المقالات

المخيمـات في لبنـان وضرورة إعـادة تأهيلها

المخيمـات في لبنـان وضرورة إعـادة تأهيلها

29-05-2013

بقلم: رفعت شناعة

نجحت القيادات الفلسطينية حتى الآن في تجنيب المخيمات الفلسطينية أية عملية احتكاكات مع الجوار، وعدم الانجرار أو الانخراط في أية خلافات أو تباينات على الساحة اللبنانية. وهذا يُسجَّل للقيادة الفلسطينية مجتمعة لأنَّ الجميع يستشعر المخاطر التي ستنتج فيما لو تمَّ إتباع سياسة توزيع الجهود الفلسطينية على الأطراف المتباينة، وبالتالي تتشظَّى القضية الوطنية.

هذا النجاح الذي تمَّ بفضل الوعي الوطني ، والحرص على القضية الفلسطينية كقضية مركزية لا يجوز إغراقها في بحر التناقضات، أو استنزافها في الصراعات، وانما المطلوب تدعيم ركائز البنية الاجتماعية والأمنية للمخيمات، وإعادة تأهيل المخيمات حتى يكون بإمكان أهلها تحمُّل المسؤوليات الملقاة على عاتقهم.

ننطلق في طرح هذه الضرورات والأولويات من قناعتنا بأن المخيم الفلسطيني ليس مجرد بقعة جغرافية تضم الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، وأنما أصبح المخيم يشكل الرمز الفلسطيني للماضي والحاضر والمستقبل، وهذه الرمزية كانت ومازالت وستظل مُستهدَفَةً شئنا أو أبينا لأنَّ المخيَّم الفلسطيني بكل مكوِّناته مرتبط مصيره بالحلول النهائية للقضية الفلسطينية، والمخيم منذ نشوئه إثر النكبة وحتى الآن وهو يُراكِم الانجازاتِ الوطنية، وحالاتِ الصمود والتحدي، ومعاركَ الدفاع عن الثورة الفلسطينية ، واستقبالَ الشهداء، ومسلسلَ العذابات والآلام، وشظفَ العيش والحرمان، والقصفَ والتدمير، واعادةَ البناء عدة مرات، والحرمانَ من الحقوق والحريات، والإصرارَ على التعاطي مع المخيمات كملفات أمنية تحتاج إلى التدقيق والمتابعة الثقيلةِ والمتعبة.

هذه التراكمات على اختلافها جعلت من المخيم أُنموذجاً متطوراً لحالة النهوض الثوري، وامتلاك أَدوات المقاومة، واحتضان عملية التغيير في الواقع الاجتماعي فكرياً، ونفسياً، وثورياً، وبالتالي الانطلاق في المسيرة الوطنية، وحرب التحرير الشعبية، وتجسيد الكيان الفلسطيني، وخوض غمار الحروب الدبلوماسية والسياسية.

ما تقدَّم ذكره يؤكد لنا جميعاً بأنَّ المخيم الفلسطيني هو الموقع المحصَّن الذي يجب أن نطوِّر ذاتنا، وقضيتنا، وطموحات شعبنا فيه، وتحديداً موضوع حق العودة، وتنفيذ هذا الحق استناداً لقرارات الشرعية الدولية. فالمخيم يرمز إلى عودة اللاجئين، الذين ينتظرون رغم مرور خمسة وستين عاماً.

ولأن المخيم يحمل هذه الرمزية، وأنه جزء لا يتجزَّأ من القضية الفلسطينية، أصبح لزاماً على القيادة الفلسطينية في لبنان تحديداً البحث بجدية في عملية إعادة تأهيل المخيمات في لبنان حتى تمتلك القدرة على الدفاع عن كرامتها، وإرساء مبادئ النظام والقانون، والتوقف عند أشكال التجاوزات الأمنية، والاحتكاكات الفردية، والحالات العدوانية والممارسات والمسلكيات الخاطئة. وهذه القضايا تتطلب من أصحاب القرار وقفة جادة ومسؤولة أمام التحديات القائمة، واذا لم يتم ذلك فنحن ذاهبون إلى الأسوأ، وسنخسر الكثير من رصيدنا الفلسطيني مع مرور الأيام .

