الشتات الفلسطيني

قضية الأسرى بين مطرقة السجان وسندان تجاهل أوسلو

في السابع عشر من نيسان من كل عام يحيي الشعب الفلسطيني بكل مكوناته ونخبه يوم الأسير الفلسطيني. وهو اليوم الذي أفرج فيه عن أول أسير فلسطيني يقع في الأسر الصهيوني وهو المناضل محمود بكر حجازي عام 1974. وفي هذا العام يكتسب يوم الأسير الفلسطيني أهمية استثنائية في ظلّ:

1 ـ ازدياد منسوب الإجراءات والممارسات غير المسبوقة التي تتخذها سلطات الاحتلال الصهيوني بحق الأسرى من:

{ الاعتقال الإداري المفتوح زمنياً حيث يوجد 3000 فلسطيني قيد الاعتقال الإداري من دون محاكمات.

{ العزل الانفرادي وسياسة التعذيب الجسدي والنفسي التي راح ضحيتها الشهيد عرفات جرادات وغيره نموذجاً، اللجوء إلى تدمير العديد من منازل الأسرى وذويهم واعتقال البعض منهم.

{ منع تقديم العلاجات اللازمة لـ 1000 أسير تتحم بأجسادهم الأمراض المزمنة وقد سقط منهم 180 وليس آخرهم الشهيد ميسرة أبو حمدية.

{ منع الزيارات لذوي ما يقارب الـ 2000 أسير وخاصة ذوي أسرى قطاع غزة.

{ اغتيال ما يزيد عن 110 أسير محرَّر.

{ تجديد حالات الاعتقال للأسرى المفرج عنهم أمثال الأسير البطل سامر العيساوي المضرب عن الطعام منذ ما يزيد عن مئتين وستين يوماً.

{ فرض المعايير والمقاييس العنصرية ضد الأسرى القاضية برفض الإفراج عن الملطخة أيديهم بدماء المستوطنين.

2 ـ حالة الإحباط التي تسود ذوي الأسرى والتي وصلت إلى درجة اليأس من وجود حل لقضية أبنائهم والذين بلغ عددهم ما يزيد عن خمسة آلاف أسير في سجون الاحتلال.

إضافةً إلى حالة الإحباط التي ليس مردّها فقط تعنت الاحتلال ورفضه الإفراج عن هؤلاء الأسرى بل يتعداه اتهام السلطة وتقاعسها في قضية الأسرى ليس الآن بل ومنذ التوقيع على اتفاقات «أوسلو» عام 1993 وخلو عناوين ما سمي بمفاوضات الحل النهائي حيث تم تجاهل هذه القضية الحساسة والحيوية للشعب الفلسطيني، الأمر الذي أتاح للاحتلال الصهيوني استغلال ذلك إلى أقصى درجات الاستغلال لأن ذلك بمثابة طوق النجاة الذي يحميه من المساءلة بسبب غياب نص صريح وواضح حول إطلاق سراح الأسرى في هذه الاتفاقية ما جعل من قضيتهم موضع ابتزاز وضغط ومساومة سياسية وفرض للشروط على الجانب الفلسطيني.

وعلى الرغم من أن البند «14» من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية يحتم «أن تكون المرافعة علنية وعادلة من قبل محكمة مستقلة ومحايدة بموجب القانون».

فإن تقاعس السلطة الفلسطينية وإهمالها هذه القضية من خلال التخلي عن إدراج قضيتهم خلال اتفاقية «أوسلو» والسنوات التي تلتها قد أتاحت الفرصة أيضاً للمجتمع الدولي للتهرب من مسؤولياته ـ «وهي موضع شك وتشكيك لأنه يحابي الكيان الصهيوني» ـ من محاسبة الكيان على جرائمه وانتهاكاته الممنهجة للقانون الإنساني الدولي، حيث شكل ذلك حصانة لسياسات العدو الصهيوني وممارساته ضد الشعب الفلسطيني.

