أرشيف المنتدى

محطة الجزيرة بين ألأنتقائية والشمولية

محطة الجزيرة بين ألأنتقائية والشمولية

محطة الجزيرة بين ألأنتقائية والشمولية

بعد مُغادرة ألسيد وضاح خنفر قناة الجزيرة القطرية ، بدا لنا واضحا ً أن الجزيرة تعاني من ضمن ما تعانيه .. الصراع حول ألأسس والمفاهيم ألتي قامت من أجلها الجزيرة ، وأول هذه ألأسس هي فلسفة ” الرأي والرأي ألآخر ” التي تحلّقت حولها المفاهيم والقناعات في متابعة الجزيرة ومنحها المصداقية من قبل المشاهد العربي الذي كان ولا يزال تواق لأستكشاف دوافع ألأزمات المتلاحقة التي يغرق فيها عالمه العربي !،ومما لا شك فيه أن إنطلاق حركة التغيير في الشارع العربي كانت تستند إلى كثير من ألأشارات المتلاحقة من الفساد ألأداري وغُبن المواطن وقلة فرص العمل .. ودكتاتورية الحاكم .. ، بالأضافة إلى الموقف السياسي لهذه القيادات العربية من القضايا المصيرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية .. ، هذه الأشارات الفاسدة المتلاحقة كانت تلتقطها وسائل ألأعلام بمختلف مشاربها لتعيد صياغتها أمام المشاهد بقالب إعلامي تزعمت مصداقيته محطة الجزيرة , بالأضافة تقدم تقنية التواصل ألأجتماعي وسرعة نقل الحدث والتواصل معه بفاعلية مؤثرة أدّى إلى فرز وتعرية كثير من المفاهيم والقناعات لدى المشاهد العربي بإتجاه قياداته العربية المتهالكة .. ، ولأن محطة الجزيرة كانت اللاعب ألأقوى والفاعل في بلورة ثقافة المشاهد ألأعلامية على مدى عقد ٍ من الزمن ، كان لا بد لها من أن تطّلع بدور مؤثر في حركة التغيير الذي يتوق لها المواطن العربي وذلك لقوة شبكتها الأعلامية المترامية ألأطراف ، ولنجاحها على مدى عقد ٍ من الزمن في قدرتها على التوفيق ما بين الحرفية الأعلامية التي تمتلكها بفضل كوادرها المؤهلة .. وبين شعارها ” الرأي والرأي ألآخر ” الذي نجحت في تطبيقه بشكل أكسبها مصداقية المشاهد العربي المطلوبة لتصبح ألأشهر على مستوى العالم العربي ولتدخل في منافسة أشهر المحطات ألأعلامية في العالم .لكنه كما يقال .. ” دوام الحال من المُحال ” .. بإلأضافة إلى أنه لا يستطيع أحد مهما عَلا شأنه أن يُخفي حقائق ألأمور وإن نجح إلى حين في تلوينها وإخفاء معالمها .. فالحقيقة هي آلة ٌ الحياة الصادمة لكل من يتجرأ عليها ..! . ضمن هذا السياق وقعت محطة الجزيرة في خطأين قاتلين أفقداها الكثير من المصداقية التي سعت بالكثير من الجهد والمعاناة للوصول إليها .. ، ولتعريف هذين الخطأين نقول :

