المقالات

إنعقـاد مؤتـمر “فتـح” رافعـة المشروع الـوطنـي

إنعقـاد مؤتـمر “فتـح” رافعـة المشروع الـوطنـي

رفعت شناعة

22-11-2016

توافقت قيادة حركة “فتح” على عقد المؤتمر السابع، وحدَّدت بإجماع أعضائها الافتتاح في 29/11/2016، وهذا الانجاز محطة مهمة لأنه يعني بأن هناك توافقات أساسية على جوهر القضايا التي سيتم طرحها في هذا المؤتمر المفصلي، والمعوَّل عليه من قواعد حركة فتح، وأطرها التنظيمية، والعسكرية، والمؤسساتية، وأيضا هو محط أنظار أبناء الشعب الفلسطيني الذين يبنون آمالاً كبيرة على نجاح المؤتمر، لأنهم تاريخياً كانوا يربطون بين الاستقرار ووجوده مع حضور المشروع الوطني الذي تقوده حركة فتح.

أما الخطوة الثانية ذات الأهمية فهي العقبات التي تنتظر وصول الأعضاء من مختلف الدول، والاتجاهات، والأطراف، فهناك مؤشرات سابقة عن وجود نيات بالعرقلة لأن إنعقاد مؤتمر حركة فتح السابع يعني النهوض من الكبوة، واستجماع القوة، وتنظيم الصف، واعادة النظر في واقع العلاقات فلسطينياً، وعربياً، واقليمياً، ودولياً، حتى تقف على أرضٍ صلبة واضحة المعالم.

أما الخطوة الثالثة في إنجاح المؤتمر فهي تعتمد على الأفق السياسي والتنظيمي والميداني الذي يحكم الخطط والتصورات والبرامج الحركية التي ستتم مناقشتها بجدية، وبمسؤولية عالية استناداً إلى النظام الداخلي واللوائح الحركية. وأيضاً انطلاقاً من التجربة العملية الميدانية، وما اسفرت عنه إيجابيات أو سلبيات، من أجل بلورة برامج، وأنظمة جديدة، وترتيبات داخلية تساعد على تكريس الوحدة الوطنية، وانهاء الانقسام.

الخطوة الرابعة بالغة الأهمية وهي وجود المستوى الراقي من الاحساس بالمسؤولية الوطنية التاريخية أمام ما حصل من تدهور وتراجع في المسيرة، والدخول في مآزق في بعض المحطات خلال سنوات ما بين المؤتمرين، وهنا تبرز قدرة قيادة حركة فتح على إداراة الحوارات، وإعطاء المساحة المطلوبة للنقاشات، والاقتراحات، والتوصيات، والاستماع إلى الملاحظات النقدية مهما كانت صارخة، لأن التجربة السابقة بحاجة إلى إعادة النظر والتدقيق حتى نتجنب العودة إلى تجارب فاشلة.

الخطوة الخامسة: وهي أن هذا المؤتمر التاريخي بكل ما سيسفر عنه من وثائق، وبرامج، ولوائح داخلية يبقى هامشياً إذا لم يجد على رأسه قيادة سياسية فاعلة تتميَّز بالوفاء لفلسطين ولفتح، وتتمتع بثقة أبناء الحركة واحترامهم، وتقدِّس الأمانة، ولا تبحث عن المصالح الشخصية والمكاسب الخاصة. المرحلة بدقتها تتطلب قيادة صلبة وجريئة تؤمن بدور الأطر الحركية، وتستمع إليها، وتلجأ إلى معالجتها حتى لا تتراكم السلبيات، فنحن في سباق مع الزمن، ولا مجال للارتجال أو التردد، فالامتحان الذي ينتظرنا صعبٌ ومعقَّد.ٌ

الخطوة السادسة: علينا أن ندرك بأننا لسنا وحدنا في ساحة الميدان، فكما أنَّ هناك مخلصين لنا ولقضيتنا، ومنهم من ربط مصيره بمصيرنا، بالمقابل هناك جهات حزمت عدَّتها وسهامها، وحسمت أمرها، وبنت حساباتها على أرضية تقويض ثورتنا، وتصفية قضيتنا، والعبث المدمِّر في ساحتنا، والالتفاق على كل إنجازاتنا، وبالتالي تحقيق الحلم الصهيوني في تفريغ منظمة التحرير الفلسطينية من مضمونها، وقدرتها على الاستمرار في حمل لواء الصراع ضد الاحتلال الاسرائيلي.

