المقالات

الإعلام الفلسطيني في لبنان … استعراض أزمة بانتظار الحلول

الإعلام الفلسطيني في لبنان … استعراض أزمة بانتظار الحلول

عبد معروف

مدير مكتب وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”- بيروت

يلعب الاعلام دورا بارزا في حياة الشعوب في كل مراحل تطورها ، ذلك لأن الإعلام يشكل الشعلة التي تنير درب هذه الشعوب نحو التحرر والتطور والمعرفة وكشف الحقائق وزيف الادعاءات . وللاعلام دور ذو حدين فإما أن يكون سلاحا مخربا في أيدي القوى المعادية والمشبوهة ، وإما أن يكون سلاحا في أيدي قوى التغيير والتقدم المعبرة عن مصالح الشعب في التحرير والعدالة الديمقراطية والاجتماعية.

فالقوى والفصائل السياسية تدخل أبواب نضالها من خلال وسائل الاعلام وتحشد القوى الشعبية من خلال الملصق والمنشور والنشرة والبيانات التحريضية ، وكذلك القوى المعادية فتدخل ميدان الصراع من خلال وسائل اعلامها من أجل ضرب الأفكار والمفاهيم الوطنية وتشويه الصراع من خلال بعض الاعلاميين المحليين ووسائل اعلام مأجورة .

وقد كان الاعلام ميدان صراع بين قوى الثورة الفلسطينية والمعسكر المعادي لمصالح الشعب الفلسطيني منذ انطلاقة حركة”فتح” عام 1965 وحتى الآن ، واستطاعت الحركة أن تستخدم الاعلام والنخب الاعلامية في سبيل حشد طاقات الشعب الفلسطيني والأمة العربية والقوى التقدمية واليسارية في العالم ، وقدمت الحركة والفصائل الفلسطينية الدعم لوسائل الاعلام والرعاية الكاملة للكتاب والصحفيين والشعراء والفنانين ، وشكلت لهم أطر جامعة وإتحادات نقابية في لبنان من أجل وحدتهم وجمع طاقاتهم وتطوير إبداعاتهم مع تصاعد المشروع الوطني الفلسطيني واحتدام الصراع مع الاحتلال من جهة والقوى والنظم المتحالفة معه في بعض الدول العربية من جهة أخرى.

وقد شهدت الحركة الاعلامية الفلسطينية في لبنان خلال سنوات ما قبل الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 نموا ملحوظا وتطورا بارزا ، ولعبت المؤسسات الصحفية والنخب الاعلامية الفلسطينية واللبنانية دورا هاما في مواكبة الحركة النضالية الفلسطينية .

لكن الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 شكل منعطفا خطيرا في تاريخ القضية الفلسطينية ومسار منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها الشعبية ، وكان أبرزها المؤسسات الصحفية والنخب الإعلامية العاملة في وسائل الاعلام الفلسطينية واللبنانية ، وأدى انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان تراجعا بل توقف في الحركة الاعلامية الفلسطينية ، مع هجرة المؤسسات الاعلامية الفلسطينية ومغادرة النخب الثقافية الفلسطينية من كتاب وصحفيين وشعراء بيروت إلى المنافي.

إلا أن الحرب على المخيمات الفلسطينية في لبنان وعودة النشاط الوطني الفلسطيني دفاعا عن تجمعات اللاجئين الفلسطينيين ، ساهمت في حراك إعلامي فلسطيني خجول في ظل غياب الكادر الاعلامي الفلسطيني وعدم القدرة على فتح مؤسسات اعلامية فلسطينية ، وحاولت الجبهتين الشعبية والديمقراطية أن تقدم إعلاما مواكبا لتطورات الأحداث الفلسطينية من خلال مجلة الهدف والحرية من دمشق ونشرات وملاحق محلية كانت توزع بصورة محدودة .

كما أن محاولات متواضعة قامت بها قيادات محلية تابعة لحركة”فتح” في مخيم شاتيلا وكان أبرزها ما قام به الشهيد علي أبو طوق بفتح مكتب إعلامي في شارع الحمرا وسط بيروت ، وإصدار نشرة يومية في منطقة الفوار قرب مستشفى الهمشري في صيدا ، محاولات كان عاجزة عن النهوض بإعلام فلسطيني متقدم وقادر على تحمل مسؤولياته تجاه قضايا الشعب الفلسطيني الوطنية والانسانية.

فالحصار الذي كان مفروضا على المخيمات الفلسطينية وعدم السماح لأي تحرك فلسطيني خلال السنوات التي تلت الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 منعت أي نشاط أو تطور إعلامي فلسطيني في لبنان ، رغم المحاولات المتواضعة ورغم وجود عدد من الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في لبنان .

