المقالات

رسائل “إسرائيل” للمتحاورين في القاهرة

رسائل “إسرائيل” للمتحاورين في القاهرة

عريب الرنتاوي

تبعث إسرائيل من الرسائل ما يشفُّ عن نيتها عرقلة الاستحقاق الانتخابي الفلسطيني وإخراج قطار المصالحة الوطنية عن سكته..التلويح باستمرار بحجب الأموال عن السلطة (أموال دافعي الضرائب الفلسطينيين)، وحملات الاعتقال التي تكثّفت مؤخراً ضد نشطاء حماس وقادتها، هي الرسائل الأبرز التي يمكن التقاطها في هذا السياق.

ليس لإسرائيل مصلحة في إنهاء الانقسام الفلسطيني، فلطالما وفّر لها “أفضل الذرائع” والمبررات لترويج نظرية “غياب الشريك الفلسطيني”..والمؤكد أن استئناف المصالحة واستعادة الوحدة، لن يهبطا برداً وسلاماً على حكومة اليمين واليمين المتطرف بزعامة نتنياهو..والمؤكد أيضاً، أن تل أبيب ستفعل ما بوسعها لتأبيد هذا الانقسام وتكريسه كمصير نهائي للشعب الفلسطيني..وللأسف فإنها تجد في تفشي النزعات الفصائلية الأنانية، ما يساعدها على تحقيق أغراضها بأقل قدر من العناء والكلفة.

ستعمد إسرائيل إلى وسيلتين لتعطيل الاستحقاق الانتخابي: الأول، الضغط باتجاه منع أطراف فلسطينية من المشاركة في الانتخابات (حماس والجهاد) بحجة أنهما فصيلان إرهابيان..والثاني، بوضع العراقيل التي تحول دون إجراء الانتخابات في القدس تحت ذريعة “العاصمة الأبدية الموحدة”..وفي كلتا الحالتين، لن تكون هناك انتخابات، ولا يجب أن تكون…فالانتخابات يجب أن تتسم بالشمولية، ديموغرافياً (كل الفصائل والتيارات والمكونات السكانية)، وجغرافياً (كل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967).

لم تجر الانتخابات الفلسطينية السابقة خلواً من العراقيل الإسرائيلية، ودائماً تحت ذات الحجج والذرائع، لكن الفلسطينيين مع ذلك، أجروا انتخاباتهم، بل وأجروها بكل حرية وشفافية ونزاهة وشمول..ولا أحسب أنهم عاجزون عن حشد التأييد الدولي للضغط على إسرائيل لوقف عبثها بالاستحقاق الانتخابي، ورفع القيود التي تفرضها على الوحدة والمصالحة.

وثمة مناخات دولية وعربية هذه الأيام، تدعو للاعتقاد بأن كسب هذه المعركة مع الاحتلال سيكون أمراً ممكناً كذلك، إن توفرت النيّة الصلبة للانتخاب والمصالحة والوحدة، وهو أمر يمكن التعرف عليه وتلمسه من خلال رصد وتعقب المواقف الأوروبية، وحتى الأمريكية من مسألة الانتخابات على أقل تقدير، إذ بالرغم من تحفظات كثير من الأطراف الدولية على حماس، إلا أنها لم تمانع في إجراء الانتخابات بمشاركة الحركة من قبل، ولن تمانع في إجرائها وبمشاركة حماس من بعد.

لكن أحداً لا يجوز له أن يختصر مسألة المصالحة والوحدة بالانتخابات..فقد سبق للانتخابات كانت من قبل جزءا من المشكلة بدل أن تكون جزءاً من الحل..فوز حماس تداعى إلى الحسم فانقسام الحكومة والسلطة والجغرافيا الفلسطينية..وليس ثمة ما يؤكد أن فوز الحركة من جديد، سوف ينهي المشكلة..كما أن فوز فتح في الانتخابات، لا يعني أن طريقها إلى قطاع غزة، أو طريق حكومتها وأجهزتها الأمنية إلى قطاع غزة، قد بات سالكاً..المصالحة بحاجة لما هو أبعد وأعمق من مجرد إجراء الانتخابات.

وحتى بفرض أن الفصيلين الرئيسين نجحا في التغلب على العوائق الإسرائيلية، وتواضعا على احترام نتائج صناديق الاقتراع وتعاهدا على احترامها، فليس ثمة ما يؤكد أن “اتفاق الجنتلمان” هذا سيطبق على الأرض، كما ليس هناك ما يدعو لليقين بأنهما سيكونان قادرين على الوفاء بتعهداتهما على الأرض، وعلى حساب منظومة المصالح الانتهازية والأنانية المتناقضة على ضفتي الانقسام الفلسطيني، والتي تغذي هذا الانقسام وتطيل أمده، وتحول دون تجاوزه.

مثل هذا الحال، يملي في واقع الأمر، إعادة نظر جذرية في منهجية الحوار الوطني المعتمدة هذه الأيام..فلا يكفي تنظيم لقاءات إجرائية متباعدة لقادة الفصائل تمتد لبضع ساعات فقط، لتذليل العقبات والعوائق الأهم التي تعترض المصالحة، وقد بات يتعين “مأسسة” الحوار لخلق فهم مشترك، أعمق وأدق، بين مختلف المكونات الفلسطينية للتحديات التي تجابه العمل الفلسطيني واستراتيجيات مواجهة المرحلة المقبلة، وبشكل خاص، كيفية الرد على المحاولات الإسرائيلية للإطاحة بالانتخابات والمصالحة والحقوق والقضية.

الدستور، عمّان، 15/2/2013

مقالات ذات صلة