الشتات الفلسطيني

مناقشة كتابين للدكتور فايز رشيد في دار الندوة – بيروت

مناقشة كتابين للدكتور فايز رشيد في دار الندوة – بيروت

* بشور: نحن أمام كتب في كتاب

* حبش: رحلة رشيد في روايته عودة إلى بلدان بعد 25 سنة على سقوط الاتحاد السوفياتي

التقى في دار الندوة حشدٌ من الشخصيات اللبنانية والفكرية والعربية حول مناقشة كتابين للكاتب الدكتور فايز رشيد، أولهما “إضاءات فكرية وسياسية، في الواقع القاتم”، والثاني رواية “أفول”.

قدّم المتحدثين عضو مجلس إدارة دار الندوة الدكتور هاني سليمان فقال: باسم دار الندوة أرحب بكم أجمل ترحيب، أن هذه الدار الباحثة بالسراج والفتيلة عن لآليء خبيئة في أرض العرب، تعثر بين الحين والآخر على كنوز معرفية ترصّع الفكر العربي وتعطيه البريق الجاذب.

وإذا كانت قيمة الكنز الطبيعي تكمن بيقظة الحارس عليه، خوفاً من السرقة أو التبديد، فإن كنوز الدكتور فايز رشيد النضالية والسياسية والفكرية والأدبية وخاصة على مستوى الرواية العربية، هي من الصنف الذي يوجب علينا نشره وإطلاقه وجعله في متناول العامة.

إسكندر حبش

الروائي والناقد اسكندر حبش قال في مداخلته: لا أعرف إن كان سبب كلمة رواية الموضوعة على الغلاف، يعود إلى الكاتب فايز رشيد أم إلى الناشر، إذ أن الرواية اليوم، تشكل جواز مرور إلى القارئ، بمعنى أن الجميع يجدون أنها أصبحت حالياً ديوان العرب المعاصر، فلها الجوائز والندوات والنشاطات، الخ… لا بأس بذلك كله، إذ للرواية حق بأن تكون موجودة وحاضرة في ثقافتنا العربية المعاصرة، وأن نفسح لها المجال، بعد أن كان الشعر يشكّل الرافعة الأساسية لهذه الثقافة.

وقال حبش: أن رحلة فايز رشيد في “أفول” كانت إلى ثلاثة أماكن: أوكرانيا، وبيلاروسيا، وروسيا، وهي رحلة لها تبريرها الخاص، أي أن يعود ويكتشف هذه البلاد بعد 25 سنة من “سقوط تجربة الاتحاد السوفياتي”، هذا التبرير، يشكّل بدوره غاية بحد ذاته، وهي غاية مزدوجة: الأولى استعادة تجارب شخصية ولقاء أصدقاء، والبحث – ربما – عن شباب ضائع وعن أحلام تركها هناك بعد عودته من دراسة الطب في تلك البلاد، الغاية الثانية أن يشاهد ويرى ويسمع ويبحث عن خفايا السياسة التي تحولت جذرياً خلال هذه السنين الطويلة، وكأن عاماً آخر حلّ محله.

وختم قائلاً: من هنا، ربما علينا أن نتخيل فايز رشيد سعيداً بهذه الرحلة، على الرغم من أنه في كتابه هذا أشبه بسيزيف الذي كان يحمل الصخرة فوق ظهره، ويصعد بها إلى قمة الجبل، ففي كل مرة تتدحرج فيها من الأعلى، كان يهبط إلى اليابسة ليعيد حملها من جديد. بالتأكيد لم تتخيل الأساطير الإغريقية، الشرط الفلسطيني المعاصر، لكن لا بأس من الإسقاطات. ليس الأدب في نهاية المطاف، سوى هذه الإسقاطات العديدة التي نتماثل معها.

عاد فايز رشيد من رحلته، بانتظار رحلته الكبرى… العودة إلى فلسطين…

بشور

الأستاذ معن بشور الرئيس المؤسس لمنتدى القومي العربي بدأ مداخلته بالإشارة إلى انك في كتاب إضاءات فكرية وسياسية في الواقع القاتم أمام كتب في كتاب، وخليط متنوع من مقالات ودراسات وتعليقات، يربطها في النهاية همّ واحد هو التحرير والتغيير، وينساب بينها خيط وحيد هو خيط الالتزام بقضية هي الأعدل في عصرنا المعاصر، وبأمّة هي الأكثر تعرضاً للظلم والعدوان من أمم هذا الزمان…

وأضاف بشور: ومن الطبيعي أن يبدأ كتاب للدكتور فايز رشيد بفلسطين، وهو ابن قلقيلية الصامدة على كل خطوط النار، قبل الاحتلال وبعده، وخريج سجون الاحتلال قبل أن يكون خريج جامعات روسيا وبلاروسيا، بل هو المناضل الذي حمل قضية شعبه منذ تفتح وعيه الوطني والقومي قبل عقود، ومن الطبيعي أيضاً أن تبدأ فلسطينياته بهوايته المفضلة على ما يبدو وهي مطاردة أكاذيب الصهاينة، كما في كتابه الذي ناقشناه قبل عامين في “دار الندوة” حول “تزوير التاريخ”.

