المقالات

الأمير الأخضر… القمع الكتالوني والإنجاز السعودي

Oct 05, 2017

ثلاثة مشاهد قاسية، الأمير الأخضر مصعب حسن الذي استعان به الكيان الصهيوني، ليلقي خطاباً عرمرميا في اجتماع لجنة حقوق الإنسان ليهاجم بني جلدته هجوما عنيفا. المشهد الثاني هو القمع الإسباني لأهالي كتالونيا. المشهد

دكتور فايز رشيد
دكتور فايز رشيد

الثالث، هو ما بعد قرار الملك السعودي بإجازة حق قيادة السيارة للمرأة، انطلقت جوقة المغردين والمرحبين والمحللين للقرار، وقد كانوا بالأمس من المحرّمين والمجرّمين له، انتهازية ما بعدها انتهازية من البطانة المحيطة بالحاكم، وهذا لا يحدث إلا في العالم العربي، للأسف.

بداية، لست من عشاق السلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، مروراً بالمباحثات مع الكيان الصهيوني، وصولاً إلى الفترة الحالية، وهي، أنه رغم الوضوح الصهيوني بالتنكر للحقوق الفلسطينية، لكن السلطة ما زالت تتمسك بالمفاوضات مع العدو، كنهج استراتيجي وحيد، اعتمدته لانتزاع الحقوق الفلسطينية، لكن أن يهاجم السلطة، عميل صهيوني فهذا إجرامٌ فاقع بالفعل.

لقد احتفت وسائل الإعلام الصهيونية بالهجوم الذي شنه «مصعب» نجل القيادي الحمساوي حسن يوسف، والملقب بالامير الأخضر، الذي أعلن تنصره سابقا بعد أن تم الكشف عن عمالته للكيان، وهروبه للولايات المتحدة، شن هجوما على السلطة الفلسطينية في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

ووفقا لموقع «المصدر» الصهيوني، فإن مصعب، الذي حضر ممثلا عن منظمة «N Watch U» شنّ هجوما عنيفا على السلطة الفلسطينية، الأمر الذي أثار دهشة الممثلين العرب والمناصرين للقضية الفلسطينية في المجلس، قائلا: «أنا كبرت في رام الله كعضو في حركة حماس، وأنا أوجه كلمتي للسلطة الفلسطينية، التي تدعي إنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، من أين جاءت شرعيتكم؟ الفلسطينيون لم ينتخبوكم، ولم يطلبوا منكم تمثيلهم، أنتم انتخبتم أنفسكم، ولا تمثلون الشعب الفلسطيني، وهذا دليل على انتهاكاتكم لحقوق الإنسان».

وتابع العميل خطابه قائلاً: «حقوق الإنسان هي آخر اهتماماتكم، أنتم تخطفون الطلبة من السكن الجامعي وتعذبونهم في السجون، أنتم تعذبون خصومكم السياسيين من الفلسطينيين، ومعاناة الشعب الفلسطيني بسبب مصالحكم السياسية الأنانية، أنتم العدو الأكبر للشعب الفلسطيني، لو لم تكن دولة إسرائيل موجودة لن تجدوا من تتهمونه، عليكم تحمل المسؤولية عن أعمالكم. أنتم تعملون على تأجيج الصراع من أجل الحفاظ على مصالحكم». واختتم المذكور خطابه باتهام السلطة الفلسطينية باستغلال منصة الأمم المتحدة من أجل خداع المجتمع الدولي، وخداع الشعب الفلسطيني، من أجل أن يقتنعوا بأن دولة الكيان مسؤولة عن المشاكل التي خلقتها هي، على حد زعمه.

ونشر المصدر مجموعة من الصور لممثل سوريا في المجلس، وممثلي الوفد الفلسطيني، مشيرا لصدمتهم من الهجوم الذي شنه مصعب على السلطة الفلسطينية، بالطبع لم يكن مصعب عضوا في حماس، وتبرأ منه والده. هذا العميل، أغرته اسرائيل والموساد بالمال والشهرة، فأصبح عميلا يشيد بالكيان الصهيوني، لن يضير شعبنا أن يخرج منه عميل مرتد، يدافع عن قاتلي شعبنا هذا المشهد كريه، ألا تتفقون معي أعزائي القراء؟

على صعيد آخر، وفي فيديو أرسله لي صديق من إسبانيا، شاهدت الشرطة الإسبانية وهي تضرب الكاتالونيين بالعصي وتجرجر بعضهم على الأرض، وتستعمل ضدهم، كل أسباب القوة في محاولة لثنيهم عن الإدلاء بأصواتهم في استفتاء الانفصال عن إسبانيا في الأول من أكتوبر الحالي، الأمر، الذي أدى إلى عشرات الجرحى. ذكّرني المشهد (مثلما قال صديقي) بقمع الجنود الصهاينة لأبناء شعبنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. تصادف استفتاءان في الأسبوع نفسه، استفتاء الأكراد، ولم يحدث فيه قمع، ولم يجرح فيه كردي واحد، واستفتاء الكاتالونيين، الذي تعمد بالدماء، لماذا لا تلجأ الحكومة الإسبانية، للحوار مع القيادة الكاتالونية، مرة أولى وثانية وعاشرة؟ القمع يجعل الكاتالانيين أكثر إصرارا على الانفصال عن إسبانيا.

