المقالات

إنتفاضة أم قيامة..؟ وطنية أم عالمية..؟

إنتفاضة أم قيامة..؟ وطنية أم عالمية..؟

عمر شحادة مدير “مركز الهدف للدراسات

29 أكتوبر, 2015

عولم الفلسطينيون كلمة “الانتفاضة” الى الحد الذي قوضت فيه تهمة ما اسماه الاحتلال بالارهاب الفلسطيني، وأحلت مكانه حينما يسمعها الانسان او يقرأها بأي أحرف كانت من لغات هذا العالم … صورة النضال الشعبي الفلسطيني والمقاومة المشروعة لجيش الاحتلال ومستوطنيه، وهي كلمة اثيرة على مسامع ابناء الشعب الفلسطيني واشقائهم واصدقائهم، ومنكرة تعني الخيبة وانعدام الحيلة والفشل عند اعداء الشعب الفلسطيني وتثير الرعب عند قادة الاحتلال ومستوطنيهم وجيشهم واجهزتهم الامنية بوصفها شكلا وذروة من ذرى واشكال المقاومة الفلسطينية للاحتلال.

بعد اثنين وعشرين عاما على توقيع اعلان اوسلو الذي تمكنت دولة الاحتلال بفضلة، مقابل “مواعيد عرقوب”من انتزاع اعتراف فلسطيني غير مسبوق بشرعيتها وحقها في الوجود على 87% من فلسطين التاريخية، بات الشعب الفلسطيني وهو ما زال يعيش مرحلة تتسم بطابعها التحرري الوطني والديمقراطي تحت رايات برنامج الاجماع الوطني في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة بعاصمتها القدس، امام حالة من الوهن والانسداد والاحتقان والاحتباس السياسي والامني والاجتماعي والديمقراطي، تُكبل في آن السلطة و الجماهير المتبرمة منها، التي ايدت انتفاضة ثالثة بنسبة 57% فيما ايدها الشباب بنسبة تناهز ثلاثة ارباعهم في آخر استطلاع للراي اجراه مركز ” أوراد” نشر في نهاية الشهر الماضي.

لقد وجد الفلسطينيون انفسهم، وفي الطليعة شبابهم وطلبتهم من ابناء وبنات شعبنا الكادح على امتداد فلسطين التاريخية، في ظل إرهاب دولة عنصرية معلن وصل ذروة التوحش إثر انتخابات الكنيست الاخيرة في آذار الماضي، تديره وحوش حكومة التطرف اليميني والديني برئاسة بنيامين نتنياهو ومستوطنيها المنفلتين من عقالهم وكل وازع، وجها لوجه امام تحديات ومرحلة جديدة في تجسيد ما يسمى الدولة اليهودية بعاصمتها “القدس الموحدة” بين البحر والنهر.

مرحلة دشنتها آلة القمع والقتل والارهاب الدموي وادواتها القضائية والتشريعية، بدوسها الصارخ على الحقوق المدنية وحقوق الانسان والمواطنة و ضربها عرض الحائط بمعاهدة لاهاي واتفاقيات جنيف والقانون الدولي والانساني، وبالعبور الى طور جديد نوعيا في تهويد النقب والجليل، ومدينة القدس وتغيير طابعها الجغرافي والديمغرافي والقانوني وتقويض مكانتها الفلسطينية، وتقسيم المسجد الاقصى وصولا لغاية بناء الهيكل المزعوم مكانه على ما يسمونه جبل الهيكل، وبالانتقال من سياسة اقامة البؤر الاستيطانية الى إقامة المناطق الاستيطانية اليهودية الممتدة، التي تتحول فيها الاحياء والبلدات والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية الى مجرد بؤر سكانية عربية معزولة، مفتتة البنية الاقتصادية والاجتماعية، وجيوب فقر وعمالة سوداء، يمنّ عليها نتنياهو وعلى مفاوضيه من الفلسطينيين والعرب، بمشروع دولة فلسطينية مزعومة، تعترف بدولته اليهودية وبسطوتها ووصايتها الامنية والاقتصادية.

