أرشيف المنتدى

اليمن " السعيد " وأزمة الحلول الخارجية!

اليمن ” السعيد ” وأزمة الحلول الخارجية!

ما الذي يدور داخل اليمن ” السعيد ” ! هل أدرك من عاثوا به فسادا ً أن السحر اليمني قد إنقلب على الساحر ، وأن ما حصل في اليمن كان خطأ َ في الحسابات السياسية ! وأن الطوفان اليمني قد بللت أطرافه الدول المجاورة وأصبح من الضرورة لملمة ما يمكن لملمته ضمن تسوية ما تحفظ ماء الوجه قبل أن تستفحل ألأمور فتفلت من عقالها ليدفع مِشعلوها من إستقرارهم ثمن سوء حساباتهم ؟!!

أسئلة تحتل عناوين ألأفكار بعد أن طال أمد الأزمة هناك ! ، فمنذ إندلاع ألأحداث في اليمن ودول الخليج العربي عبر وسائل إعلامها المتمثل بمحطة الجزيرة والعربية تتعامل مع ألأزمة اليمنية بتناقض ملحوظ ، يشوبه الأرتباك والتخبط بين دعم الغيير والخوف من أن يؤدي هذا التغيير إلى سيطرت من يناصب العداء للسياسة الخليجية الغربية ، كالحوثيين وورثة الحكم الشيوعي في اليمن الجنوبي سابقا ً ، بالأضافة إلى فلول القاعدة ! من هنا جاء هذا التردد في نظرية التخلي عن الرئيس علي عبدالله صالح ونهجه المتحالف مع العباءة الخليجية وسياساتها الغربية . ولم تكن إستضافة الرئيس اليمني وعلاجه لمدة ثلاثة أشهر في المملكة العربية السعودية ثم إعادته كرئيس لليمن على سبيل الشفقة أومن قبيل اللفتة ألأنسانية ، بل رؤية سياسية تعكس القلق الخليجي من مرحلة ما بعد عبدالله صالح! وبقليل من المتابعة لما تنشره كل من محطة الجزيرة والعربية وما يصدر من تصريحات عن المسؤولين الخليجيين بإتجاه إيجاد حل ٍ ما لأزمة اليمن ،نلاحظ أن إطالة أمد الأزمة اليمنية هي السمة الواضحة التي تحكم إدارة ألمكينة ألأعلامية الخليجية والغربية على حد سواء ، فكلمة ألأنتقال السلمي للسلطة التي يتم التركيز عليها إعلاميا َ، هي في العرف السياسي كلمة فضفاضة تخفي خلفها كثير من هواجس القلق السياسي الخليجي والغربي معا َ! ولقد عبْرعنها الملك عبدالله ملك العربية السعودية حين قال في معرض خطابه -في الجلسة الافتتاحية للقمة الثانية والثلاثين لمجلس التعاون الخليجي- “لا شك أنكم جميعا تعلمون بأننا مستهدفون في أمننا واستقرارنا ،لذلك نطلب منكم اليوم أن نتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد”.

لذلك تسعى دول الخليج العربي إلى ضبط مصدر القلق القادم من اليمن الذي كان يوما ً سعيدا ً! وإلى تسوية توفيقية تبقي اليمن ضمن سياسة التبعية التي سلكها علي عبدالله صالح طيلة ألأربعة عقود .

هل ستنجح المحاولات الخليجية في تحقيق ذلك ؟

الدلائل تقول أن اليمن تحكمه ثلاث مراكز فاعلة وهي الثقافة القبلية والثقافة الطائفية والثقافة السياسية . ولكل ثقافة من هذه الثقافات قراءتها الخاصة المتعلقة في ما يدور من أحداث داخل اليمن !

— الثقافة القبلية لها قوانينها التي تُخضع الوطن لمفهومها القبلي وليس العكس ! ومن يريد أن يحكم اليمن عليه أن يحصل على دعم القبائل الكبيرة والكثيرة في تثبيت سلطته ، وإلا فاليمن قابل ٌ لأن يغرق في حرب قبلية لا تهدأ قبل أن يتفشى داء القبلية في ربوع الجزيرة العربية ليصنع منها دويلات قبلية ، حيث فخوذ قبائل اليمن وبطونها تمتد إلى ما بعد حدود اليمن متداخلة في التركيبة الأجتماعية لدول الخليج العربي وخاصة المملكة العربية السعودية ، وهو مبعث القلق لدى حُكام آل سعود وعموم الخليج العربي!

— الثقافة الطائفية هي كذلك لها فروعها المتشابكة داخل المجتمع الخليجي بالأضافة إلى أنها رؤية دينية مُتجذرة تحمل في طيّاتها الفكرية خطر تفتيت الوطن أثر الخطر التي تحمله الثقافة القبلية ! إنها نزعة دينية تغضع لحسابات طائفية تغذيها إنتماءات خارجية تعمل على تقليس مفهوم قدسية الوطن داخل العقول ! وإن الوعي الثقافي المتوازن هو وحده القادر على إنتشال الوطن من هاوية هذا الأنحدار الطائفي .. ولست أرى في اليمن أو في الخليج العربي عموما من يدفع بهذا ألأتجاه !.

