الشتات الفلسطيني

ابتسامة عابرة || طه يونس

ككل صباح؛ كان المخيم يحاول أن ينفض عن كتفيه تعب ليله الثقيل ليعود إلى الحياة مجدداً، واستيقظت أنا مسرعاً، كما العادة، أسابق الزمن للوصول إلى الجامعة على الوقت المحدد.

لهث عند آخر الطريق المؤدي إلى مدخل المخيم، وهناك سمعت بكاء طفل يخترق صمت تشرين، و ينذر بيوم حافل بالمتاعب..اقتصدت في مشيتي قليلاً، وتساءلت عن السبب الذي يبكيه؟ لربما كان يبكي على قلم ملونٍ أضاعه أمام باب روضته، أو لعله نسي مصروف جيبه في المنزل، فهذا أكثر ما يمكن أن يفكر به الأطفال.

اقتربت قليلاً..واستمر الصراخ يتعالى في المكان، شاهدت المعلّمات يجتمعن حول الصبي، ولفتني احمرار وجه أمه وهو يقول “انت ما رح تجبيلنا أواعي العيد، صرت بتكرهينا من لما طلعنا من سوريا”.

أربكتني كلماته التي نزلت على صدر أمه كالصاعقة، وهالتني تلك الصفعة التي تلقاها الولد من أمه على وجهه.. ذلك الصبي الذي أتى من شامه العزيزة إلى لبنان ليكمل بحثه عن ثياب العيد، لأن العيد قد أعلن مسبقاً أنه لن يزور دمشق هذه السنة.

المفارقة أن الصغير وجد أطفال مخيمات لبنان يبحثون عن العيد بجهدٍ أيضاً، و في كثيرٍ من الأحيان دون جدوى، وهكذا ظل الطفل الذي لم أعرف حتى اسمه، تائهاً يسأل عن سبب يبتسم لأجله، متألما من صفعة أمه “الحنونة” !! لكن الأهم من كل ذلك، أن صغيرنا لن ينتظر العيد مجدداً على الأرجح، وهل يدخل العيد على أطفال لا يمكلون ثياباً جديدة؟ سؤال ربما لم يكن ليمر على خاطري، لو لم أرَ مشهد الطفل يرتمي في حضن أمه باكياً يسأل عن العيد، وربما كان أباه شهيداً..أو حتى معتقلاً..ومن يدري! وقبل أن أكمل طريقي إلى الجامعة لفتتني قلادة فلسطين التي يرتديها الصبي على صدره، هو لم يرمها حتى بعد انشغاله بثياب العيد..و بعد أن فُقدت مقومات الصمود ظل هذا البطل الصغير يحمل القلادة، ويحمل في فؤاده المعذّب فلسطين كلها، من نهرها إلى بحرها، كما تقول خارطته المعدنية الصغيرة. ابتسمت له من بعيد فرد عليّ رغم حزنه وألمه بابتسامة عابرة، ولا أعتقد أن ذلك غريباً عليه، فلولا السراب لم يكن ليصمد هذا الشعب، لكنني وددت فعلاً لو أعطيه حرفاً من حروف الأبجدية عربان محبة وتقدير، وها أنا اليوم فوق أوراق الفجر المتعبة، أهب له وللنازحين الفلسطينين من سوريا هذه السطور.

طه يونس- رابطة الإعلاميين الفلسطينيين في لبنان

بيروت 13/10/2013

مقالات ذات صلة