وقد حاول البعض الإيهام بأن هذه «اتفاقات أوسلو» تكتسب الصفة الدولية وبذلك قضية الأسرى مشمولة ضمناً وإن غاب النص الحرفي والصريح عنها (هناك ما يزيد عن مئتي مناضل أسير لا يزالون رهن السجون الصهيونية منذ ما قبل التوقيع على «اتفاقات أوسلو»). ويغيب عن بال هؤلاء الذين يحاولون التبرير لأنفسهم هذا التقاعس عن هذه الاتفاقات وإن كانت الرعاية لها أميركية ولكنها من خارج الرعاية الأممية وقراريها الشهيرين (242 و383).

إن جميع المحاولات والجهود المبينة على أساس الحلول والاتفاقات والمفاوضات والتي من شأنها أن تصل بقضية الأسرى إلى خواتيمها الإيجابية قد ثبت بالدليل القاطع بؤس هذه المحاولات والجهود المستندة لما سبق ليس لأن السلطة الفلسطينية ومفاوضيها متحللون من النوايا الصادقة لإنهاء معاناة هؤلاء الأسرى وأسرهم ومن خلفهم الشعب الفلسطيني. بل مرده أن حكومات الاحتلال الصهيوني لا تعير أي اهتمام أو وزن للمجتمع الدولي بمؤسساته وهيئاته ومن خلفها جامعة الدول العربية والتي هي أصلاً منشغلة هذه الأيام خارج مهامها عبر إضفاء صبغة المشروعية للمتدخلين في الأحداث الكبرى التي تشهدها المنطقة وتحديداً في سورية. وعليه فهو أي الكيان الصهيوني يدير الظهر تماماً للسلطة والتي يدين هذا الكيان لها منعها وبكل الحزم اندلاع الانتفاضة الثالثة وعلى نطاق شمولي، مع استمرار التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال ورهاناتها على المفاوضات العقيمة والعبثية.

وفي المقلب الآخر فإن كل التجارب السابقة في التعاطي مع قضية الأسرى من خلال العمل المقاوم وأسر جنود للاحتلال الصهيوني داخل الوطن ومن قبله خارج الوطن لإرغام هذا العدو في الإفراج عن أسرانا قد أثبتت جدواها ونجاعتها ولا بد من تفعيل هذا السياق لأنه المعبر والممر لإنهاء معاناة أسرانا. والشواهد كثيرة في هذا السياق المقاوم، فقد نجحت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة مرتين في فرض شروطها على العدو في إطلاق سراح أسرانا ففي آذار عام 1979 كانت عملية النورس التي تحرّر بموجبها 76 أسيراً، وفي أيار عام 1985 كانت عملية الجليل التي تحرّر بموجبها 1150 أسير. وهكذا فعلت حركتي فتح وحماس وحزب الله.

أخيرا وليس آخراًً، إن قضية الأسرى لا بد أن تكون في أولويات الاهتمام الفلسطيني في مستوياته الرسمية والشعبية من خلال بلورة رؤية موحدة إزاء هذه القضية الوطنية بامتياز والتي باتت تؤرق كل الشعب الفلسطيني الذي يخاف على مصير أبنائه في ظل عدم اكتراث المجتمع الدولي بأكثر من خمسة آلاف أسير بينما قامت الدنيا ولم تقعد خلال أسر المقاومة للجندي الصهيوني شاليط. وما يزيد من هذه المخاوف هو استمرار الانقسام الفلسطيني وعدم انجاز المصالحة الوطنية بين الفصائل.

وفوق كل ذلك تأتي أحداث المنطقة الهادفة إلى إحداث تغييرات أبعد من التغييرات السياسية لتتجاوزها إلى تغييرات في دول المنطقة وتقسيمها على أساس عرقي وطائفي ومذهبي واثني يكون الكيان فيها القائد الإقليمي وتكون القضية الفلسطينية برمتها من أولى ضحايا هذه المتغيرات والأحداث .

رامز مصطفى عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية -القيادة العامة- ومسؤولها في لبنان

مقالات ذات صلة