المقالات

فاشية إسرائيل تحصيل حاصل..لماذا؟

فاشية إسرائيل تحصيل حاصل..لماذا؟

علي جرادات

06 أبريل, 2016

ما دمنا نعيش ذكرى “يوم الأرض” الخالد، وحالة اشتباك انتفاضي ميداني مستمر، مع ما يرتكبه جيش الاحتلال وسوائب مستوطنيه بحق صنَّاعه من إعدامات ميدانية تجاوزت كل معقول، فلنقل، بإيجاز وتكثيف شديديْن، شيئاً عن فاشية إسرائيل، لعله يُذكِّر بحقيقة صهيونية، تُنسى أحياناً، هي:

أن “تُقدس” مجموعة بشرية عرْقِها، يعني، تلقائياً، أنها “تُشيطن” أعراق كل أو بعض “أغيارها”. وفي هذا ما يكفي لولادة الحركات والدول العنصرية بصورها، بما فيها أبشعها العنصرية الفاشية القائمة على تجريد أتباع بعض “الأغيار” من انسانيتهم، تمهيداً لإباحة قتلهم، وتجريم كل من ينتقد سفك دمائهم، ويناهض ما يتلوه، ويترتب عليه، (تقدم الأمر أو تأخر)، من جرائم، وفظاعات، الإبادة الجماعية الممنهجة، والتطهير العرقي المُخطط. وإذا كان هذا هو السبيل لارتقاء العنصرية إلى الفاشية، فبداهة أن تكون فاشية إسرائيل تحصيل حاصل، ارتباطاً بكونها وليد حركة عنصرية استعمارية استيطانية إقصائية احلالية، انكرت وجود الفلسطينيين و”شيطنت” كل العرب، و”قدست” عرق أتباع الديانة اليهودية واستخدمتهم، لإقامة “وطن قومي لليهود” في فلسطين، بما يحولها إلى “يهودية كما هي انجلترا انجليزية، وهولندا هولندية”. وبالتالي، أين الغرابة في أن يرتكب جيش إسرائيل ومستوطنوها جرائم الإعدامات الميدانية، وفظاعات حرق العائلات والفتية والأطفال الرضع أحياء، وإطلاق الرصاص على رأس الجرحى؟!! وأين الغرابة ، أيضاً، في أن يفلت مرتكبو هذه الجرائم والفظاعات من العقاب؟!! وأين الغرابة في أن تصفهم بالأبطال أغلبية ساحقة من يهود إسرائيل، كما تشير نتائج استطلاعات رأيهم، وما يُنشر على صفحات تواصلهم الاجتماعي؟!! بلى، لا عجب، ولا غرابة، فالجرائم التي ترتكب “الآن وهنا”، هي مجرد امتداد لما ارتكبته، على مدار نحو قرنٍ من الزمان، عصابات الحركة الصهيونية، ثم وارثها جيش إسرائيل، بحق الفلسطينيين، خصوصاً، والعرب، عموماً، من مجازر، ومذابح، واغتيالات ممأسسة، وإعدامات ميدانية للجرحى والمعتقلين، وعمليات احتجاز لجثث الشهداء والتمثيل بها، وهدم بيوت عائلاتهم، وجرائم حرب موصوفة، يصعب حصرها.

لكن، لئن كانت إسرائيل تتساوى، في كل ما تقدم، مع كل الحركات والدول العنصرية الفاشية التي عرفها التاريخ الحديث والمعاصر، فإن مشكلتها أكبر، أولاً لأنها تنكر الطبيعة الفاشية لعنصريتها، وثانيا لأنها تتمسك بكذبة أنها “دولة يهودية ديمقراطية”، (بل، و”واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة”)، وبكذبة أن جيشها هو”الجيش الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم قاطبة”. وأكثر، فقيادة إسرائيل تعتبر أن مشكلتها مع الفلسطينيين “لا تتمثل في أنهم يأتون لقتل مواطنيها اليهود، فقط، بل، في أنهم يجيرون جيشها على قتل من يأتي لقتلهم”، أيضاً، وفق ما صاغت الأمر المقبورة غولدا مائير، في زمانها. هنا نعثر على نقطة من بحر خطاب الأحزاب الصهيونية لتبيض صفحة ما ارتكبه جيش إسرائيل، ولا يزال، بحق الفلسطينيين، وغيرهم من العرب، من جرائم وفظاعات لا تُحصى. إنه الخطاب الصهيوني المتهالك الذي يتناسى حقيقة أن “دفاع” جيش إسرائيل، هو، تماماً، كدفاع شخص سيطر، بالقوة، على بيت، ويرفض إخلاءه، أو إخلاء أيٍ من غرفه، ويطلب من صاحب هذا البيت التخلي عن مطلبه العادل، عن حقه المشروع في المقاومة الدفاعية، لأجل استرجاعه.