وهنا فإننا نؤكد مجموعة قضايا لابد من أخذها بعين الاعتبار:

أولاً: لا أمنَ ولا استقرار في غياب السلطة، والأداة التنفيذية في هذا الموضوع هي القوة الأمنية التي يجب أن تتميز بقيادتها، وأعضائها التنفيذيين، وأن يكونوا على جانب من الخُلُق السليم، والجرأة، وامتلاك المعلومات الضرورية، وفهم طبيعة الناس. وإدراك الأصول في التعاطي من أجل تحقيق الأهداف.

ثانياً: إنَّ ما يَشهده المجتمع اللبناني والجوار اللبناني من تطورات ينعكس على المخيمات الفلسطينية، وتتأثر به سلباً أو ايجاباً، والفارق أنه خارج المخيمات هناك سلطات تتحمل المسؤوليات، وتتابع مهامها باستخدام مختلف أشكال القوة، والملاحقة، والتوقيف، والقانون، أما في المخيمات فالأمر مختلف، والاعتماد هو على قيادة الفصائل، وعلى اللجان الشعبية القوة التنفيذية المكلَّفة بالمهام المجتمعية على اختلافها، وضبط الأوضاع الأمنية، وفضِّ النزاعات، وتكريس الاستقرار، وهذه مهمات متعبة وشاقة.

ثالثاً: الفارق الأهم ما بين المخيم والجوار، وأيِّ مجتمع آخر هو أن مجتمع المخيمات ليس أمامه خيارٌ آخر سوى بناء مجتمعٍ ملتزمٍ بالقيم والمبادئ، مُجتمعٍ مكافحٍ من أجل قضاياه الوطنية، ومن أجل تقرير مصيره ومصير الاجيال القادمة، وهذا كلُّه يعني بالضرورة السهر على المخيمات، ورعاية المؤسسات والجمعيات والأطر المشتركة التربوية والثقافية، والاجتماعية، والصحية، والرياضية، والفنية، من أجل بناء مجتمع متوازن، متكامل في العطاء، متعاون في الأداء، يُعطي الأولوية لتحرير الأرض والانسان ويعتبر أن فلسطين فوق الجميع، وأن عدونا واحد هو الاحتلال الاسرائيلي، وأن الوحدة الوطنية هي الأطار الفلسطيني الأشمل الذي نطوِّر فيه قوانا، ونرسم فيه معالم مستقبلنا، ونحدد فيه وجهة كفاحنا، ونختار أدواتِنا وأساليبَنا. هكذا يجب أن يكون مجتمع المخيم إكراماً للشهداء، ورحمة بالأجيال والأبناء.

رابعاً: ما سبق ذكره يفرض علينا إنطلاقاً من وعينا الوطني، وخبرتنا الثورية، وتجربتنا الطويلة ومسؤوليتنا الراهنة أن نجعل المخيم بكل مكوِّناته واحةً من الاستقرار والحرية، ومنبراً إعلامياً من أجل القضية، ومصدراً لانبعاث الأمل والتفاؤل والتطلعات المستقبلية. وليس طبيعياً ولا مقبولاً ومهما كانت المبررات أن تشهد المخيمات ما تشهده من أحداث مؤلمة تدفع ثمنَها فلسطينُ أولاً، وأبناء المخيم ثانياً، والأمن الاجتماعي ثالثاً، ومستقبلنا الواعد رابعاً. السعداء بما يجري في المخيمات هم العدو الاسرائيلي أولاً، والمجرمون والقتلة ثانياً، والخارجون عن القانون ثالثاً، والجَهَلة الحاقدون الذين لا علاقة لهم بصناعة المستقبل، ولا بحق تقرير المصير، ولا بالعودة إلى أرضنا التاريخية فلسطين.