الخطوة السابعة: ونحن نتأهب لعقد المؤتمر السابع علينا أن نتذكر المؤسسين الأوائل، وفي مقدمتهم الرمز ياسر عرفات الذين أسسوا هذه الحركة الرائدة من أجل أن تكون حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ، حركة الشعب الفلسطيني، التي وجدت لتنتصر، وانتصارها يتوقفُ على مدى وفائنا لدماء الشهداء، ومدى تعلقنا بالأهداف والمبادئ التي ورثناها من قادتنا الذين أفنوا حياتهم يبحثون عن كرامة شعبنا وحريته واستقلاله، أمضوا نصف قرن من اعمارهم من أجل أن تصل الرايةُ إلينا، ومن أجل أن تبقى مرفوعة حتى نستعيد أرضنا واستقلالنا، ومقدساتنا.

نحن اليوم مطلوب منَّا أن نثبت قدرتنا واصرارنا على حماية الانجازات التي حققها الرمز ياسر عرفات، وهو الذي خاض بنا الحروب، والأزمات، والمؤامرات في العديد من المحطات ، وكان في كل ذلك يراهن على شعب الجبارين فهو الذي نجح في حمل الشعوب والامم للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وهو الذي أعلن الدولة الفلسطينية واستقلالها، وهو الذي قال للعالم جئتكم بالبندقيه بيد، وغصن الزيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدى. وعلى هذا النحو سار حامل الأمانة، أبو مازن الثابت على الثوابت. والدولة التي أعادنا إلى أرضها الرمز ياسر عرفات سلطة وطنية فلسطينية على طريق الاستقلال، ما زال الرئيس أبو مازن حريصاً عليها كإنجاز وطني يريد الاحتلال تدميره لإلغاء ما يحمله هذا الانجاز من معانٍ تتعلق بعودة الشعب إلى أرضه، وحَمْلِ جواز سفره، ورفع العلم الفلسطيني فوق المرافق الفلسطينية. وخوض النضال على التراب الفلسطيني، ويختلط دمنا بترابنا على طريق النصر. إنَّ اهم انجاز تركه لنا ياسر عرفات هو أنه فرش لنا طريق الجهاد والكفاح ضد الاحتلال، هناك على أرضنا وليس على أرض غيرنا، ولقد كان له الفضل بأن وضعنا على سكة تحرير الارض، من داخل الارض، وهذا يدلُّ على النضوج الاستراتيجي في الصراع مع العدو الصهيوني. وعلى الجميع أن يدقق جيداً في واقعنا فنحن اليوم نقف وحدنا وجهاً لوجه ضد الاحتلال، وضد حكومة نتنياهو العنصرية، وضد الاستيطان وضد الاعدامات الميدانية، وهدم البيوت، واعتقال الأطفال، وتعذيب الأسرى إنَّ جيهتنا اليوم جبهة ياسر عرفات ومحمود عباس هي المشتعلة بوجه عدوٍ هو في الواقع يشكل خطراً كبيراً على الامة العربية، والامة الإسلامية، وعلى أمن المنطقة، نحن اليوم في صراع يومي ضد جيش الاحتلال، وضد المستوطنين، وضد المستعربين، والمتآمرين. ونحن على ثقه من أننا سنتصر رغم أنف الاحتلال ، ومجازره، وعدوانه اليومي على شعبنا، وحصاره الدائم لأرضنا.

الخطوة الثامنة: المؤتمر السابع اليوم يقف اليوم أمام قضيتين مهمتين وأساسيتين في صراعنا الطويل مع العدو الذي احتلَّ أرضنا، ونكَّل بشعبنا، ويعمل دائماً على تدمير طموحاتنا.

القضيتان هما: الصراع السياسي، ومقاومة الاحتلال، وهما مكملتان لتحقيق هدف واحد وهو إزالة الاحتلال، واعلان الاستقلال:

ولا شك أن المعركة السياسية التي بنى أًسسها الرمز ياسر عرفات، وواصل خوضها الرئيس محمود عباس قد قطعت شوطاً بعيداً واستطعنا عزل الاحتلال الاسرائيلي، وأثبتنا من خلال هذه الانجازات الدولية بأننا أصحاب الحق، وأنَّ شعوب العالم معنا وإلى جانبنا في معركتنا المصيرية. وأصبحنا الآن أمام استحقاق رئيس وهو الحصول على الاعتراف بدولة فلسطين عضو كامل العضوية، وأنه لا بد لمجلس الأمن أن يضع برنامجاً وجدولاً زمنياً لإزالة الاحتلال ومعه الاستيطان.

