصريحات بعض المسؤولين فيها، مما يبقي السلطة الفلسطينية في حالة تحفز دائم في مواجهة حركة “حماس”.

هذا رغم اختلاف الوضع في الضفة الغربية عن غزة، ووجود حالة جماهيرية ملموسة لحركة “حماس” في بعض مدن وقرى الضفة مثل الخليل ونابلس ومناطق أخرى، ووجود العامل الإسرائيلي الذي يعتبر حاسما في منع سيطرة “حماس” على الضفة الغربية، ليس كرمى لعيون السلطة الفلسطينية، بل بسبب المخاطر الأمنية الكبيرة لإسرائيل التي ستسببها سيطرة “حماس” هناك.

إن المدخل الصحيح لمعالجة أزمة الانقسام الراهنة التي تمر بها الساحة الفلسطينية، وكافة التداعيات الناتجة عنها، هووقف الحملات الإعلامية المتبادلة والتصريحات الموتورة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين سواء في غزه أو رام الله، وتحريم الاعتقال السياسي الذي يشكل جرحا غائرا في الوجدان الفلسطيني، والتقدم بخطى حئيئة نحو الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة، وإقرار قانون إالتمئيل النسبي الكامل الذي يعزز التعددية السياسية، ويقود إلى بناء شراكة سياسية حقيقية، ويضمن تطوير النظام السياسي الفلسطيني.

وكذلك إقرار قيادتي “فتح” و”حماس” بأن الحوار الهادف والبناء، وليس الحوار الذي يجري استخدامه لأهداف تكتيكية، هو السبيل الوحيد لتجاوز الأزمة الداخلية الفلسطينية، وإعادة بناء وترميم الوضع الفلسطيني المتهاوي، الذي يهدد استمراره بإضعاف الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، وخسارة التأييد الدولي لها، وعدم الاستفادة من توجهات الإدارة الأميركية الجديدة الهادفة لحل القضية الفلسطينية، والاستفادة من قوة الدفع المرافقة لها.

والتفاعل مع الدور المصري المدعوم عربيا، لحل الأزمة الداخلية الفلسطينية، وعدم تضييع فرصة السابع من تموز القادم، التي تعتبر الفرصة الأخيرة من اجل التوصل إلى اتفاق مصالحة وطنية شاملة، ينهي حالة الانقسام الشاذة ويعيد لملمة الجهود الفلسطينية التي بعثرها الانقسام..

وقبل ذلك الاحتكام في مواقفهما إلى المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، التي يجب أن تسمو فوق كافة الاعتبارات والمصالح الحزبية الضيقة، ففلسطين أهم من “حماس” و”فتح” وكل الفصائل مجتمعة.