ولا عجب. فخطاب الأحزاب الصهيونية، على اختلاف أسمائها، وائتلافات حكوماتها، قام أصلاً، ولا يزال، على اعتبار أن حرب 48 كانت مجرد حرب دفاعية عن وجود “الييشوف اليهودي”، وعلى اعتبار أن حرب 67 كانت مجرد حرب دفاعية استباقية لمنع هجوم عربي وشيك لإبادة “دولة اليهود”، ما يعني انكار مسؤولية إسرائيل عما وقع للفلسطينيين من تشريد ولجوء في العام 48، وعما وقع لهم من نزوح قسري في العام 67. هنا ثمة إنكار لحقيقتين، أولاهما أن تأسيس إسرائيل عام 48 تم بعملية تطهير عرقي بشعة، وثانيهما أن توسعها عام 67 تم بعدوان مبيت، وأن هذين الحدثين قلبا، رأساً على عقب، حياة الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية، عموماً، وأن الفترة الزمنية بينهما لم تتجاوز الـ19 عاماً، وأن هذه الفترة لم تكن بالنسبة لإسرائيل سوى استراحة محارب، راح يعد ويستعد، وينتظر الفرصة المناسبة لاستكمال تحقيق حلم المشروع الصهيوني لإقامة “دولة إسرائيل الكبرى”. وهذا ما تثبته، بلا لبس أو شك، واقعتيْن أساسيتيْن، هما:

أولاً: على الرغم من تسميتها لعملية التطهير العرقي البشعة التي ارتكبتها عام 48، بالحرب الدفاعية عن وجودها، كتسمية توحي بزور التزامها بالمساحة التي حددها لها قرار التقسيم من فلسطين، فقد تجاوزت إسرائيل هذه النسبة، (53%)، حتى أصبحت 78%. بل، ومنعت، بالقوة، خلافاً للقرار الدولي 194، عودة اللاجئين إلى ديارهم وبيوتهم التي شردوا منها، وشرعت، فوراً، في مصادرة أرضهم والسيطرة عليها وتهويدها، وارتكبت، مجزرة كفر قاسم، وشاركت، في العام 56، أي بعد 8 سنوات، فقط، على إنشائها، بريطانيا وفرنسا في العدوان الثلاثي على مصر، ذلك من دون نسيان أن الإنذاريْن السوفييتي والأميركي، هما ما أجبرا قادتها، في حينه، على وقف الحرب، والانسحاب من قطاع غزة.

ثانيا: على الرغم من تسميتها للعدوان المبيت الذي شنته عام 67 بالحرب الدفاعية الاستباقية الإضطرارية لمنع تعرضها لحرب عربية وشيكة تستهدف إبادتها، كتسمية توحي بزور استعدادها للتخلي عن “مناطق 67” مقابل الاعتراف بوجودها وأمنها على “حدود 48″، فقد باشرت إسرائيل فوراً، في مصادرة واستيطان وتهويد الأراضي الجديدة التي احتلتها، سواء في الضفة وقطاع غزة، أو في الجولان السوري وسيناء المصرية. بل، ضمت “القدس الشرقية”، وأعلنت القدس بشطريها “عاصمة أبدية لإسرائيل”. وأكثر، فبعد نحو ربع قرن من مفاوضات “الأرض مقابل السلام”، لا تزال إسرائيل، بأحزابها الصهيونية كافة، وحكوماتها المختلفة، تتمسك بلاءاتها المعروفة: لا للانسحاب من كامل “مناطق 67″، ولا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على “حدود الرابع من حزيران”، ولا للتنازل عن القدس “عاصمة إسرائيل الأبدية”، ولا لحق عودة اللاجئين، ولا لوقف عمليات المصادرة والاستيطان والتهويد في الضفة، وقلبها القدس، فضلاً عن استمرار الاستيطان في الجولان السوري، ولا للتنازل عن مطلب الاعتراف باسرائيل، غير محددة الحدود، “دولة للشعب اليهودي”.

هذا يعني أن على كل من يريد أن يفهم إسرائيل فهما عميقا ودقيقاً، ألا يبني سياسته على ما تقول عن “التسوية والسلام”، بل على ما تمارسه على الأرض. فرغم تعدد أحزابها، تبقى الصهيونية واحدة، و”الدولة اليهودية”، هو هدفها، وفرض التعايش بين المواطن والمستوطن، وبين المُستعمر والمستعمَر، هو مسعاها، وتذويب الهوية الوطنية والقومية الفلسطينية، عبر “تحويل الفلسطينيين إلى غبار”، هو حلمها، والعدوان والتوسع من مقتضيات مشروعها، وموضوع الأرض والسيطرة والسيادة عليها هو محور الصراع الوجودي الشامل المفتوح وطويل الأمد معها، ذلك ليس منذ إقامة إسرائيل، بل منذ انطلاق مغامرتها الكبرى المتمثلة بإقامة “دولة يهودية” على “أرض الميعاد”، تنفيذاً لكذبة أنها “أرض بلا شعب”، واتكاءاً على فرضية “الكبار يموتون والصغار ينسون”. أما مقولة نتنياهو: “ستعيش إسرائيل على حد السيف إلى الأبد”، فصحيحة، طالما ظل هو وائتلافه الحكومي المهووس بأساطير التلمود، وتعاليم جابوتنسكي، متشبثاً بالفرضيات الصهيونية الواهمة، ومتناسيا لحقيقة أنه طالما أن الأرض هي جذر الصراع القائم على الإرتباط الروحي بين الإنسان والتراب والعَرق، فإن الغلبة فيه، في نهاية المطاف، تقدم الأمر أو تأخر، هي لمن يدقون هذه الأرض بفؤوسهم، وليس لمن حولوها الى قاعدة للصواريخ، ولمن ينشدون الحياة، وليس للباحثين عن الموت لـ”أغيارهم” ولأنفسهم معاً.

مقالات ذات صلة