مع بداية إنطلاقة التغيير وثوراته تزعّمت محطة الجزيرة دور المُحرّض والمساند لهذه الثورات .. ولقد نجحت في بدايات الثورات العربية في أن تكون المُرّشد لوهج التحرّك .. والداعم لحتمية النجاح .. ،وعندما أخذت رُقعة الثورات تتسع أكثر فأكثر لتصبح أقرب لمفهوم الثورة العربية الشمولية ، إختلف نهج التغيير وأدواته في تعاطي قناة الجزيرة مع المفهوم الشمولي للتغيير ..، وبقراءة سريعة نلحظ ألآتي ..، في الحالة التونسية والمصرية سلكت محطة الجزيرة الوضوح في الطرح الشمولي للتغيير ضد الدكتاتورية والفساد في عمومه على الساحة العربية ، لذلك حافظت الجزيرة على المصداقية المهنية في مواكبة الحدث . على النقيض من ذلك فقد تغير أسلوب تعامل الجزيرة مع الحدث في الحالة البحرينية من شمولية مُحاربة الدكتاتورية إلى ألأنتقائية في محاربة الدكتاتورية ولم تسلك صدقية التعامل كما فعلت في الحالة التونسية والمصرية وذهبت الى حد تبرير وتبرءة تدخل الجيش السعودي الذي دخل ليحمي الحاكم وليقمع الثورة والثوار.. ، ثم عادت لتمارس في الحال اللييبية الشمولية من جديد وإصرارها على التغيير دفعها للتحالف مع الحلف ألأطلسي في ألأطاحة بالحاكم ودعم الثوار.. ، هذا التناقد بين ألأنتقائية والشمولية أربك المراقب والمشاهد العربي وأوقعه في ضبابية الرؤية التي أدت بدورها إلى كثير من الساؤلات حول دوافع الثورات العربية وتخالفاتها وأهدافها !. وكان واضحا لمحطة الجزيرة أنّ تحزم أمرها وتختار ما بين مواجهة الدكتاتورية والفساد والذي يتطلّب الشمولية في الموجهة والتغيير على إمتداد رُقعة الوطن العربي , من أجل إرساء مبادىء الحرية والعدالة والديمقراطية التي لا يُمكن أن تتجزأ في مفهوما الصحيح .. !، وبين إنتقائية فردية التغيير حيث ُ تتلائم وسياسات ميلاد الشرق الأوسط الجديد بطموحاته وتحالفاته السياسية .. !، فإختارت إنتقائية التغيير بدل شمولية التغيير , مُفسحة المجال أمام دكتاتوريات عربية كييرة وواضحة المعالم لكى تُمثل دور المُنقذ والمُحرر للشعوب العربية ، وإختصارا ًلهذا التناقد نقول ،. ساندت الجزيرة في تونس ومصر .. وأضاعت الطريق في اليمن .. وقاتلت مع حلف ألأطلسي في ليبيا .. وإستشرست إعلاميا ً وماليا ً في سورية .. ،وبحثت بين ألأكوام عن أية حالة إعتراضية ضد النظام في الجزائر، بالمقابل .. في مملكة البحرين دعمت الدكتاتورية ضد الثورة .. وفي المملكة ألأردنية نقلت ألأحداث بخجل ملحوظ لا يرقى حتى إلى مستوى رفع العتب ، وفي المملكة المغربية مارست طمس الحقائق .. !! ، هذه ألتناقضات أدت إلى إنهيار مصداقية الجزيرة التي كانت تستظل بظلها على مدى عقد من الزمن !.