بعد توقف حرب المخيمات وانفجار انتفاضة الحجارة الأولى عام 1987 ، شهد الاعلام الفلسطيني نموا ملحوظا مع نمو الحركة السياسية الفلسطينية وهامش الحرية الذي بدأت تتمتع به الفصائل الفلسطينية في لبنان ، وتوسع العمل الاعلامي الفلسطيني داخل المخيمات ، وجرت محاولات أيضا لتشكيل الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ، ودخل إلى الميدان الصحفي من هو صحفي ومن هو غير صحفي ، من هو محترف ومن هو من الهواة ، ودخلت وسائل الاعلام الفلسطينية في لبنان ،موظفين بقرار مسؤول ليحمل صفة”صحفي” أو”إعلامي”.

ومع انتشار الانترنيت والمواقع الالكترونية خلال الاعوام الماضية، انتشرت المواقع الالكترونية في الوسط الفلسطيني تحت أسماء مختلفة منها ما كان ناطقا بإسم تنظيم ، ومنها ما كان مدعوما من منظمات أهلية ومدنية .

ورغم كل هذا الضخ والضجيج الاعلامي الفلسطيني في لبنان وتعدد وسائله وارتفاع عدد “الصحفيين” و”الكتاب” بصورة ملفتة وغير مفهومة ، إلا أن هذا الاعلام بقي قاصرا وعاجزا عن مواكبة قضايا الشعب الفلسطيني السياسية والاجتماعية ، خاصة مع تطورات القضية وتصاعد المعاناة المأساوية التي تتعرض لها المخيمات الفلسطينية ، ومع التطورات السياسية التي شهدتها القضية الفلسطينية بعد اتفاق أوسلو:

– لأن وسائل الاعلام الفلسطينية في لبنان ، ناطقة بإسم فصائل متناحرة ومتصارعة في خياراتها السياسية وتعاني من أزمات داخلية ، ما انعكس سلبا عن الميدان الاعلامي وانشغال الاعلام بالصراعات الداخلية على حساب قضايا الشعب والوطن.

– ولأن معظم الذين عملوا في وسائل الاعلام الفلسطينية في لبنان(مع تقديري للصحفيين والاعلاميين المعروفين) كانوا أقل من هواة ،ودخلوا للعمل نتيجة الرغبة أو بناء لقرار مسؤول، فغاب الكادر الاعلامي ، وغاب الاحتراف والدقة والاتقان في العمل وغابت المهنية ، والمميزات التي يتمتع بها الصحفي .

– لأن معظم القيادات المحلية الفلسطينية لم تعي دور الإعلام وأهميته ، وإن كان لديها بعض الاهتمام فإنها وظقته لمصلحتها وصورها وبروزها ، وبالتالي اقتصر معظم الاعلام على خدمة القائد المحلي بعيدا عن الوعي والتحريض والحشد الوطني.

أمام هذا الواقع الفلسطيني في لبنان منذ العام 1982 ، لم يكن هناك إعلاما فلسطينيا (لا وسائل إعلام ولا إعلاميين إلا القلة)على مستوى التطورات والمسؤولية ولا بمستوى قدسية القضية الفلسطينية ولا بمستوى تطوراتها ، وبقي الاعلام والاعلاميين- للأسباب التي ذكرت- عاجزين عن تشكيل أطار يجمعهم ، لأنهم يعلمون أنهم أقل من المستوى وبالتالي إن أي جمع سيكشف العيوب والثغرات ، ذلك لأن معظم الاعلاميين لم يحملوا الصفة إلا بقرار قائد محلي أو بدعم ورعاية قائد محلي .

فتراجع دور الاعلام رغم أهميته ، ولم يمنح الرعاية الكافية من الجهات المعنية ،ولا من النخب الاعلامية ، حتى أن محاولات متواضعة جرت خلال سنوات مضت لتشكيل الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين في لبنان إلا أنها باءت بالفشل ، للأسباب التي ذكرت أيضا ، ولأن الفصائل الفلسطينية لم ترفع يدها عن تلك المحاولات .

فالاعلام الفلسطيني في لبنان ورغم أهميته وتزايد عدد “الاعلاميين ” ووسائل الاعلام ، إلا أنه مازال يعاني من أزمة حادة ليس من المتوقع أن يخرج منها قبل التخلص من أسبابها ، وفي مقدمتها وعي القيادة السياسية لأهمية الإعلام ودوره ، ورعاية الكتاب والصحفيين، والعمل على تأهيل وتدريب ورفع مستوى الهواة من الذين أدخلوا إلى وسائل الاعلام وتشكيل إطار وطني إعلامي ديمقراطي يجمع الاعلاميين على ميثاق شرف هدفه الالتزام بقضايا الشعب والوطن حتى لو بقي الكاتب والصحفي يكتب لفلسطين بالدم أو بلقمة العيش أحيانا .

مقالات ذات صلة