شؤون فلسطينية

د. يوسف جبارين || قرار المحكمة الدولية إنجاز مهم في مساعي إنهاء الحرب ونحو إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني

أكّد استاذ القانون والنائب السابق في القائمة العربية المشتركة، د. يوسف جبارين، في تعقيبه حول قرار محكمة العدل الدولية بشأن الحرب على غزة ان قرار المحكمة الدولية هو “إنجاز مهم في مساعي إنهاء الحرب وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني.”

وقال جبارين: “في القراءة القانونية، فلا شك أنّ قرار المحكمة يشكّل إنجازًا هامًا للدعوى الجنوب افريقيّة، إذ قبلت المحكمة بإنفاذ صلاحياتها القضائيّة الدّوليّة ضدّ إسرائيل وحربها على غزّة في سياق العقد الدّولي لمنع ومعاقبة الإبادة الجماعيّة، كما وقرّرت أيضًا إصدار أوامر احترازيّة تهدف إلى حماية المدنيين الفلسطينيين، بالإضافة إلى القرار القاضي بمحاسبة التّصريحات الّتي صدرت عن مسؤولين اسرائيليين والّتي تضرب بعرض الحائط معايير القانون الدولي الانساني. بعد هذا القرار، فإنّ واجب إسرائيل القانونيّ بالامتناع عن المسّ بالمدنيين واتخاذ كلّ الإجراءات لإنهاء معاناتهم أصبح محكومًا لقرار خاص وعينيّ من المحكمة الدّوليّة، وليس فقط لالتزام عام بحسب وثيقة الإبادة الجماعيّة”.

وأضاف: “وثمة اهمية خاصة للأمر التنفيذي الذي تبنته المحكمة والذي يلزم الطرف الاسرائيلي بتقديم تقرير شمولي بعد شهر حول الاجراءات التي ستتخذها تمشيًا مع قرار المحكمة، اذ يؤكد مثل هذا الأمر القضائي على ان المحكمة عازمة على المضي قدمًا في متابعة تنفيذ قراراتها وتقييم التطورات الميدانية مجددًا خلال فترة محدودة”.

وتطرق جبارين الى حضور السردية الفلسطينية في قرار المحكمة، قائلًا: “لقد سبق قرارات المحكمة الاحترازية تأكيد المحكمة في بداية قرار الحكم المرحلي على السردية الفلسطينية كما عرضها الجانب الجنوب افريقي حول ما يعانيه المدنيون الفلسطينيون من ظروف الجوع والنزوح والتهجير وفقدان مقوّمات اساسية للحياة جراء القصف الاسرائيلي والتدمير اللاحق بالعمران وبالبنى التحتية، حيث جاءت هذه السردية مدعومة من الاختصاصيين الحقوقيين في الامم المتحدة وعلى السنتهم، بما في ذلك مواقف امينها العام الموثقة في التقارير الاممية. هذه الاشارة الى مواقف المؤسسة الدولية التي تتبع لها المحكمة تعيد الاعتبار الى اهمية الوظائف الدولية التي اقامتها الامم المتحدة واهمية مواقفها وتقاريرها وتوثيقها للوقائع والاحداث كعناوين مهنية (وانسانية) من الدرجة الأولى في السياق القضائي ايضا”.

وأضاف: “بهذا المفهوم، فان قرار المحكمة يعزز على الصعيد الدولي مبدأ المقاضاة الدولية والمسؤولية الاممية عن حماية معايير قانون حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني. ويحمل هذا الجانب حول مكانة المحكمة اهمية خاصة في ايامنا في ظل ما يشهده العالم في العقد الأخير، وخصوصًا خلال فترة رئاسة ترامب للادارة الامريكية، من تراجع مواقف الانظمة السياسية المسيطرة دوليًا عن دعم المنظومة القضائية الدولية، واحيانًا لدرجة معاداتها”.

ويرى جبارين ان قرار محكمة العدل “يعزز ايضا مكانة المؤسسات الدولية الحقوقية عمومًا ويقوّي من مكانة المعايير الاممية الانسانية التي تنص عليها المواثيق الناظمة للقانون الدولي. في الصراع بين المبادىء الانسانية للقانون الدولي وبين هيمنة القوى السياسية المتنفذة، سجّل القانون الدولي نقاطًا لصالحه في هذه الجولة في لاهاي”.

وحول اسقاطات القرار على هيئات قضائية وحقوقية دولية اخرى، قال: “من الاهمية بمكان قراءة قرار المحكمة ضمن السياق الدولي الاوسع للنظام الدولي الذي يسعى لفرض معايير قانون حقوق الانسان الدولي من خلال مسارات وامكانيات قضائية متوازية، وخاصة تلك المتعلقة بمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي وفي صلب اختصاصها مساءلة ومحاسبة قيادات سياسية وعسكرية على اساس فردي، وكذلك المحاكم المحلية في العديد من الدول الاوروبية التي تشمل منظومتها القضائية على صلاحيات مساءلة ومحاسبة انتهاكات القانون الدولي الانساني ضمن قوانينها المحلية”.

وفي ختام حديثه اشار جبارين الى اهمية ربط القرار الجديد بقرار المحكمة من العام 2004 حول عدم قانونية جدار الفصل العنصري، قائلًا: “في سياق قرارات محكمة العدل الدولية، فان النظر الى قرارها المرحلي هذا حول الحرب على غزة يجب ان يكون مرتبطًا بقرار المحكمة الاستشاري قبل 20 عامًا حول جدار الفصل العنصري في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. لقد اقرّ هذا القرار في العام 2004 بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره واقامة دولته المستقلة في الضفة الغربية والقدس وغزة، وذلك بما يتماشى مع قرارات المؤسسات الدولية وبحسب معايير القانون الدولي والنصوص العديدة حول حلّ الصراعات وحقوق الشعوب.
ويبقى الاساس هو الجمع بين هذين القرارين نحو تنفيذ شامل للقرار الأخير على ارض الواقع من خلال ايقاف الحرب، والانطلاق مباشرة ضمن مبادرة دولية لتنفيذ القرار الاول من خلال احقاق حق الشعب الفلسطيني باقامة دولته ذات السيادة وعاصمتها القدس.”

مقالات ذات صلة