المقالات

حماس ومصر الثورة

حماس ومصر الثورة

د. حسن أبو طالب

جاء خالد مشعل وزملاء له ليجتمع مع المرشد العام للاخوان د‏.‏ محمد بديع ونائبه في مقر المقطم لتأكيد عدم تورط حماس في مقتل الجنود المصريين في رمضان الماضي

, ولوضع بعض الحقائق امام الجماعة لتوصيلها إلي الرئيس مرسي. ورغم نبل الهدف, يفرض السؤال نفسه ألم يكن هناك وسيلة مباشرة لوضع كل الحقائق من حماس أمام الجهات المعنية في مصر, ولماذا لم تستجب الحركة لطلب تسليم عناصر فلسطينية أو عربية تعيش في غزة للجهات المصرية لتنتهي القضية عبر التعاون والتحقيق وليس عبر المعاندة والاستهتار.

لقد كانت حماس من أكثر الأطراف العربية سعادة حين سقط نظام مبارك. فالاخير مثل لها كل صنوف الضغط السياسي والمعنوي والمادي, أما فعليا فمصر عبر تغاضيها عن الانفاق التي تمر عبر الحدود كانت شريكة للشعب الفلسطيني بغزة في كسر الحصار من خلال اتاحة المواد الغذائية والضرورية لمنع المجاعة التي كانت مرتقبة.

لكن حسابات حماس كانت أكبر من مجرد تمرير المواد الغذائية عبر الانفاق, فالحركة التي سيطرت علي القطاع وشكلت حكومة مستقلة عن رام الله حيث مقر السلطة الوطنية الفلسطينية وتطلعت إلي الهيمنة علي القرار الفلسطيني وعلي المؤسسات الفلسطينية, كانت تري في مصر قبل الثورة عائقا أمام تحقيق هذه الطموحات. وفي حين كانت القاهرة تتحرك في كل اتجاه لبناء مصالحة وطنية فلسطينية تعيد الترابط والاعتبار الدولي مرة أخري للقضية الفلسطينية, كان لحماس الكثير من التحفظات والاعتراضات التي حالت دون التوصل إلي مصالحة فلسطينية شاملة. وقد استمر موقف حماس هو نفسه بالنسبة للمصالحة الفلسطينية حتي بعد الثورة المصرية وبعد وصول رئيس ينتمي إلي جماعة الاخوان المسلمين الأم.

والمفارقة أن حماس قبل الثورة كانت تجد تأييدا وتعاطفا من قبل الرأي العام المصري لانها كانت تمثل روح المقاومة والتضحية من أجل حرية فلسطين واستقلالها. وحين نجح المصريون في إسقاط الرئيس مبارك, بدت الأمور أكثر رحابة بالنسبة لحماس, فالنظام الشريك في الحصار اختفي, والجماعة الأم أصبحت تعمل بلا قيود بل وصلت إلي الرئاسة لاحقا, الامر الذي شكل فرصة ثمينة من أجل إعادة بناء علاقات مصر وحماس علي أسس جديدة تراعي الانتماء إلي نفس المدرسة الفكرية وإلي نفس التنظيم الدولي.

لكن حركة مصر الدولة سواء اثناء إدارة المجلس الاعلي للقوات المسلحة او تحت رئاسة الرئيس مرسي ظلت ملتزمة المعايير الدولية والعربية معا, فلم يفتح معبر رفح إلا بضوابط وتيسيرات خاصة بالافراد وليس بالبضائع, كما بذلت مصر الثورة جهود المصالحة عدة مرات ولم تستجب حماس وأبدت الكثير من التحفظات, وظل الوضع الفلسطيني علي حاله من الانقسام والتشرذم. والشيء البارز هنا أن مصر لم تعد تهتم بمسألة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية كما كان الوضع في النظام السابق, ولم تول الاهتمام المناسب للسلطة الوطنية الفلسطينية, ولم تعد تضع المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية هدفا في علاقاتها مع الولايات المتحدة, كما أنها قلصت إلي حد كبير جدا اتصالاتها مع الجانب الاسرائيلي. وهي تطورات وجدت فيها حماس فرصة ثمينة لكي تحصل علي اكبر عائد سياسي ممكن من مصر بعد الثورة, وظهر طموح حماس الرئيس في ان تتبني مصر شعارات حماس الرئيسية في الصراع مع إسرائيل وتعلن النفير العام وتسمح بالجهاد. بيد أن الفرصة انقلبت إلي خسارة حتي اللحظة, والسؤال لماذا؟..

