المقالات

سلطة التنازلات وتنازلات من اجل السلطة

سلطة التنازلات وتنازلات من اجل السلطة

اسم الكاتب : راسم عبيدات

2013-07-25

المسألة لم تعد بحاجة الى تفسيرات وإجتهادات،ما يحرك هذه السلطة،ليس هو الأجندات الوطنية ومصلحة الشعب الفلسطيني،بل طبيعة المشروع الإستثماري الذي تديره وتنتفع منه،فالموقف الفلسطيني وفي اعلى هيئة بمنظمة التحرير الفلسطينية،رفض مشروع كيري بالعودة الى المفاوضات بدون الشروط والمحددات والثوابت الفلسطينية بالعودة لتلك المفاوضات، ولكن رأينا بعد زيارة كيري الخاطفة لرام الله كيف إنهار الموقف الفلسطيني سريعاً،وكيف تم التخلي عن كافة الشروط التي كانت قيادة السلطة تقول بانها لن تعود للمفاوضات بدونها،فالعودة تمت بدون وقف الإستيطان،وبدون ان تجري تلك المفاوضات على اساس الإعتراف الإسرائيلي،بأنها ستقوم على أساس دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران،وبدون إطلاق سراح الأسرى،والذين ترك مصيرهم لإسرائيل،تتحكم في إطلاق سراحهم،وفق سلوك السلطة في العملية التفاوضية،نال رضى اسرائيل وخدم موقفها تقدم رشوة للسلطة،إطلاق سراح عدد من الأسرى القدماء،ويغدق عليها جزء من الأموال،لكي يستمر مشروعها الإستثماري،والعكس صحيح إذا لم يكن سلوكها جيداً.

والشيء المخجل والمعيب هنا موقف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية،إذا كانت رفضت وترفض العودة الى المفاوضات،فكيف لا تعبر عن هذا الرفض بعقد مؤتمر صحفي،تعلن فيه بانه إما ان تحترم قرارات مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية،وإما ان يكون هناك بيان يحمل رئيس السلطة الفلسطينية وفريقه مسؤولية المقامرة بحقوق الشعب الفلسطيني،وان أي اتفاق يعقد مع اسرائيل،لا يمثل الشعب الفلسطيني،فالرفض بدون فعل هو تعبير عن العجز”الخصي”وشكل من أشكال الموافقة الضمنية .

لا أحد يقول لنا بان العودة للمفاوضات بهذه الطريقة المذلة والمهينة له علاقة بالحقوق والمصالح الفلسطينية العليا،بل تعبير عن مصالح سلطة لا تجيد سوى النفاوض من اجل التفاوض،والتنازل تلو التنازل،خدمة لسلطة أصبحت هدفاً وليس غاية.

فكم مرة يا دعاة العودة للمفاوضات،جربتم الوعود الأمريكية والغربية،حتى صرتم خبراء في التجريب وأصبحتم مدرسة في هذا المجال ،فامريكا التي جرتكم هي وعربان النفط والكاز الى خانة ومربع المفاوضات العبثية والعقيمة والمتواصلة منذ عشرين عاماً،علنية وسرية وعن بعد وعن قرب وتقريبية واستكشافية،ومن تحت الطاولة ومن فوق الطاولة،والنتيجة لم تكن اكثر من لحس امريكا لكل وعودها والضغط عليكم من اجل التسليم بالشروط والإملاءات الإسرائيلية(تحرضون وتعودن تحرضون وتعودن) في سياسة عقيمة ومقامرات تجريبية متواصلة بحقوق هذا الشعب وثوابته،وكأن هذا الشعب التضحوي والعظيم قطيع ماشية عندكم،تأخذونه حيثما تريدون وكيفما تشاؤون،وتنصبون من انفسكم”جهابذة” عصركم والمالكين الوحيدين للحقيقة والمعرفة بما ينفعه او لا ينفعه،وفي حقيقة الأمر انتم تقامرون بحقوقه وثوابته خدمة لمشروعكم الإستثماري ليس إلا،فلا يوجد أي مسوغ او مبرر لعودتكم للمفاوضات،إلا هذا الخيار والإعتبار.

ويضاف الى ذلك هو سيلان لعابكم على مليارات كيري الأربعة التي وعدكم بها،خفتم إن لم تعودوا الى المفاوضات،بان تقدم امريكا واسرائيل على تجميد العلاقة معكم،او تفرض مقاطعة عليكم،تكون نتيجتها انهيار مشروعكم الإستثماري،وبالتالي تخسرون هذه المليارات التي وعدكم بها في مؤتمر دافوس الأخير في عمان،فهذه الأموال تنمي أرباحكم وتسمن مشروعكم الإستثماري،وبها ومن خلالها ستجري مقايضة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، هذه الرشوات والمليارات لن يدفعها كيري من جيبه الخاص،او ستتبرع بها امريكا،بل من خلال صندوق دولي،يامر العرب ومشيخات النفط بتمويله،وبذلك سيتحقق مشروع نتنياهو عن السلام الإقتصادي،بتابيد وشرعنة الإحتلال،فخلال فترة المفاوضات الممتدة لتسعة شهور،سيتمدد ويتوسع الإستيطان،وعندما تنفجر المفاوضات من جديد يكون نتنياهو وحكومته قد إستكملوا مخططاتهم ومشاريعهم في زرع الضفة بالمستوطنات،وأجهزوا السيطرة على مدينة القدس.

من قمة الدوحة الأخيرة كان واضحاً،بان امريكا واسرائيل تسعيان الى توظيف المتغيرات العربية والإقليمية والدولية لتصفية القضية الفلسطينية،حيث اوكلت هذه المهمة للأمير القطري السابق حمد بن جاسم،فهو صاحب مشروع تعديل المبادرة العربية،فبدل الدولة الفلسطينية المستقلة،أضاف لذلك شرط التبادلية،على ان يتبع ذلك تشريع لهذه المبادرة العربية،يجري إعتراف من خلالها بيهودية دولة الإحتلال وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين،من خلال شطب حق العودة.

وكيري يدرك تماماً بان الفرصة الان مؤاتية لتصفية المشروع والقضية الفلسطينية،حيث الانهيار العربي الشمولي والإنسحاب نحو الهموم القطرية والداخلية،والحالة الفلسطينية منقسمة على ذاتها،وشرعية السلطة تتآكل بشكل كبير،بحيث باتت سلطتها شكلية.

وكيري والأمريكان يدركون جيداً،بان مصلحة اسرائيل فوق كل الاعتبارات،فهي في ظل المتغيرات العربية والاقليمية الحليف الإستراتيجي الموثوق لهم.

لا يوجد ما يشير إلى ان كيري سينجح فيما فشل فيه أقرانه السابقين فيه،وهو يدرك ذلك جيداً،فالقيادة الإسرائيلية الحالية،هي الأكثر تطرفاً وتشبثاُ بالإستيطان،وهي غير قادرة وناضجة لتقديم تنازلات تلامس الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني(دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران)،ولا القيادة الأمريكية مؤهلة لممارسة ضغوط جدية على اسرائيل من اجل تطبيق قرارات الشرعية الدولية،والأرجح ان تستمر في إدارة الأزمة والصراع،لمعرفة تجاه غليان المرجل العربي والإقليمي،وإحتمالات انفجاره والتبعيات المترتبة عليه.

مقالات ذات صلة