أرشيف المنتدى

ان كنت لاجئا فلسطينيا

إن كنت لاجئا فلسطينيا في لبنان أمامك خياران لا ثالث لهما، إما أن تسلم أمرك للمجهول وتضع أوراقك بين أيدي سماسرة الهجرة لتشد الرحال إلى خارج لبنان، أو أن تبقى لاجئا في لبنان..

واللجوء في لبنان، أضاف إلى قاموس اللغة العربية معانيٍ ومفردات جديدة وعديدة لتعريف “اللاجئ”!!

أن تكون لاجئا فلسطينيا في لبنان فمعناه أن تكون دائما على رأس قائمة المنتهكة حقوقهم على كل الصعد والمستويات: سياسيا واجتماعيا وتربويا وصحيا وما إلى ذلك من حقوق لا نعرف عنها إلا ما نقرأه (فقط) في خطابات وأدبيات منظمات حقوق الإنسان.

أن تكون لاجئا فلسطينيا في لبنان معناه أن يكون همّ تأمين مصاريف العلاج أشد ألماً من المرض نفسه، وأن ترفض المستشفيات استقبالك إلا بكفالة مالية باهظة مرفقة بلائحة بأسماء جمعيات خيرية ( ومعظمها لا تعتبر الفلسطينيي من أولوياتها)!!

ومعناه أيضا، أن لا تمرض، لأنك بكل بساطة إن مرضت ومت فإنك لن تستطيع تأمين مصاريف الدفن.. وإن استطعت فإنك لن تجد قبرا.. فالقبور تكاد تضيق على اصحابها.

وأن تكون لاجئا فلسطينيا في لبنان، يعني أن تكون دائما متهما (وإن ثبتت براءتك)، وأن تتحمل أعباء كل من أساء أو أخطأ أو حمل إشارة تربطه بالفلسطينيين أو صادف مروره بالقرب من احد المخيمات، فتـُعاقب أنت وأبناء مخيمك وجيرانك لبنانيين وفلسطينيين، بكل الوسائل، وتعود إلى الذاكرة المعابر والحواجز والأسلاك الشائكة والكتل الإسمنتية وأجهزة المراقبة والتفتيش المتطورة وغير المتطورة، إجراءات تبدأ بحصار مخيمك ومنعك من إدخال كل ما يتعلق بمواد البناء وترميم سقف بيتك المهترئ الذي قد يتهاوى على رؤوس اولادك ذات يوم، إلى الوقوف عدة ساعات على حواجز الجيش عند مداخل المخيمات، إلى اهتراء الهوية الزرقاء الخاصة باللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان من كثرة ما تطلب منك للتدقيق على الحواجز، أو الطلب من الفلسطيني دون غيره النزول من الباص العمومي لتفتيشه بدقة عند حواجز الجيش في مختلف المناطق اللبنانية.

أن تكون لاجئا فلسطينيا في لبنان، معناه أن لا يتذكرك بعض ساسة وقادة لبنان إلا في سياق تصريحاتهم وإبداء مخاوفهم من التوطين، وكأنهم لا يملكون إلا خيار رفض ومنع التوطين، ويتباهون بتعبئة الحقد عليك، (فقط لأنك .. لاجئ فلسطيني في لبنان).

ويعني أيضا، أن تكون سعيدا جدا حين ترى اللبنانيين على مختلف تلاوينهم متضامنين مع قضيتك إلى أبعد الحدود، وأن تكون حزينا جدا لأن غالبيتهم متفقون على أن لا يعطوك ولو حقا واحدا من حقوقك كإنسان في لبنان.

وأما عن العمل، فحدث ولا حرج، فإن صادف ووجدت عملا، يكون العمل بشروط تعجيزية، وما عليك إلا أن تعمل من دون كلل او ملل، ولا تململ امام ارباب العمل وعليك دائما أن تذكر وتتذكر افضالهم عليك بالمخاطرة في تشغيلك بشكل غير قانوني، من دون ضمان أو تأمين او حدٍ أدنى للأجر أو أي حق من حقوقك كعامل.

والأهم من كل ذلك، عليك أن تتمهل وتتريث قبل التفكير بمستقبلك العلمي والعملي، وأن تتواضع في أحلامك مهما كانت كفاءتك وقدراتك.. فلا بد ان تصطدم بقانون العمل والنقابات… ولن تجد مكانا تحقق فيه احلامك وذاتك..

أن تكون لاجئا فلسطينيا في لبنان يعني أن تكون محروما من حقك في أن ترث وتورث، أو أن تتمتع بلذة إدخار بعض الاموال لشراء منزل، وإن اشتريته فممنوع عليك تسجيله في الدوائر والحصول على سند ملكية، وهذا قانون ينفرد فيه الفلسطيني بالعناية دون سواه.

وآخر المعاني المستحدثة والمستجدة، كي تكون لاجئا فلسطينيا في لبنان فعليك أن تتحمل العيش لأكثر من سنتين حتى اليوم في اكواخ حديدية تتناسب مع حر الصيف وبرد الشتاء، أو ان تسكن في كاراجات السيارات بإنتظار “إعادة إعمار” و “عودة” إلى مخيم نهر البارد…

وبالرغم من كل هذا، فما عليك كلاجئ فلسطيني في لبنان إلا أن تبتسم، وتفخر بعد واحد وستين عاما من النكبة، وبالرغم من تراكم الآلام وتلاشي الكثير من الآمال، بأن طفلاً لاجئا.. يُعاني ويعاند المرارات بأمل واحد حي ينبض… أمل العودة… وأن طفلة هناك في الجليل… تردد صدى صرخاته في ربوع الوطن… وتضم صوتها لصوته مطالبة بحقها وحقه بالعودة… هذا الحق الذي لا عودة عنه… ولا يلغيه التقادم.