المقالات

ثورة مصر الكاشفة

ثورة مصر الكاشفة

د. أحمد نوفل

1- حزن في قلوب المؤمنين فرح لدى المنافقين

أحزن قلب كل مسلم ما جرى لمصر وفي مصر. أن ينقلب العسكر حماة الثورة (كذباً وزوراً وادعاء) على الثورة، وينحازوا إلى أمريكا وإسرائيل وعملائها من البرادعي إلى القضاء المسيّس العميل الفاسد، وأن يعتقل الرئيس المنتخب ليعين رئيس بدله تعييناً من قبل شخص مشبوه اسمه السيسي، وعدلي مشبوه مثله، ليس له من العدل إلا اسمه.

أقول أن تلغى إرادة عشرات الملايين الذين أتوا بمرسي لتمضي إرادة فرد، ثم يهلّل اليسار واليمين والليبراليون وبعض مدعي الإسلام، ويا ليت علماء ذلك البلد ومن يتبعونهم في كل بلدان العالم العربي والإسلامي، من خلال البترودولار، ليتهم يبينون لنا حقيقة موقف الشرع من الانقلاب على الشرعية، وهم الذين صدعوا رؤوسنا بحكاية ولي الأمر. فلما جاء ولي الأمر الذي لا يسرق ولا يشرب.. ولا يزني ولا يرتشي، ولا يتبع لأمريكا وإسرائيل، ولا يخون شعبه ولا يسفك الدماء، صار الانقلاب على هذا الزعيم واجباً شرعياً!

ثم يزعم هؤلاء أنه لا يجوز استخدام الدين لأغراض سياسية. وهم أسوأ من استخدموا الدين لأغراض سياسية مشبوهة وقذرة. ليتهم يبينون لنا حكم الشرع في قتل المصلين في صلاة الفجر. أم إن لولي الأمر الفاجر أن يقتل المسلمين في صلاة الفجر؟

أقول: تأبى مصر إلا أن تظل بشعبها العظيم رائدة الأمة وقائدة الثورات العربية وملهمة الجميع وملهبة الحماسة عند الجميع ومصححة المسار.

الآن بدأت الثورة. كل ما مضى كان مقدمات ومخاضاً يسبق ولادة الثورة. الآن انطلقت الشرارة. الثورة القادمة يجب أن تكنس كل السفلة وأولهم قضاء مبارك وحثالة عسكر مبارك وحثالة أجهزة تعذيب مبارك..

الثورة الناعمة الأولى لم يكتب لها أن تغير. أما هذه الثورة السلمية أيضاً، ولكنها عارمة عامة شاملة فهي التي ستكنس ركام القمامة الذي خلفه أفسد من على الأرض مبارك.

2-ثورة كاشفة، ألا ما أسرعكم في الباطل وأبطأكم في الحق

مرحى لمصر وثورة مصر.. مرحى للجماهير التي دفنت شهداءها وواصلت مشوارها. ثورتكم ستكشف عوار العالم العربي وعوراته. وتكشف مقدار استقلال دولنا، وحقيقة أدعياء الإسلام الذين أكلوا بعقولنا حلاوة، أعني بعضنا، بإسلام زعموه، وحاشا لدين الله أن يكون ما هم عليه من فساد وترف وانحلال.

مصر كانت في ضائقة مالية فلم تمتد إليها يد عربية قذرة متمولة بدرهم. لأن اليد التي كانت تدير مصر لا تسرق، فلما جاء اللصوص والسراق والنهابون والسفلة والعملاء انهالت معونات العرب البتروليين مليارات لا تعد. ألا شلت تلك الأيدي التي كانت مغلولة عن العطاء لما كان المسلمون في الدفة، وبسطت كل البسط لإسقاطهم، ثم بسطت بعد إسقاطهم لإنجاح من جاؤوا على أشلاء تجربتهم.

قد يقال إن هذه الدول المتأسلمة، أكره هذا المصطلح لكنهم كذلك، قد يقال إنهم يكرهون الإخوان ونظارات مرسي.. فليكن، فلماذا أنتم أنفسكم بأعيانكم بشخوصكم المشبوهة أسقطتم العراق العظيم في أيدي الفرس؟ من موّل ثورة جون قرنق؟ من موّل حزب الكتائب؟ من دفع لإسرائيل تكاليف حرب 76 لتحطيم مصر وعبد الناصر؟ ما من فتنة إلا وأنتم وراءها. لا تتذرعوا بالإخوان وكرهكم لهم ولن نسألكم لماذا تكرهونهم؟ فأنتم تكرهون الأمة كلها ومستقبلها ونهوضها وإسلامها وخيرها وتتمنون لها العثرات. بواخر التسليح من الدول العربية واطلعت على بعض محتوياتها مما غنمه السوادنيون من الجنوبيين. من دفع الكاش لجون قرنق؟ دول النفط. أما القذافي فدفع مرتبات جند وعساكر قرنق (15) سنة. وأما مبارك فدرب عناصره على قيادة الطائرات والدبابات والمدفعية وكل ما يلزم. ما الذي جمع اليسار مع اليمين، والدشاديش مع الخواجة أبو برنيطة جون قرنق وخليفته «ماكول»؟