— الثقافة السياسية هي أزمة أفرزها ترهل حكم علي عبدالله صالح فوجد تنظيم القاعدة أرض اليمن مكانا جيدا لأعادة تنظيم صفوفه بعد أن ضاق عليه الخناق في باكستان وفغانستان ، وتنظيم القاعدة هذا يملك سياسة إلغاء الآخر بأي وسيلة وبأي ثمن ، وبصورة أخرى : هم وسياسة الرئيس ألأمريكي السابق جورج بوش يؤمنون بنفس نظرية التعامل وهي : : من لم يكن معي فهو ضدي ! ثم هناك العداء المتأصل بين الشمال والجنوب ، والتي خلقتها حرب التوحّد التي خاضها الرئيس عبدالله صالح في سنة 1994م ضد حكم الشيوعيين في اليمن الجنوبي مدعوما من حُكام الخليج والغرب ، والتي أسقرت عن ضم جنوب اليمن إلى شماله . وهي أزمة قابلة للأشتعال عند أول إشارة داخلية أو خارجية ، أضف إلى ذلك ما سببته أزمة الصراع على السلطة الحاصلة في اليمن ألآن ، كلها مؤشرات تدفع بإتجاه تقسيمات سياسية وجغرافية تطال النسيج الأجتماعي اليمني وقد تمتد لتفعل فعلتها في تفسّخ المجتمع الخليجي ككل ! من هنا فإن إضعاف الرئيس علي عبدالله صالح من وجهة النظر الخليجية أو ألأطاحة به هو مؤشر قوي لأحداث مجموعة من ألأنقسامات داخل اليمن لن تقف عند حدود إنقسام الجنوب عن شماله ، بل مُرشحة لتطال أمن وإستقرار منطقة الخليج العربي بأسرها !

وما بين هذه االثقافات القبلية الطائفية والسياسية .. وبين رغبة التغيير التي يقودها الغرب ويمارسها إعلام الخليج العربي من أجل خلق شرق أوسط جديد ترتسم ملامح الحيطة والحذر من تسونامي يمني قادم لا تقف حدوده موجاته إلا بعد أن تضرب المدن والقرى الخليجية القريبة منها والبعيدة! إنه القلق سيّد الموقف ،إنه تسونامي .. الجميع في الخليج العربي يسعوا لأبقائه نائما ً من خلال دفع السياسة الخليجية للعمل على إبقاء الرئيس اليمني، والترويج ألأعلامي عبر محطة الجزيرة والعربية لأتباع سياسة توفيقية تدفع بإنتقال السلطة عن طريق الحوار السياسي السلمي بين ألأطراف ، وهو ما لم نشهده في تعامل هذه الوسائل الأعلامية مع ألأزمة الليبية أو ألأزمة السورية القائمة ألآن والتي تتسم بالطابع التحريضي المباشر! بدون أدنى إعتبار لوطن يُدمّر وأرواح تزهق يوميا ً!!.

يبقى أن نقول ، أن إيجابية ما يُسمّى بالربيع العربي الوحيدة ( سواء كان مُخطط أم جاءت نتيجة فرز ألأحداث ) تكمن في أن القاصي والداني أدرك حتمية ألأصلاح السياسي والأجتماعي في الحرية والعادالة والديمقراطية . وأن القناعات أصبحت متوفرة لدى الجميع الحاكم والمحكوم ، والفرصة مواتية لأحداث ما يرجوه كل مواطن من إصلاحات تعكس على الوطن إزدهاره المنتظر! لكن المؤسف والمحزن أن هذا ألأدراك الجماعي يتناقض بشكل سافر وواضح مع السياسات الأعلامية التحرضية المُتبعة حاليا ً والتي تسعى لتطبيق أجندة شرق أوسطية خارجية مبنية على ما نراه الآن! فإما أن تكون منتصرا أو مهزوم ، وإما قاتلا ُ أو مقتول ! وفي كلتا الحالتين الخاسرون هم : ديمقراطية الوطن وتماسكه ، وحرية المواطن وأمنه وإستقراره .. ، أضف إلى ذلك إستمرار سياسة التبعية التي تمنع عجلة التقدم من الدوران .. بالأضافة إلى أنها ستعيد صياغة حكم الدكتاتوريات تحت مُسميات مختلفة !!

وفي الختام يبقى أن نتساءل إن كان هناك وقت لا يزال يسمح لأنقاذ الجميع من السياسة التسونامية التي ينتهجها البعض!

ولست أدري إن كنا ( في ألأساس ) مؤهلين لنمارس هذا الدور الحضاري في تجنيب الوطن والمواطن ويلات دمار ألأوطان وإخضاعها للرهانات الخارجية !

الشهور القادمة كفلية بكشفت مدى ما نستحقه من حياة !

ولنا لقاء أبورياض