المقالات

لن يسرقوا منى ذكرياتي/ بقلم الكاتب الفلسطيني “هاني مصبح “

حكاية وجع من حكايات غزة الجريحة
رحلت الأجساد وبقيت الذكريات
في دقيقة واحدة فقط وليس أكثر، فقدت كل شيء…
فقدت عائلتي، حياتي، أحبابي، وكل الأشياء الجميلة، وحتى ملامحي التى بت لا أعرفها فى المرآة ولم تعد كما كانت رحلت وغابت .
في لحظة وحشية، قصف الإحتلال بيتنا ليصبح قبراً ، وصار كل من أحببته ذكريات محفورة فى صدري وحنايا روحي لا تنام .
أستشهد ورحل ساكنين البيت وتمزق معهم الحلم وكل ذكرياتي واحلامي وآمالي وتبدلت حروف الأمل إلى ألم يصعب الوصف.
أستشهدت أمي الحضن الذى لا يعوض، والدعاء الذى كان يحرسني كل ليلة.
وأخوتي وأطفالهم، كلهم أستشهدوا فى لحظة واحدة، كأن الحياة أرادت أن تسلبهم تأخذهم دفعة واحدة، تتركني وحيداً أعد أسماءهم فى وجعي.… لم يبقى منهم أحد، كلهم طيور فى السماء، وأنا هنا على الأرض أرويها بالدموع وألم الفراق الذى كسر ظهري .
أمضى الجميع بلا وداع، كما يمضي الأبطال.… كلهم رحلوا، دفعة واحدة وفى لحظة واحدة، كأن الرحمة غابت، كأن القلوب توقفت والدموع تحجرت .… ابتلع الموت عائلتي كما يبتلع البحر قرص الشمس عند المغيب ولكن الشمس تشرق من جديد أما أحبتي غيبهم الموت بالرحيل دون أن يشرق وجدانهم من جديد .
كلهم رحلوا فى لحظة واحدة… ولم أعد أعرف من أين أبدأ الحداد .
أشتاق لرائحة طعام أمي، وابتسامة أبي وضحكات إخوتي، وصراخ أطفالهم فى أروقة البيت.
كل شيء يفتقدهم حتى جدران البيت تفتقدهم وتناديهم لكن لم يبقى إلا هدوء يعانق صمتي، ورائحة ذكراهم العالقة فى الهواء وبين الركام .
كلهم رحلوا… وتركوني هنا أبكي وجودي فى غيابهم تركوني أتلمس وجهي الذى صار مرآة للبكاء تعكس الأحزان، وأحاول أن أعيد ترميم قلبي الممزق بشوق لا يرحم .
شوقي إليهم ينام معي، يوقظني، يقودني فى الطرقات كأنني أمشي على أطيافهم…أراهم فى كل مكان وكل ركن وفى حطام المنزل وبين الركام وفى كل همسة ونسمة هواء.
فيا من رحلتم، ما زلت أناديكم كل ليلة بأسماؤكم وألقابكم التى تحبونها،
ويا من رحلتوا ، تركتم فى قلبي وطناً من الدموع… وذكريات لا تنطفئ.
أنا باقي هنا، لا أنساكم، سرق الإحتلال مني عائلتي و أحبتي ولن ينجح فى أن يسرق منى ذكرياتي ”
بقلم الكاتب الفلسطيني/ هاني مصبح

مقالات ذات صلة