اخبار الوطن العربي

سقوط داعش وبداية التقسيم

ليبانون ديبايت – رمزي الحاج

إستحوذت سوريا مؤخراً على حيزٍ كبيرٍ من إهتمام دولي وإقليمي نتيجة إتفاق الهدنة الأخير في 9/9/2016 بين روسيا والولايات المتحدة, والذي عُرِف بهدنة عيد الأضحى لتزامن بداية سريانه مع أول أيام الأضحى المبارك في 12/9/2016 وعلى كامل الأراضي السورية مع إستثناء داعش وأخواتها.

رافق وقف إطلاق النار هذا سلسلة من الأحداث والمواقف المتعارضة بين راعيي الهدنة الأميركي والروسي, نتيجة تعرّض هذا الإتفاق إلى أكثر من إنتكاسة: أولها الغارات الجوية على تلال دير الزور الشمالية, والتي أودت بحياة أكثر من 90عسكرياً وعددٍ كبيرٍ من الجرحى؛ الحادثة الثانية تعرّض قوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة المتوجّهة إلى حلب لإعتداءات لم تُحدّد مصادرها بدقة, رغم اتهامٍ أميركي لروسيا وسوريا بتلك الهجمات التي أنكرها الروسي والسوري معاً.

وعلى الرغم من الجهود الدولية لإحياء وقف إطلاق النار والتمديد له, عادت جبهات القتال إلى الإشتعال, وانهار وقف إطلاق النار, دون الإعلان عنه رسمياً من أي طرف بشكل تام.

فالحرص الأميركي على إستمرار الهدنة من دون إحراز أي تقدّم ملموس في مقتضيات الإتفاق عَكَسَه تأكيد الرئيس الأميركي باراك أوباما في كلمته الأخيرة أمام الجمعية العام للأمم المتحدة في نيويورك يوم 20/9/2016 بقوله “أن السبل الدبلوماسية هي الطريق الوحيد لإنهاء الحرب في سوريا” مؤكداً أنه “لا يمكن تحقيق نصر عسكري حاسم”, واضعاً بذلك خارطة طريق لسلفٍ يتمناه ديمقراطياً, ويودعه إنجازاً هاماً في السياسة الخارجية كهدية تكون بالحل السوري وفقاً لمصالح أميركا.

وفي المواقف الأخرى لا يقلّ تمسّك موسكو بالهدنة, فإصرار الرئيس الروسي بوتين على الإحتفاظ بما حققه من مكاسب على الأرض في سوريا, من خلال دعمه النظام وحلفائه,وإنقاذه من الإنهيار, على الرغم من إحتفاظ الطرفين بشعرة معاوية, بدت التسوية بعيدة, إذ قال الأميركيون أن العمل مع موسكو لم يعُد ممكناً، فيما جاء الرد الروسي بأن إحلال السلام في سوريا مهمة شبه مستحيلة.

لم تعُد محاربة الإرهاب أولوية, بل أصبحت ضرورة لإستخدامها في تحقيق بعض الأهداف الهامة لتعزيز كل طرف موقعه مقابل الآخر, وإستمرار الأزمة السورية التي أجمع العالم على أنها أسوء أزمة إنسانية في التاريخ منذ الحرب العالمية الثانية، وقد تبقى إلى أجل بعيد.

إدانة واشنطن لإرتكاب داعش إبادة بحق المسيحيين, وإهتمام موسكو بمسيحيي الشرق لم يخفّف المعاناة، والحل بإخراجهم من لعبة الأمم في الشرق خيار مرفوض. إذ أن المشرقيين بكل أطيافهم, يدركون أنه لا معنى لشرقهم من دون مسيحييه وأقلياته, فهم جميعاً شركاء.

وليعلم الجميع أن المواجهة والتوتر اللذين حصلا بين روسيا وأميركا في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة يومي 20و21/9 ليسا من أجل الشعب السوري ولا لإيجاد مخارجل لمتورطين في مستنقع الحرب السورية, فالصراع الدائر سيستمر لمدة طويلة, وكلفته ستكون كبيرة, ومصالح الكبار لم تكن يوماً وفقاً لإهواء الصغار, إذ تسعى كل من أميركا وروسيا لتحسين شروط التفاوض قبل إنجاز الإتفاق النهائي في سوريا وفقاً لمصلحة كل منهما.

وبعد كل هذا، هل يصدّق السوريون كلاماً عن هدنة ترعاها أميركا بمشاركة روسية في وقت بدأت فيه معركة تحرير الموصل في العراق, مركز الخلافة لأبي بكر البغدادي, التي أعلن منها صيف 2014 تأسيس دولته على الأراضي العراقية –السورية.

ومع سقوط داعش الأكذوبة, وفرار البغدادي إلى سوريا أو قتله, يبقى مشروع تفتيت سوريا والعراق قائماً لمصلحة داعش الحقيقية, أي دولة إسرائيل في العراق والشام, وفق المخطط الصهيوني الدولي الذي يريد من إسرائيل أن تكون دولة عظمىفي المنطقة, حدودها من النيل إلى الفرات.

وما الحديث الذي تسرّبه بعض الوكالات العالمية عن قرب موعد إكتمال المشروع الإيراني في المنطقة، والإندفاع بإتجاه لبنان في ظل الشغور الرئاسي، وإفراغ المؤسسات، وتعطيل الدولة،إلا تهويلاً يدفع بالكثير من الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل, ونسج أفضل العلاقات معها, وأول الغيث الصمت العربي الرهيب, وعدم إحتجاج أيّ عربي أو أيّة دولة عربية على منح أميركا 38 مليار دولار لإسرائيل على امتداد عشر سنوات لغاية واحدة هي التسلّح؛ ألم يكن هذا كافياً لحل لغز داعش الحقيقي؟

داعش ومن هم وراء داعش يسفكون دماء أهل العراق وسوريا, والعرب غائبون عن هذا المخطط الجهنّمي الذي سيحرق مستقبلنا ضمانة لمستقبل إسرائيل.

وفي خضم الأحداث الجارية من حولنا، يستمر الأفق الرئاسي في لبنان مسدوداً مع إقتراب موعد جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية في 28 أيلول، فليفهم الجميع أن مصالح الدول لم تكن وفق أهواء أحد, وعلى كل مسؤول الإختيار بين الصعود أو البقاء بين القبور. وكما قال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوماً: “ما في حدا أكبر من بلده”، وما في حدا بحجم الوطن!

فإن الشيخ سعد الحريري هو الأولى بحمل هذا الشعار, ونحن من حوله، وندعوه إلى الثبات في الموقف وعدم الركون للإبتزاز الذي يُمَارس على اللبنانيين بشكل عام وعليه بشكل خاص؛ وليتذكر أن مع العُسْر يُسْريْن, وأن “من يتقِّ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب”، فخلاص لبنان في هذا المحيط الملتهب لن ينقذه إلّا تلاقي العقلاء من أبنائه.

رمزي الحاج | ليبانون ديبايت

2016 – أيلول – 27

مقالات ذات صلة