المقالات

أوباما في زيارة “سياحية” وطلبا للرضا!!

أوباما في زيارة “سياحية” وطلبا للرضا!!

ياسر الزعاترة

من عادة الرؤساء الأمريكيين أن يستهلوا نشاطاتهم الدبلوماسية بعد توليهم المنصب بزيارة الكيان الصهيوني، لاسيما خلال العقود الثلاثة الأخيرة بعد وضوح سيطرة اللوبي الصهيوني على مفاصل السياسة الأمريكية، لكن المشهد بات مختلفا بعد هيمنة الصهاينة على الكونغرس بديمقراطييه وجمهورييه بعد حقبة بوش الابن، والأرجح أن رئيسا أمريكيا لن يشذ عن هذه القاعدة ما بقيت هذه الحال على ما هي عليه.

أما القول بأن الرئيس الأمريكي في ولايته الثانية يكون أكثر تحللا من الضغوط الصهيونية فلا يبدو صحيحا تماما، إذ بوسع اللوبي الصهيوني أن يطارده بطرق مختلفة، ويثير له الكثير من المتاعب، ولا أحد يجرؤ على ذلك، لاسيما إذا لم تكن الحاجة ماسّة.

من هنا، يمكن القول إن أوباما يأتي إلى الكيان الصهيوني حاجَّا يطلب الرضا، وليس وصيّا يملي الشروط، لاسيما أنه يدرك أن لنتنياهو في الكونغرس الأمريكي من المؤيدين أكبر بكثير مما له هو شخصيا، ولا داعي تبعا لذلك لإثارة المشاكل.

توماس فريدمان، الكاتب المقرب من اللوبي الصهيوني ذهب في مقال له في نيويورك تايمز إلى أن أوباما سيكون أول رئيس للولايات المتحدة يزور إسرائيل “كسائح وليس كوسيط سلام، وهذا ما يجعل التوقعات من هذه الرحلة قليلة”.

نعم، سيكون أوباما سائحا، وسيزور متحف المحرقة، وسيبكي على الضحايا، والأرجح أنه سيزور حائط البراق “المبكى”، وقد يضع فيه ورقة أمنياته أيضا ويعتمر القلنسوة مجاملة لليهود، ولن تشكل زيارته لرام الله أية حساسية للطرف الصهيوني، مع أنها قد تلغى كما قيل مقابل إلغاء زيارة الكنيست، والسبب أن تكريس قناعة قيادة السلطة بدولتها تحت الاحتلال والعض عليها بالنواجذ هو هدف إسرائيلي بامتياز، لاسيما أن تكريس تلك الدولة وفق المواصفات الإسرائيلية هو وحده الكفيل بإبعاد شبح الانتفاضة الثالثة التي تلاحق القيادة الأمية والسياسية في الدولة، فضلا عن المجتمع الذي يعيش استرخاءً أمنيا استثنائيا منذ سنوات، بفضل تعاون السلطة الأمني.

هل سيسعى أوباما لأن يكون وسيط سلام خلال الرحلة؟ قد يكون ذلك صعبا إلى حد كبير، فهو شخصيا من أصعد محمود عباس إلى أعلى الشجرة حين اشترط وقف الاستيطان من أجل استئناف محادثات السلام، بينما لم يكن هذا الشرط ليخطر على بال صاحبنا الذي فاوض أولمرت ثلاث سنوات بينما كانت “بلدوزراته” تمعن تقطيعا في أوصال الضفة الغربية، كما تمعن تهويدا في القدس؛ عبر الاستيطان بطبيعة الحال.

مع ذلك، سيقدم للصهاينة خدمة جيدة إن هو أقنع عباس بالعودة إلى مائدة التفاوض، الأمر الذي قد يحدث من خلال بعض الحلول الإبداعية التي لا تعني الخضوع لشرط وقف الاستيطان، مع أن التفاوض لن يكون من أجل حل نهائي بطبيعة الحال، إذ أيقن الجميع، ومن ضمنهم مستشارو أوباما ومريدوه أن الحل النهائي غير وارد في هذه المرحلة، وأن ما هو متاح هو حل انتقالي بعيد المدى، الذي يعني بتعبير آخر دولة مؤقتة على ما يتركه الجدار من الضفة الغربية، وهي دولة لن يكون الحصول عليها سهل المنال بطبيعة الحال، إذ ستمر بمراحل عديدة يثبت فيها الفلسطينيون أهليتهم لجوار “إسرائيل” كما كان يردد شارون قبل دخوله في الغيبوبة.

اليوم، تحظى الدولة المؤقتة بإجماع في الوسط السياسي الإسرائيلي، وإذا كان عباس يرفضها عمليا، فهو يكرسها في أرض الواقع، وما دام يحقق المطلوب، فلا بأس أن يواصل الرفض، لكن الدولة باتت عضوا مراقبا في الأمم المتحدة، وليس مستبعدا أن تصبح عضوا كاملا حين تقترب من حدود الجدار كي تغدو في نزاع حدودي مع جارتها لا أكثر ولا أقل.

الملفات الأخرى التي تعني تل أبيب ليست في حاجة لزيارة أوباما أصلا، لكن مناقشتها أثناء الزيارة ستجعل النتيجة برسم المجاملة، مجاملة الزائر لأهل البيت. والملفات التي نعنيها هي سوريا التي لم يتحرك فيها أوباما إلا على إيقاع الهواجس الإسرائيلية، حيث منع التسليح النوعي لأجل تدمير لبلد وإشغاله بنفسه لعقود. والآن يجري التركيز على البديل القادم، كي لا يكون مزعجا، فيما يبدو أن واشنطن لم تعد تمانع (بطلب إسرائيلي) في بقاء بشار الذي يعني هزيمة الثورة والنظام معا وربحها هي فقط، من دون إغفال مصير السلاح الكيماوي، ومنصات الصواريخ بعيدة المدى، والصواريخ المضادة للطيران في حال وقوع المحظور وسقوط النظام.

تبقى إيران، وفيما سيعمل أوباما كما ذهبت “يديعوت أحرونوت” على حث نتنياهو على عدم توجيه ضربة عسكرية لإيران قبل انتخابات الرئاسة في حزيران، فإنه يدرك على الأرجح أن نية توجيه الضربة غير متوفرة أصلا، بل هي تستخدم من أجل حث العقوبات التي ستفضي كما يبدو إلى تجرع قادة إيران لكأس السم، والتخلي عن حلمهم النووي مقابل رفع العقوبات، مع أنهم يأملون بضم سوريا للصفقة.

يبقى القول إن الشعب الفلسطيني لم ولن يعول، لا على زيارة أوباما، ولا مجاملات الأوروبيين، وهو يدرك سقف التوقعات من نتنياهو ومن معه، لكن شوقه لتفجير الانتفاضة لا زال يُواجه بإجراءات وسياسات عاتية من طرف السلطة ومن طرف الاحتلال وداعميه. متى تنجح تلك الإجراءات في الحيلولة دون تفجر الانتفاضة؟ الله أعلم.

الدستور، عمان، 17/3/2013

مقالات ذات صلة