وإذا كان احراق الفتى المقدسي محمد ابو خضير حيّاً، بمثابة شرارة الانتفاضة التي اندلعت مظاهرها في مدينة القدس المعزولة عن الضفة الغربية ونفوذ وسيطرة السلطة الفلسطينية واجهزتها، وهزت والهبت المشاعر الوطنية والانسانية للفلسطينيين في كل مكان، ووصلت أوجها حين التقت بالمشاعر الدينية إثر دخول مخططات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى حيز التنفيذ، فإن إحراق الرضيع علي دوابشة وعائلته في قرية دوما وما رافقها من غضب شعبي عارم، ترافق مع حراك شعبي انطلق من مخيم الدهيشة وعم الضفة الغربية نصرة للاسرى الاداريين واضرابهم المفتوح عن الطعام، قاد بالمجمل في مطلع اكتوبر/ تشرين اول الجاري الى اشتعال الانتفاضة في مدينة القدس والضفة الغربية بكاملها وانكفاء اجهزة امن السلطة في نهاية المطاف امام المظاهرات التي توجهت الى جامع بلال بن رباح (قبة راحيل) في بيت لحم والى بيت ايل في رام الله وفي باقي المحافظات الشمالية، والى امتداد ألسنة لهيب الانتفاضة الى مناطق ال 48 والقطاع الأشم ودول الطوق وكافة مناطق اللجوء والمنافي.

وهو ما يرشحها موضوعيا، إذا ما تطور العامل الذاتي المدرك لجدل الاحتلال والمقاومة والوحدة، الى الاستمرارية و التحول من انتفاضة لقسم من شعبنا في الضفة والقطاع كما في انتفاضتي الحجر والاقصى، الى قيامة التحرير، قيامة الشعب الفلسطيني برمته وإطلاق مقاومته الشاملة السياسية والاقتصادية والقانونية والانسانية والثقافية والاعلامية في مختلف الميادين المحلية والاقليمية والدولية، على امتداد فلسطين التاريخية وخارجها بمشاركة أبنائه وبناته وفق ظروفهم الموضوعية وإبداعاتهم الذاتية فرديا وجماعيا بكافة وسائل المقاومة المتنوعة الممكنة والمتوفرة والتي بزغ منها قمة البركان الذي يعتمل داخل شعبنا وطغى فيها مؤخرا على ما سواه في القدس وال48 والضفة المتمثل في : الطعن والدهس بوصفه شكلا ظهر عفويا في مجرى المقاومة ويمكن ان يتطور وينتشر ويتعمق من حيث الشكل والمحتوى، فبات وسيلة سريعة الثمار ما من سبيل لوقفها، كسرت شوكة حكومة نتنياهو وأربكتها وتهدد بقسم ظهرها وادخلت جبهة الاحتلال الداخلية في ازمة جديدة ومستعصية بعد أزمة الحرب الاخيرة على غزة، وبات يحسب لها الف حساب، لانها ظهّرت واعادت الصراع الى المربع الاول ووضعت القيادة الفلسطينية الرسمية امام مفترق طرق حاد وضغط هائل للإفلات من الاوهام ودوامة اوسلو وقيوده وإملائاته وزبائنه، والعودة بها الى نبذ التسويف والتردد و “إشعال النار في الموقد القديم” كي تلحق بقطار الشعب الذي انطلق الى غير عودة، ما ينقل شعار انتفاضة الحجر “الحرية والاستقلال” الى حيز الفعل وارض الواقع وينزعه من عالم المفاوضات الثنائية بالوصاية الامريكية وحل الدولتين الافتراضي.

ولعل قيامة التحرير، هذه القيامة الثورية العظمى، التي تأتي في لحظة يلفظ فيها ما سمي بنظام بوش الدولي الجديد وقطبه الاوحد وشرق اوسطه الكبير، انفاسه الأخيرة وتشهد فيه منطقتنا والعالم تحولات استراتيجية سياسية واجتماعية وجيوسياسية، تتطلب استرتيجية وبنية تنظيمية جديدة موحدة، تؤمن بان مصير شعبنا يتقرر هنا في فلسطين قبل اي مكان آخرعلى ايدي ابنائه، وتقوم على المواجهة الشاملة والمتسقة وطنيا وعربيا ودوليا للفاشية الصهيونية الزاحفة في فلسطين، وتنفيذ اتفاق المصالحة وتفعيل الارادة الوطنية بنَظم عمل الاطار القيادي المؤقت فورا وانهاء الانقسام و بناء نظام سياسي ديمقراطي تشاركي مقاوم نواته مجلس وطني فلسطيني توحيدي جديد، وقيادة وطنية موحدة لشعبنا وانتفاضته نحو هدفها المباشر الواضح والصريح في دحر الاحتلال عن دولة فلسطين وعاصمتها القدس دون قيد او شرط.

عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير

29-10-2015

مقالات ذات صلة