لا شك أن حالة التعاطف المصري مع حماس ما قبل الثورة لم تعد كذلك الآن, فهناك انتقادات واسعة بسبب انكشاف جزء مهم من الدور الذي لعبته بعض عناصرها يوم جمعة الغضب28 يناير2011, في الاعتداء علي السجون المصرية وتهريب مساجين مصريين وعرب متورطين في قضايا جنائية إن لم تكن إرهابية, فالبنسبة للمواطن المصري البسيط هناك اعتداء حدث بالفعل وإهانة للدولة المصرية وهو ما لا يمكن التسامح فيه سواء مع حماس أو غيرها. كما اصبح معدل الاخبار عن تورط عناصر من حماس في أحداث أمنية متنوعة في سيناء في تزايد مستمر, وبغض النظر عن دقة المعلومات أو زيفها, فقد ترسب في الوعي المصري العام أن حماس شريكة في احداث تمثل تهديدا للامن القومي المصري. ويعد الاعتداء الغاشم علي الجنود المصريين الستة عشر وقتلهم اثناء الافطار في مطلع رمضان العام الماضي هو قمة المأساة. ورغم انه لا يوجد موقف رسمي مصري معلن يحدد فيه هوية هؤلاء القتلة وجنسيتهم ومن كان وراءهم, فإن القصص الاخبارية المنسوبة إلي مصادر سيادية رفيعة أو مصادر عسكرية عليا بأن رجال حماس هم المتورطون في قتل الجنود المصريين, دفع بالمصريين جميعا إلي وضع حماس في خانة العدو والتهديد. كما دفع الجيش المصري للعمل بجد من اجل اغلاق الانفاق مع غزة للحد من الانتقال غير المشورع للافراد والاسلحة.

ازداد الأمر سوءا مع كثرة الحديث عن وجود وثيقة فلسطينية لكتائب الاقصي الجناح العسكري لحماس تؤكد وجود عناصر حماسية في الداخل المصري كل مهمتها هي حماية الرئيس مرسي إن تعرض للخطر. الامر الذي بدا معه أن حماس قاب قوسين أو أدني من أن تتحول إلي ميليشيا مسلحة تقوم بأعمال غير شروعة وضد سيادة مصر وفيها تشجيع علي إهانة الشرطة المصرية المعنية أساسا بحماية الرئيس في حله وترحاله. وجاءت واقعة دخول7 من حماس عبر مطار القاهرة كانوا في سوريا وإيران ومعهم وثائق او رسومات تتعلق بمراكز حيوية مصرية, والتحقيق معهم ثم القيام بترحيلهم إلي القطاع, لتضيف بعدا آخر لا يقل إثارة عما تردد بشأن الاعتداء علي السجون المصرية وتهريب مساجين مصريين وعرب.

نعم لقد نفت حماس, لكن المزاج المصري العام يتعامل مع هذا النفي بكثير من الاستهانة, نتيجة العلاقة الخاصة بين جماعة الاخوان وحركة حماس, ولكون الجماعة الآن صاحبة شعبية متدنية فضلا عن تصريحات بعض قياداتها تضمنت الرغبة في تسليح بعض افراد الجماعة مبررين ذلك بالدفاع عن النفس. الأمر الذي جعل الرأي العام المصري يري ان حماس وكوادرها المسلحة يمكن أن تكون بديلا لعدم تشكيل الإخوان جماعة أمنية خاصة بهم. وبغض النظر عن صعوبة تأكيد وتوثيق هذه القصص الاخبارية, فإن المصريين يميلون إلي اعتبار حماس مصدر تهديد كبير يصعب التغاضي عنه. وعلي حماس أن تثبت العكس.

الأهرام، القاهرة، 18/3/2013

مقالات ذات صلة