شؤون فلسطينية

المصالحة الفلسطينية || كلما زادت المبادرات تضاءلت الفرص

المصالحة الفلسطينية: كلما زادت المبادرات تضاءلت الفرص

رغم الترحيب الحار الذي صدر عن حركتي “فتح” و”حماس” بالمبادرة القطرية الجديدة الداعية إلى عقد قمة عربية مصغرة في القاهرة لدعم المصالحة بين الحركتين المتخاصمتين، إلا أن أياً من قادتهما لا يرى فرصة حقيقية لحدوث اختراق في المصالحة المجمدة.

وتبدو المصالحة الفلسطينية، كما جاء في مقال نشرته اليوم الجمعة صحيفة “الحياة” اللندنية، أبعد بعد كل مبادرة جديدة أو لقاء جديد يهدف إلى إنعاشها وإعادة إطلاقها. فاللقاء الأخير الذي عقد في شباط (فبراير) الماضي في القاهرة لبحث المصالحة، ليس فقط انه لم يؤد إلى تحقيق أي تقدم في الملفات المطروحة، وإنما أعاق التقدم الذي حققته لجان المصالحة في بعض هذه الملفات، ومنها قانون الانتخابات الخاص بالمجلس الوطني الفلسطيني، والذي توصلت اللجنة المختصة به إلى اتفاق حوله. لكن اللقاء ليس فقط لم يقره، وإنما أحاله على لجنة أخرى جديدة.

كما أخفق اللقاء في الاتفاق على تشكيل لجنة مركزية للانتخابات في الخارج للتحضير لانتخابات المجلس الوطني، وهي أيضاً من القضايا التي يسهل الاتفاق عليها. وأخفق المجتمعون في الاتفاق على موعد لعقد اجتماع للإطار القيادي الموقت لمنظمة التحرير الفلسطينية المتفق عليه منذ عام 2005، علماً أن هذا الإطار لم يجتمع في السنوات الثماني الماضية من الاتفاق عليه سوى مرتين. وأخفق المجتمعون أيضا في الاتفاق على قضايا سهلة أخرى مثل وقف الاعتقالات الاعتباطية، وإطلاق المعتقلين وغيرها.

ويعترف المشاركون في حوارات المصالحة من الحركتين بصعوبة تحقيق مصالحة حقيقية بين الحركتين اللتين تتقاسمان إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة. أولى هذه العقبات سياسي، فكلا الحركتين له برنامج سياسي مختلف، إذ لم ينجح المتحاورون منذ عام 2006 حتى اليوم في الاتفاق على برنامج سياسي مشترك.

ويحتل البرنامج السياسي المكانة الأولى لدى “فتح” والرئيس محمود عباس لأن مجمل علاقاتها الدولية، خصوصا مع الولايات المتحدة ومجمل مشروعها الساعي لإقامة دولة مستقلة على حدود عام 1967 عبر التفاوض مع “إسرائيل”، يعتمد عليه.

ويقول المقربون من الرئيس عباس أن الدور السياسي لحركة “فتح” مرهون بالبرنامج السياسي، فأي تغيير في البرنامج الحالي سيؤدي إلى موقف أميركي من “فتح” يهدد بفقدانها دورها، وأحد أهم أدواتها في السعي إلى تحقيق مشروعها الوطني.

وفي حركة “حماس”، يقولون أن برنامج “فتح” وصل إلى طريق مسدود يتمثل في رفض “إسرائيل” منح الفلسطينيين دولة على حدود عام 1967، ومواصلة مشروع استيطاني تهويدي يقوّض فرصة حل الدولتين، ويجعله غير ممكن عبر المفاوضات.

ويقول مقربون من الرئيس عباس انه لن يقدم على مصالحة وشراكة مع “حماس” ما لم يحصل على تفويض سياسي منها باعتماد برنامجه السياسي برنامجاً لأي حكومة جديدة، وتفويضه أيضا اختيار وزراء حكومته وإدارته بحرية كاملة يسهل عليه تسويقها دوليا.