أمَّا جبهة المقاومة وهي قضية مثارة في الساحة الفلسطينية، وغالباً ما يجندها البعض في الصراع الداخلي اكثر مما يجندها في الصراع ضد الاحتلال. وأقصد أن هناك من يتعمد إتهام حركة فتح بوقف المقاومة، وبأنها أصبحت حركة مساومة.

أنَّ حركة فتح هي أول من شرَّع المقاومة ضد العدو الاسرئيلي، وحركة فتح تقاوم الاحتلال بالطريقة والاسلوب الذي يخدمُ أهدافنا الوطنية، على أرضية أنَّ العمل العسكري يزرع، والعمل السياسي يحصد، ولكن إذا لم يستطع العمل العسكري أن يزرع، واذا كانت الخسارة فيه اكبر من الربح، فماذا سنحصد سياسياً، لأن الهدف الأساس هو الحصاد السياسي. صحيح أنَّ لكل ظرف، ولكل مرحلة حسابات تختلف عن مرحلة أخرى، وطالما أنت تقاتل من بين شعبك وأهلك حقهم عليك أن تحافظ على أرواحهم إذا استطعت لكن من حيث المبدأ نحن معنيون أن نستمرَّ في مقاومتنا لأن أرضنا محتلة. لكن القيادة هي التي تقرِّر شكل هذه المقاومة وأساليبها، وأدواتها، بعيداً عن المزايدات، وبالتالي المشوار طويل، والعقل والموضوعية هما يتحكمان بشكل المقاومة وتفعيلها.

وعندما نادى الرئيس محمود عباس بالمقاومة الشعبية هو أراد في هذه المرحلة أن يرشِّد المقاومة بحيث يكون الربح اكبر من الخسارة، خاصة أن العدو الاسرائيلي ينتهج خطة القتل والاعدامات الميدانية، ويحاول تبرير ما يفعله بحجة استخدام الفلسطيني للسلاح أو للعنف. وبالتالي القيادة اختارت في هذا الوقت الضائع حيث المنطقة مشتعلة برمتها أن تلجاً المقاومة الحالية إلى إستخدام الحجارة، والاشتباك مع الحواجز، والمسيرات والاعتصامات وهناك من مارس الدهس بالسيارات، وهناك من استعان بالسكاكين، والبعض استخدام الرصاص. وهذه أمور تحتاج من المؤتمر السابع لحركة فتح أن يضع تصوراً واضحاً لعملية المقاومة التي يجب أن تستمر، وأن تتواصل بفاعلية لأننا تحت الاحتلال، وما يتم تقريره من أسس المقاومة يجب الاعداد له شعبيا وجماهيرياً، في الأحياء، والقرى، والمدارس والجامعات لتفعيل هذا الجانب، حتى يعرف العدو أنه محتل، وأنه لا بد ينسحب من أرضنا، لأن الاستمرار في الاحتلال يعني الاستمرار في المقاومة بكل أشكال المقاومة وهي جميعها مباحة لنا، واستناداً الى قوانين الشرعية الدولية.

لقد لفت إنتباهي في إطار البحث الحالي قولٌ للشهيد المرحوم فيصل الحسيني عضو اللجنة المركزية وهو يتحدث عن الجيوش اليونانية عندما أرادت دخول طروادة، لكنها أنهكت وبدأت تنسحب ولم يبق إلاَّ جيش ميناس صاحب القضية.

يقول الشهيد فيصل الحسيني: لو لم تقتنع الولايات المتحدة واسرائيل بأنه لم يتبقَّ من الحركة الوطنية إلاَّ ذلك الحصان الخشبي الخاوي المسمَّى م.ت.ف لما أدخلوها إلى الأسوار. اليونانيون أرادوا هدم طروادة، ونحن نريد بناءها، أدخلوا بطنَ الحصان.

إجعلوا من الحصان بداية العمل وليس نهاية الألم.

وهذا ما ينطبق على واقعنا عندما أدخلنا المرحوم ياسر عرفات إلى الوطن، ودخلنا في قلب حصان طروادة من أجل أن نستعيد أرضنا، وليس من أجل أن ندمِّر طروادة.

رفعت شناعة

مقالات ذات صلة