وقال بشور: وفي مطاردته للأكاذيب الصهيونية، وآخرها الادعاء بان المستوطنات اليهودية قديمة في فلسطين عبر وثيقة صهيونية الزمت وزارة الخارجية الإسرائيلية كافة ممثليها في الخارج على عرضها لكي تثبت “شرعية وقانونية المستوطنات”، ويعرض الكيان الصهيوني من خلالها “موقفاً إيجابياً حاسماً وصلباً تجاه قضية المستوطنات”، بدلاً من الخط الدفاعي الذي تبنته الحكومات الإسرائيلية طيلة السنوات الماضية.

الوثيقة – حسب الكاتب – بادرت إليها نائب وزير الخارجية الإسرائيلية تسفي حطبولي وبإشراف نتنياهو نفسه، تتحدث عن مستوطنات معينة خاصة في يهودا والسامرة وتحديداً في شمال الضفة الغربية، كما في شمال القدس وشمال البحر الميت.

وكعادته لم يلجأ الدكتور رشيد إلى وثائق عربية، ومؤرخين عرب لتفنيد هذه الادعاءات، بل إلى مؤرخين عالميين كارنولد تويني الذي نفى وجود أي حق لليهود في فلسطين، ولعلماء آثار نفوا وجود أثر يهودي واحد في كل فلسطين، بما في ذلك القدس، بمن فيهم “أبو” الآثار الإسرائيلي إسرائيل فلنكشتاين”، وزميله المحاضر في جامعة تل أبيب رفائيل جرينبرغ، والبروفسور بوتي فرحي، بالإضافة إلى علماء الآثار والتاريخ العالميين كاتلين كينون وبيتر جيمس توماس طومسون، ناهيك عن شلومو ساند الكاتب الإسرائيلي الذي قال: “إن الصهيونية اخترعت الشعب اليهودي كأسطورة تضليلية، تماماً كا اخترعت أرض إسرائيل وهو كتابه الثاني بعد كتابه الأول “من اخترع شعب إسرائيل”.

وأضاف بشور: وبصراحة مقرونة بالرصانة والموضوعية يتوقف الكاتب أمام أخطاء الجانب الرسمي الفلسطيني يمكن أن تشكّل مادة لأي مراجعة جدية تجريها القيادة الفلسطينية الرسمية.

وفي منهجية واضحة، يعمد الدكتور رشيد بعد تفنيد أكاذيب الصهاينة، وتحديد مثالب اتفاقيات أوسلو يتوجه إلى الجانب المضيء من الكأس، فيتحدث عن نضال المرأة الفلسطينية وعطائها منذ مطلع القرن الماضي وفي كل الثورات والانتفاضات، مؤكّداً على أهمية دورها وضرورة تعظيمه في المراحل القادمة، كما يفرد فصلاً خاصاً للأسرى الفلسطينيين الأبطال ودورهم في الكفاح الفلسطيني المعاصر، متوقفاً بشكل خاص أمام معاناة أطفال فلسطين على يد الاحتلال، وصولاً إلى مسار المقاطعة للكيان وبضائعه وكيف بدأ العالم يتجاوب معه، وصولاً إلى الانتفاضة الثالثة التي يعلّق المناضل رشيد آمالاً واسعة عليها دون أن يغفل دور الأدب والفن في ثقافة المقاومة مستشهداً برموز عالمية في هذا المجال، وكلها عناوين تشكّل مادة حقيقية لأي عمل فلسطيني وعربي ودولي من أجل العدالة لفلسطين.

واستطرد بشور فعلاً، نحن أمام “كتب في كتاب”، وأمام غزارة في التحليل النظري والسياسي، وتدفق في المعلومات والأفكار، وككل تدفق يقع صاحبه أحياناً في تسرّع لا يغير من جوهر التحليل أو سلامة الاتجاه العام.

وختم بشور مداخلته قائلاً: د. فايز رشيد في تقديمه للكتاب أنه خلال دراسته للطب في روسيا كانت تنتشر جملة بين الطلبة الآتين إلى موسكو من مختلف دول العالم، هي أن في السكن الجامعي إذا رأيت غرفة مضاءة فساكنوها إما أفارقة يرقصون، أو لاتينيون يعزفون، أو عرب يناقشون السياسة، ونحن نضيف “أو الدكتور فايز رشيد يكتب كتاباً جديداً أو رواية جديدة يضيفها إلى مؤلفاته الخمسة عشرة…

فالدكتور فايز أديب حين يكتب في السياسة، وسياسي حين يكتب بالأدب، كيف لا وهو ابن قلقيلية التي طالما اقلقت العدو.

فايز رشيد

وفي نهاية الحفل قدم د. فايز رشيد شكره لدار الندوة هذا المقر العربي بامتياز وعلى رأسها أخوة كالأستاذ معن بشور، وللأستاذ الناقد أسكندر حبش، وللأستاذ هاني سليمان، مؤكّداً على أهمية الندوة إن بحضورها المتنوع من مختلف الأقطار العربية، أو بأهمية ما جرى من مداخلات فيها العلاقة العضوية ما بين الوطني والقومي.

مناقشة كتابين للدكتور فايز رشيد في دار الندوة - بيروت

مناقشة كتابين للدكتور فايز رشيد في دار الندوة - بيروت

مقالات ذات صلة