وفي قيادة “حماس” يؤكدون أن الحركة التي رفضت شروط “اللجنة الرباعية”، وتعرضت إلى الحصار سنين طويلة، لن تقبل برنامجاً لا يقوم على المقاومة، حتى لو كانت لفظية في هذه المرحلة، في مواجهة احتلال استيطاني يبتلع كل يوم جزءاً جديداً من الأرض. وتزايدت المطالب داخل “حماس” بالتشدد في البرنامج السياسي عقب الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي نجحت فيها الحركة في تسديد ضربات إلى قلب الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

وثاني هذه العقبات ضعف مؤسسات السلطة التي لم تصمد أمام الخلاف والصراع، فتم الاستيلاء عليها في غزة بالقوة المسلحة، أعقبه الاستيلاء بطريقة أخرى على مؤسسات السلطة في الضفة الغربية. وثالثهما بقاء الاحتلال الإسرائيلي الذي يبرر للقوى المسلحة في قطاع غزة الاحتفاظ بتشكيلاتها العسكرية إلى جانب أجهزة السلطة، وهو ما يهدد دائماً بتكرار تجربة السيطرة بالقوة العسكرية على السلطة في غزة عام 2007 الذي سمّته “حماس” “الحسم العسكري”، وأطلقت عليه “فتح” اسم “الانقلاب”.

تضاف إلى ذلك أزمة الثقة العميقة بين الطرفين وعدم ثقة كل طرف بالآخر لإقامة شراكة سياسية معه. فحركة “فتح” تخشى من “تسلل” حركة “حماس” الى منظمة التحرير، والسيطرة عليها عبر المصالحة، كما سيطرت على السلطة عام 2006 عبر الانتخابات، وعلى غزة بواسطة السلاح.

وحركة “حماس” تخشى من تسلل “فتح” إلى غزة، والعمل على استعادة السلطة وإخراجها من السلطة عبر الباب الذي دخلت منه وهو الانتخابات، أو عبر شراكة غير متوازنة.

وتعيق التطورات الجارية في ملف المفاوضات حدوث تقدم في ملف المصالحة. وتشير التقديرات إلى أن الجهود الأميركية الحالية قد تعيد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات من جديد في غضون الشهرين المقبلين.

ويقول مسئولون مقربون من الرئيس عباس أن الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري ابلغاه في اللقاءات الأخيرة أن الجانب الأميركي سيعمل في الشهرين المقبلين على حمل إسرائيل على تقديم إجراءات لبناء الثقة تمهيداً لتقديم خطة عمل أميركية لاستئناف المفاوضات. وتتمثل الإجراءات المقترحة بـ: وقف طرح مشاريع استيطان جديدة، وإطلاق معتقلين، ونقل أراض جديدة في الضفة غالى إدارة السلطة وغيرها. وبدأت هذه الإجراءات بإعلان إسرائيل إلغاء قرار سابق بتجميد التحويلات الجمركية للسلطة، واعلان الادارة الأميركية عن استئناف مساعداتها المالية للسلطة التي جمدتها بعد توجه الأخيرة الى الأمم المتحدة لنيل عضويتها.

وأمام هذه العقبات، فأن طرفي الصراع لا يتوقعان للمبادرة القطرية الجديدة والجهود المصرية والتركية تحقيق تقدم. وقال أحد المشاركين في حوارات المصالحة لـ “الحياة”: “لا أعتقد ان المبادرة القطرية ستختلف عن سابقاتها، فقطر لا تستطيع أن تذلل العقبات الداخلية الفلسطينية، وثانياً فإن قطر، عادة ما تطلق المبادرة، وتترك للأطراف تنفيذها”. وأضاف: “أعتقد أن مصير المبادرة القطرية للمصالحة الفلسطينية لن يختلف عن مصير مبادرات قطر المماثلة في السودان ولبنان وغيرها”.

وفي هذا المشهد، يبدو الدور المصري في المصالحة الفلسطينية اليوم أكثر ضعفاً من السابق لأسباب داخلية: فالرئاسة المصرية تواجه تحديات داخلية بالغة التعقيد، والمؤسسات المصرية، ومنها مؤسسة الاستخبارات التي تتولى ملف المصالحة، والمقربة من حركة “فتح”، لديها أيضا تناقضاتها مع الرئاسة “الاخوانية” المقربة من “حماس”.

القدس || 29/3/2013

مقالات ذات صلة