معروف، أن إقليم كتالونيا حصل على الحكم الذاتي عام 1931، وقد تميزت تلك الفترة بالاضطرابات السياسية والأحداث الساخنة ليس على مستوى إسبانيا فحسب، ولكن على الصعيد الأوروبي كله، في الفترة التي سبقت قيام الحرب العالمية الثانية، عندما قام الجنرال الطاغية فرانكو بانقلابه العسكري، على السلطة الحاكمة آنذاك عام 1936، حينها بدأت الحرب الأهلية الإسبانية، التي استمرت ثلاث سنوات، وحصدت أرواح نصف مليون من المواطنين الإسبان، وانتهت بانتصار فرانكو على كل معارضيه، وانفراده بحكم إسبانيا حكمًا ديكتاتوريًا بمساعدة ودعم من هتلر وموسوليني. قام بعدها فرانكو بإلغاء الحكم الذاتي في كتالونيا منذ لحظة وصوله إلى الحكم وحتى وفاته عام 1975، قمع فرانكو كل أنواع الأنشطة العامة المرتبطة بالقومية الكتالونية، بما في ذلك نشر الكتب عن هذه المواضيع أو مناقشتها في جلسات مفتوحة، وكجزء من هذا القمع، تم حظر استخدام اللغة الكتالونية في المؤسسات العامة الحكومية، وتم منع العلم الخاص بكتالونيا، تم قتل رئيس نادي برشلونة جوسيب سينول لقيامه بأنشطة سياسية معادية للفاشية، وتم تعيين إنريكي بينيرو الموالي لفرانكو بدلًا منه، تم إلغاء النشيد الوطني الكتالوني… الخ. أعيد العمل بقانون الحكم الذاتي في كتالونيا عام 1979، وبعد المحاولة الفاشلة للانقلاب العسكري في فبراير عام 1981، أقرت الحكومة الإسبانية، وبموافقة الملك خوان كارلوس على وجود 17 إقليمًا وليس 16 مثلما كان يعد سابقا. المقصود القول، إن تاريخا من القمع يحكم العلاقة الكاتالونية – الإسبانية، وأن حكومة اليمين الإسباني اعتمدت لغة العنف مع الكاتالونيين، وهذا لا يجوز.

على صعيد آخر، جاء القرار السعودي بإجازة قيادة السيارة للمرأة متأخرا قرنا كاملاً، المرأة في العديد من الدول الإسلامية وصلت إلى منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة وزراء بلدانها، أما الإشادة بالقرار وبالوجه الحضاري للحكام السعوديين وإنصافهم للمرأة، وكأن القرار غيّر من واقعها كليا، فهو رياء ما بعده رياء إن أحد مقاييس تقدم المجتمعات هو، الموقف من المرأة. المرأة ما زالت تضرب جسديا، تهان، تعامل وكأنها قطعة أثاث. يجري إجبار بعضهن على الذهاب لخطبة الفتاة، مشروع الزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة. المرأة تعاني اضطهادا في السعودية. كما أن الملايين من النساء في الأماكن النائية، لا يصلهن التعليم أو لا يسمح لهن أولياء أمورهن ببلوغه أو الانضمام إليه.

المرأة كانت لها السلطة العليا في المجتمع المشاعي البدائي، ولكن حقوقها أخذت في التآكل تبعا لتطور المجتمعات وصلب محرك علاقاتها الاقتصادية، مع أنه كان المفترض العكس تماما، إلا أن الاستغلال الاقتصادي طال الرجل والمرأة، تدرجا ووصولا إلى المرحلة التي أصبح المتحكم فيها رأس المال بكل استغلاله وجشعه، مع انتباه لبعض الحقوق للمرأة، التي اختلفت نظرة الشعوب إليها وفقا لعوامل كثيرة لا مجال للتطرق إليها في مقالة صحافية قصيرة، ثم إن 22 قانونا من 282 قانونا وهي مجمل شريعة حمورابي تعلقت بحقوق المرأة وهذا قبل الميلاد. لذا، فالقرار السعودي بعيد عن التاريخية، وهو تصحيح لظلم اجتماعي ـ ذكوري، فُرض على السعوديات طويلا. هو حق مكتسب للمرأة السعودية، سلب منها، ورد اليها. ثم إن القرار مؤجل السريان حتى يونيو 2018، والأهم انه محدد في المرسوم، ليكون «وفق الضوابط الشرعية والنظامية المعتمدة».

نعم، التعبير فضفاض ويحتمل الكثير من التأويلات والقيود، من بينها فرض حظر تجول ليلي على النساء، أو تقييد حركتهن في مناطق سكنهن. نرجوكم لنحاكم القرار في سياقاته الإنسانية، بعيدا عن المدح والذم ورياء الحكام. نقول ذلك، لأن المرأة هي نصف المجتمع، وهي المكملة للرجل، وبدوره هو المكمل لها، فالقضية إذن هي في غاية الأهمية.

مقالات ذات صلة