بوركت ثورة الشعب في مصر. بوركت كشافة الأقنعة عن الوجوه الغادرة الكالحة. آلآن تتدفق مساعداتكم!؟ لا بورك لكم ولا فيكم ولا جزاكم الله خيراً. إنها ليست لشعب مصر، ولا لوجه الله قطعاً. لو كانت لشعب مصر لكنتم قدمتموها للشرفاء لتصل إلى الشعب، ولكنكم تقدمونها الآن ليصيب المليارات منكم ما أصابها زمان مبارك؟ فلوسكم دفعت لإقصاء الإسلام لا مساعدة لأهل مصر الكرام فلا تكذبوا!

3- مستقبل الثورة في مصر

أين الديموقراطيون العرب؟ أين الليبراليون العرب؟ أين الإعلاميون العرب؟ أين المهرجون العرب؟ أين الطبالون العرب؟ أين الشعبويون العرب؟ لماذا أخرس الله ألسنتكم؟ متى كان العسكر منى الشعوب؟ متى كان هؤلاء الحل وليس المشكلة؟ ألأن المنقلب عليه الإسلام والمسلمون والمستفيد الفرحان إسرائيل هللتم وكبرتم؟ ألا قاتلكم الله جميعاً. أأنتم جزء من هذه الأمة؟ أأنتم من دمنا وتاريخنا؟ أأنتم من بني ديننا وجلدتنا؟ أحقاً دعاواكم؟

لقد افتضح أمركم وأمركتكم. يا أيها الكذابون الذين كنتم تشوهون ثورة مصر الأولى والرئيس المنتخب لأول مرة في تاريخ مصر بأنهم عملاء أمريكا وحلفاء العسكر، فمن انكشف الآن إنه عميل أمريكا وحليف عملائها العسكر؟

أأنتم أم مرسي ومجموعته؟ لن ننتظر جوابكم، فالحرباء تتعلم التقلب والتلون منكم.

نعلم أن الثورة الآن بدأت، وأن التضحيات الآن بدأت، وأن الألف شهيد الذين قتلهم مبارك، سيعتبرون بالنسبة للسفلة الجدد من عسكر مبارك مجرد «حلاوة».

سيقتلون في يوم ما قتل مبارك في عشرين يوماً، وستباركهم الدول المتأسلمة إياها. يا أيها الشركاء في دماء الأبرياء. الحمد لله الذي أظهر حقيقتكم السوداء الشوهاء الحاقدة. لا تتاجروا بالإسلام بعد اليوم، والذين سبحوا بحمدكم آن أن يريحوا رؤوسنا من ضجيجكم وعجيجهم باسم الدين. نحن معكم في عدم استغلال الدين لأنه ما استغله إلا أنتم ولا أساء له إلا أنتم. فآن أن يتوقف سوء الاستغلال. أليست شرعيتكم المزعومة كانت المتاجرة بالدين وادعاء الدين؟ وإنكم مجددو شأن الدين في القرن العشرين؟ أليست دولكم قامت على زعمكم حلفاً بين الدين وزعماء السياسة؟ أم إنكم استغللتم الدعوة الدينية وزعماءها فلما تمكنتم كشرتم عن أنيابكم؟ كل ذلك انكشف الآن. ولقد والله كان لنا مكشوفاً، وصلاتكم بالمستعمرين معروفة مكشوفة. لكن حقيقتكم باتت لجمهور الأمة من البسطاء مكشوفة.

4- وأما أنتم يا ثوار مصر!

يا ثوار مصر ومعكم كل شرفاء شعب مصر. هذه هي الثورة الحقيقية لأول مرة في تاريخ مصر وتاريخ العرب. كل ما كان، كان محاولات لم تكتمل وتجارب لم تنضج ولم تحقق أهدافها. الاستقلال الموهوم المزعوم آن أن يتحول على أيديكم إلى حقيقة. ودول التبعية وجمهوريات الموز العربية آن أن يكون لها ولنا وزن بين الأمم والدول والشعوب.

يا ثوار مصر تحملوا. التضحية درس دينكم العظيم. وما العبادات من صيام وحج إلا دورات في التضحية. في الصيام يضحي الإنسان بضروراته الحيوية، وفي الحج يتعلم دروس التضحية من رموز التضحية إبراهيم وزوجه وولده. والله العظيم لن يضيع دماءكم الطاهرة دماء الفجر وأصحابها ركع سجود..

أتم الله لكم النصر، وحقق لكم التحول الذي تنشدونه لأمتكم من أمة ذيل إلى أمة هي رأس الأمم. والله معكم ولن يتركم أعمالكم.

سلام على الثوار الحقيقيين وجند الإسلام الصادقين ولا مرحى للمهرجين.

السبيل، عمّان، 12/7/2013

مقالات ذات صلة