المقالات

في انتظار المواجهة القادمة

في انتظار المواجهة القادمة

رجب أبو سرية

كل الدلائل تشير إلى أن فصلاً من المواجهة ينتظر الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد إجراء الانتخابات الإسرائيلية القادمة، وبعد تشكيل الحكومة الجديدة التي ستسفر عنها تلك الانتخابات، وستبدأ المعركة على الأغلب حول كيفية إجراء المفاوضات لتجنّب اندلاع المواجهة ميدانياً، بعد أن تمر فترة عض الأصابع الحالية، التي وصلت ذروتها بإقدام إسرائيل على حجز أموال السلطة، وشل قدرتها على دفع رواتب الموظفين، التي ترافقت مع حديث نتنياهو / ليبرمان الانتخابي عن انهيار وشيك للسلطة، والسعي إلى دفع “كرة النار” الناجمة عن الضغط على الضفة الغربية، إلى السلطة بدلاً من إسرائيل.

كل الأمور العالقة مؤجلة كما قلنا مراراً، ارتباطاً بتوقيتات عديدة، لها صلة بالملف الفلسطيني، فما أن ينتهي هذا الشهر، حتى يكون الرئيس الأميركي باراك أوباما قد تولى رسمياً سلطات ولايته الثانية، وانتهى من تشكيل طاقمه الحكومي الجديد، حيث يحتاج وزير الخارجية الجديد جون كيري إلى الإحاطة بالملف الذي كان في عهدة هيلاري كلينتون، ليبدأ اتصالاته وجولاته في المنطقة وإعادة ترتيب أوراقه، كما أن الانتخابات الإسرائيلية تكون قد جرت، وتحددت بالتالي طبيعة المعادلة السياسية الداخلية الإسرائيلية، وظهرت إلى العيان حدود وإطار الحركة السياسية الإسرائيلية.

كما يمكن أن يكون الملف السوري قد وصل إلى شكل ما من الحسم، أو من حدود السيطرة، حتى تعرف الأطراف المقررة، خاصة على الصعيد الدولي المدى الذي يمكن لها أن تذهب إليه في المسار الفلسطيني / الإسرائيلي، وحتى الفلسطينيون بحاجة إلى هذا الوقت، حتى يحددوا الصورة التي سيكونون عليها، من التوافق أو الاختلاف الذي قد يصل إلى حد إنهاء الانقسام، وبالتالي، يبدو أن الجميع، ينتظر أن تمر بضعة أسابيع للانتهاء من كل هذه الترتيبات، حتى يمكن القول إن إعادة ترتيب للعلاقة القائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين يمكن أن تكون ممكنة.

من الواضح أن حالة من التأزم بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد نشأت خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، حيث توقفت المفاوضات، بعد أن وصل فصل طويل منها إلى نهاية الطريق، وتوقفت أمام الاستحقاق الواجب بتحديد الشكل النهائي للأراضي المحتلة في الضفة الغربية والقدس، حيث سعت إسرائيل ومنذ اتفاق (أوسلو) إلى أن يتحول المؤقت إلى دائم، أي أن تبقى السلطة سلطة محدودة الصلاحيات، سلطة حكم ذاتي، على المناطق المأهولة بالسكان، المسماة المناطق ( أ )، فيما كافح الفلسطينيون من أجل أن تتحول السلطة إلى دولة، وخلال سنوات التوقف عن التفاوض، لجأ الفلسطينيون إلى بدائل ـ بعد أن تشبثوا بعدم الاستمرار في مفاوضات لا تنتهي ـ من شأنها الإصرار على الدولة ومغادرة مربع السلطة، لذا أوشك الوضع على الانفجار، ووصل التأزم ذروته حين اقترب موعد الذهاب للأمم المتحدة، حين شنت إسرائيل حربها الثانية على غزة، وكادت تندلع بسببها انتفاضة ثالثة ضدها في الضفة الغربية.

المقترح الأوروبي وحديث جلالة الملك عبد الله الثاني عن مبادرة أوروبية وعن وجود فرصة للسلام، يعني أن هناك تحريكاً قادماً لهذا الملف، والمقترح الأوروبي يلبي المطالب الفلسطينية، التي أعلنت جاهزيتها للتفاوض بعد أن ظفرت بعضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، من حيث حديثها عن سقف زمني للتفاوض ينتهي خلال العام الحالي، 2013، وإن كانت لا تقول صراحة إن التفاوض ينحصر في إنهاء الاحتلال عن الأراضي المحتلة من الرابع من حزيران عام 67، إلا أنها تشير إلى إقامة دولة فلسطينية، عاصمتها القدس الشرقية، على تلك الحدود، مع تبادل للأراضي يتفق عليه الطرفان.

المعركة إذن ستنشأ على الإطار التفاوضي، ولذا فإن إسرائيل تسابق الزمن لفرض حقائق الأمر الواقع من خلال الخطة الاستيطانية (أي – 1)، لكن الجانب الفلسطيني مسلح هذه المرة بالقرار الأممي، وربما يكون أقوى في حال أعلن إنهاء الانقسام، حيث ربما تتطور الأمور مع إنهاء الانقسام إلى أن تلجأ الدولة الفلسطينية ـ إن لم تنطلق مفاوضات جدية ـ إلى التحكيم الدولي، كما حدث مع مصر حول طابا، مع ضغط ميداني جماهيري، كما حدث في باب الشمس، لبسط سيادة الدولة على حدودها المعروفة الآن دولياً، والانتهاء من معالجة هذا الملف، حتى ينفتح باب الاستقرار لعموم المنطقة، ولكن كل هذا منوط بالقدرة على احتواء حكومة إسرائيلية يمينية قادمة، ستكون قريبة جداً من الحكومة الحالية، وذلك باستخدام كل الأدوات الممكنة، الضغط الميداني الفلسطيني، المعارضة الداخلية الإسرائيلية، الموقف العربي، ومن ثم الدولي، حتى يمكن تحقيق الحل الوسط التاريخي، بمشاركة كل القوى الفعالة، خاصة على الجانبين: الإسرائيلي، حيث يكون الحل مع اليمين قابلاً للحياة، كما حدث مع كامب ديفيد، والفلسطيني، حين تكون حماس وفتح معاً ضمن حكومة واحدة.

الأيام، رام الله، 15/1/2013

مقالات ذات صلة