خامساً: السؤال الذي يجب أن نواجه به أنفسنا ومن موقع المسؤولية هو هل نحن راضون عمَّا يجري في المخيمات من أحداث أمنية مؤلمة ؟ وإن كنا غير راضين، فما هو الدور المطلوب؟ وكيف سيكون بإمكاننا ترجمة قناعاتنا إلى مواقف وممارسات تُسهم في عملية التغيير والمعالجة.

1- لا بد من دراسة ما يجري من أحداث، وتقصّي الحقائق، ومعرفة الخلفيات، وتحديد الهدف من الاستهدافات، ورصد التحركات والأدوات، والربط الواعي بين ما يتوافر من معلومات، ومتابعة ما نتوصل إليه من حقائق.

2- لا بد أن نتعاطى في ممارسة هذا الدور المسؤول أثناء المعالجة بعيداً عن التباينات السياسية والمواقف الحزبية، لأن هذا الشرط هو من أهم مرتكزات العمل الجماعي في الإصلاح.

3- لا بد أن تُسلّم مثل هذه القضايا الحسَّاسة إلى الكادر المؤتمن والحريص على عدم إشاعة ما لديه من معلومات، والأقدر على تقديم الحقائق وتقدير الموقف للمعنيين.

4- إنَّ التوقف أمام مجريات الأحداث، والتدقيق جيداً في التفاصيل والجزئيات هو الذي يكشف لنا الحقائق كاملة، ويوفِّر علينا الكثير من المعاناة، ومن الطبيعي دائماً في عمليات البحث عن أية قضية أن نضع افتراضات، ولكن لا يجوز أن نضع أحكاماً مسبقة لأنَّ ذلك يدخل الأهواء الشخصية في التعاطي مع القضايا المثارة.

5- إنَّ ما سبق يتطلب الجرأة والشجاعة والموضوعية من الكادر المسؤول سواء العسكري أم السياسي إنطلاقاً من أن أمن أطفالنا ونسائنا جزء لا يتجزأ من أمن الثورة الفلسطينية، ومن لا يستطيع أن يحمي أمن مجتمعه كيف سيكون بإمكانه أن يحمي مسيرة ثورة عملاقة كمسيرة شعبنا التي مضى على إنطلاقتها أكثر من نصف قرن. وهذا الأمر يجعلنا ملزمين أن نكون باستمرار على رأس عملنا، وعلى أهبة الاستعداد للتصدي لكافة محاولات العبث بمجتمعنا.

6- إنَّ ظواهر العنف والعدوانية موجودة في كافة المجتمعات، ولكن لا يجوز أن تُوجد هذه الظواهر في المخيمات، ولا يجوز أن تكون متفاقمة ومدمرة للعلاقات الإجتماعية، والأداء الوطني لشعبنا يفرض عليه أن يلتزم القيمون على الأمر بسياسة إصلاحية محددة ومبرمجة لمقاومة هذا الجنوح الشاذ الذي يهدد مجتمعنا وقيمنا، ويجرُّنا إلى ما لا تُحمد عُقباه، ما يجري على أرض الواقع من أستخدام للعنف وبشكل غير مبرَّر يعني أنَّ هناك خللاً لا يجوز السكوت عليه، ولا بد من أن تُعقد مؤتمرات لهذا الغرض يحضرها ويُغنيها أصحاب الخبرات والتجارب العلمية، لوضع برامج وخطط لمعالجة هذه الحالات بالطرق النفسية والأساليب التربوية، والضوابط الإجتماعية.

وهذا يتطلب أيضاً دوراً مميزاً ومدروساً للأهل في البيت وللأندية الرياضية، والإتحادات، والمساجد والفصائل، إنها معركة إجتماعية متواصلة لحماية المجتمع. ولاشك أن رفع مستوى الوعي عند الإنسان الفلسطيني يرفع عنده منسوبَ الحذر والتنُّبه والعقلانية في التعاطي مع القضايا المحيطة به.

انتبهوا إنّ المخيَّم هو حُصننا المنيع، وقوَّته هي في استقراره وتطويره.

بقلم / رفعت شناعة

مقالات ذات صلة