أما الخطأ الثاني فهو ، أن يُصبح ألأعلام وسيلة قتالية لا يُراعى فيها حرفية المهنة وحيادية نقل الحدث بموضوعية لا يخدش صدق وعفوية المشاهد العربي ..!، ولقد إبتدعت محطة الجزيرة وسيلة إعلامية جديدة لا تمت لمصداقية الصحافة بصلة وتضفي كوكبة من الشك على مصداقية الجزيرة وهي شخصية ” شاهد العيان ” هذا الشاهد الذي لا نعرف له أيّ أوراق ثبوتية وليس له إسم ومكان وزمان فهو أداة إعلامية وهمية تضع كثير من علامات الشك حول مصداقية الخبر ..!، بالأضافة إلى أن محطة الجزيرة ترفع شعار ” الرأي والرأي الآخر ” وهو شعار يُلزمها الصدق والتحري والتأكد من مصدر الخبر .. – فهو شعار يتنافى كليا ً ويتعارض مع خندقة وسائل ألأعلام ليصبح أحد أطراف الصراع بل ذهبت محطة الجزيرة في الحالة السورية إلى أن تكاد تكون الخصم ألأساسي للنظام السوري في إدارتها لمعركة إسقاط النظام ..!، وكان حريٌ بها أن تسلك درب الحيادية والمصداقية في نقل الرأي والرأي ألآخر ..! حتى وإن كانت تعتقد بعدالة المطالب التي يطرحها الشارع السوري .. فموقعها ألأعلامي يُحتم عليها في أن تبقى على مسافة واحدة من الأطراف .. ، وحده الشعب السوري كما الشعب التونسي والمصري مسؤولا عن ذلك ..! وكلما مارست محطة الجزيرة شعارها الرأي والرأي ألآخر بصدقية كلما إكتسبت ثقة المشاهد ، وكلما إبتعدت عنه كلما أبعدها المشاهد لتسقط في فخ التحالفات والصراعات التي إرتضت لنفسها الجزيرة أن تتخندق فيه ..!وهناك قضية أخرى من المُفيد أن نتعرض لها في سياق البحث في فهم مواقف محطة الجزيرة السياسية والأعلامية ..! وهو دخولها على خط الخلاف الفلسطيني الفلسطيني .. ،حيث لم تكن تتعامل بحيادية تفرضها حساسية القضية الفلسطينية وأهمية تماسكها في مواجهة الصلف والتنعت ألأسرائيلي ..، وإن أيّ إصطفاف من قِبل محطة الجزيرة أو غيرها داخل الخلاف الفلسطيني الفلسطيني .. هو بمثابة إضعاف للموقف الفلسطيني على المستوى السياسي والتفاوضي أو حتى على مستوى النسيج الأجتماعي والثقافي للمجتمع الفلسطيني وتماسكه المطلوب أكثر من أيّ وقت آخر في هذه المرحلة الحساسة والحرحة التي تمر بها القضية الفلسطينية …!!. لذلك دأبت محطة الجزيرة على ألأصطفاف بجانب حماس في خلافها السيلسي والعسكري مع حركة فتح ممثلة بالرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ، وبدون الخوض في تفاصيل هذا ألأصطفاف ، ولكننا نود أن نسرد بعض الملاحظات الآتية :

رغم قوة الدعم ألأعلامي الهائل من قبل محطة الجزيرة لحركة حماس في خلافها مع حركة فتح .. – فهي لم تستطع أن تجعل حماس تتسّيد القرار الفلسطيني .. ، بل عمّقت جرح الخلاف الفلسطيني الفلسطيني ..!.

لقد ساهمت ألجزيرة في إضعاف الموقف الرسمي العربي في دعمه للقضية الفلسطينية من خلال الضرب على وتر الخلافات العربية العربية ألتي إنعكست سلبا على بلورة القرار الفلسطيني .

لقد لعبت الجزيرة دور الوسيط ( البريء ) الذي ساهم في تبسيط وتسهيل التعايش الثقافي لفكرة القبول بالمُحتل كأمر واقع والتخاطب معه وكأنه حالة إجتماعية واقعية منفصلة تماما ًعن منطقية التعامل مع الغاصب والمُحْتل ..! ولو أمعنا النظر فيما ذكرناه لأدركنا كم هو عُمق الجرح التي سببته محطة الجزيرة للقضية الفلسطينية من جرّاء إصطفافاتها ومواقفها السياسية .. !.

إن محطة الجزيرة الفضائية ظاهرة إعلامية جديرة بأن تُدرّس في :: ” كيف يُبنى ألأعلام الناجح .. وكيف ينهار” .

ومهما يكن من أمر الجزبرة بخصوص القضية المركزية فلسطين ، فإن القضية الفلسطينية هي نبض الشارع العربي وبوصلة ألأنسان المسلم أينما كان .. ومُفتاح ألآمان والأستقرار لكافة دول الشرق الأوسط ، وأزمة ضمير يعيشها كل عاقل على هذه المعمورة..! ومن يقفز عن تلك المعتقدات أو يحاول تجاهلها فهو إما جاهلٌ في قراءة التاريخ .. أو مُتكبرٌ مطرودٌ من مربع الحقائق .

أبورياض