أرشيف المنتدى

العم أبوحسين وقهوته العربية

العم أبوحسين وقهوته العربية

حسمت أمري بعد لحظات من التردد .. وذهبت في زيارة للعم أبوحسين . وسبب ترددي هذا هو عدم الرغبة في ألأِثقال عليه .. إستقبلني العم أبوحسين بإبتسامتة المعهودة .. مُرحبا ً كعادته المحمودة في الترحاب بضيوفه .. ، لفت إنتباهي وأنا أختار مكاني في الجلوس أن العم أبوحسين كان يستمع إلى نشرة أخبار إحدى المحطات الفضائية العربية ..!. مازحته قائلا .. ولكن بصيغة إستفزازية .. ، حسبتك يا عم .. قارئا ً أكثر منه مشاهدا ً ومستمعا ً .. أم تراني أخطأت التقدير .. !؟. قال : لقد أصبت في أمر ٍ وأخطأت بآخر .. !، قلت ُ وأنا أتحسس مكان جلوسي وألأبتسامة لا تفارقني ، وكيف ذلك ..!؟ . قال : لقد أصبت في أن تسأل وتتحسب .. فهي حق من حقوق كثيرة .. تمنحها الطبيعة وعلينا أن نحسن ممارستها ..، أما خطأؤك فهو أن تغفل المشاهدة والأستماع في تبيانك للحقيقة وتكتفي بالقراءة أو العكس صحيح كذلك .. هذا إن أردت البحث عن الحقيقة في عالم تكتنفه المتناقضات ..! لم أفاجأ برد العم .. ولكنه إستفزني بدوره ، فقررت أن أسمي ألأشياء بأسماءها فقلت : إن أدوات الطبيعة في تبيان الحقيقة التي ذكرت يا عم أبوحسين.. عقيمة التأثير ولا تتجانس مع هدفها وفلسفاتها..!، ليس لخطئ ٍ في فلسفة الطبيعة وتجانس أدواتها .. بل لكثرة ما أحمله من موروثات إجتماعية وتقافية وفقهية متناقضة.. أربكت إتزاني الفكري أنا العربي.. وافقدتني ميزة ألأختيار، أضف إلى ذلك .. حاضرنا المُزري الذي نعيشه ، كيف تريدنا أن نحسن ألأختيار في ظل سياسات ٍ فاسدة يملاؤها جهل ُالتبعية والطائفية والقبلية .. ويديرها قيادات غابت عنها البصيرة فأفسدت بجبروتها كل أدوات الطبيعة .. !.

لم أتوقع أن يبتسم العم أبوحسين بعد الذي قلته ، ولكنه فعل .. وهو يقدم لي فنجان قهوته العربية مُتفحصا ً ملامحي المضطربة ثم قال : إسمع يا بني .. أن لا أعترض على ما ذكرته وأشاركك القلق فيما تقول .. فهو جليٌ وواضحٌ لكل ذي عين .. ، ولكنني لا أقبل ألأنزواء في زاوية الحيرة والتأفف .. فالمواطنة.. ليست ثوبا نلبسه بل فعلا ًنقدمه .. !، وتأكد يا بني أن التاريخ لن يكتبنا على صفحاته المشرقة .. إلا إذا كُنا أهلا لذلك ..!. قلت وقد أسعدتني فلسفة العم أبوحسين : وكيف السبيل للخروخ إلى ذلك ..!؟ . قال بعد أن رشف ما تبقى من فنجان قهوته العربية :

هناك كلامات تتردد كثيرا ًفي هذه ألأيام ، مثل .. الثور العربية .. الربيع العربي .. إنتخابات ديمقراطية .. محاكمة الدكتاتور.. فساد النظام .. الشعب يريد إسقاط النظام .. وما إلى هنالك من كلمات وتعريفات لم نتعود كمواطنين عرب على سماعها ..!، وهي بلا شك بمفهومها العام مؤشر لمرحلة جديدة من التوهج الفكري باتجاه تصحيح منظومة من ألأخطاء الثقافية والأجتماعية الموروثة منها والمُكتسبة . ولكن وأمام هذا الكم الهائل من المتغيرات التي نراها على الساحة العربية لا بد من حتمية السؤال وهو : من المسؤول الحقيقي عن عملية التصحيح هذه ؟؟؟ هل هو الحاكم أو الرئيس المنتخب القادم !؟ هل هو حزمة المعونات العسكرية والأقتصادية القادمة من وراء البحار!؟ هل هو هذا الأعلام المتمترس خلفه مصالح الدول الممولة له !؟ إنه أنت وأنت وحدك بكل بساطة يا بني .. ولكي أضع الحروف على نقاطها .. سأسألك بلغة التساؤل : من سكت عن الفساد وتعايش معه لمدة تزيد عن 40 سنة !؟ من هتف بأعلى صوته وبُحّت حناجره تمجيدا وتعظيما للقائد والرئيس لمدة تزيد عن 40 سنة!؟. من هلّل وطبّل وزمّر وشارك في قتال أبناء الوطن الواحد !؟ من شجّع وساهم في تأسيس قاعدة الفساد المستشري في وطننا العربي عل طول إمتداده !!؟ ومن .. ومن .. ومن .. !!؟ إنه أنت وأنت بكل مرارة من ساهم في ضياع معالم الوطن الذي تبكيه اليوم ..!. أسمع يا بني أن ما يحصل اليوم من مُتغيرات على الساحة العربية هي بمثابة الفرصة التي لا تعوض من أجل إعادة التأهيل لمواطنتك .. فلا تركع لغير الله .. ولا تهتف لغير الوطن .. ولا تجامل مسؤولا تراى فيه منفعتك على حساب فساد الوطن .. ولا تسكت عن خطئ يُنقص من مواطنيتك .. وأخيرا َ وليس آخرا لا تسكت على سرقة الوطن مهما علا شأن السارق ..!.

صدمني ما قاله العم أبوحسين .. رغم ما إعتراني من تجانس فكري وأنا أستمع إليه ..! مشى العم أبوحسين بإتجاه نافذة غرفته مُحدقا َإلى البعيد … ، غادرته وان أتحسس أفكاري المتجانسة .. ورائحة قهوته العربية الأصيلة ترافقني .. ولنا لقاء