المقالات

غزة تعيد ترتيب ملفاتها الشائكة: هموم المقاومة والوحدة والمصالحة والتنمية

غزة تعيد ترتيب ملفاتها الشائكة: هموم المقاومة والوحدة والمصالحة والتنمية

قاسم قصير

الوصول إلى غزة ليس أمراً سهلاً برغم التغيرات العربية والثورات المستمرة. الطريق من بيروت إلى غزة، مروراً بالقاهرة والعريش ورفح المصرية، يحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير وإجراءات أمنية ولوجستية معقدة، لكن الوصول إلى الجانب الفلسطيني من معبر رفح ينسي القادم إلى غزة كل التعب والإرهاق وساعات الانتظار الطويلة. لقد أصبح الزائر في أرض غزة المحرّرة وتحت سلطة قوى المقاومة، كما أن الاستقبال الودي والحار من أبناء الشعب الفلسطيني والشرطة والمسؤولين في الحكومة الفلسطينية في غزة يدخل إلى قلب المسافر مشاعر العزة والفخر، فأنت الآن أصبحت في أرض فلسطينية محرّرة من أيدي الاحتلال بقوة المقاومة وجهاد المقاومين، وهذه الفرحة يتشارك فيها المواطنون العرب والمسلمون والأجانب القادمون، ضمن «قافلة أميال من الابتسامات – 19». هؤلاء جاءوا من أكثر من إحدى عشرة دولة، إضافة إلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين يزورون دولتهم فلسطين ليتنسموا هناك أجواء الحرية، بعيداً عن الإجراءات الأمنية المتشددة حول مخيماتهم.

إذاً، ها نحن في غزة، نلتقي هناك أبناء الشعب الفلسطيني وقيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي ومسؤولي الحكومة الفلسطينية، يتقدمهم إسماعيل هنية ونائب رئيس المجلس التشريعي الدكتور أحمد بحر، إضافة للعديد من مسؤولي المؤسسات التعليمية والصحية كالجامعة الإسلامية ومستشفى الشفاء. نتفقد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في أرضهم والمناطق التي تحررت من أيدي العدو الصهيوني والتي أعاد الفلسطينيون استثمارها وزراعتها وبناء المؤسسات عليها، كما شمل البرنامج لقاءات مع الأسرى المحررين وعوائل الأسرى في السجون الإسرائيلية والمشاركة في مهرجان تضامني معهم، فضلاً عن تفقد المناطق المحاذية لحدود فلسطين المحتلة في العام 1948.

تتوزع الهموم الغزاوية، سواء لدى المسؤولين أو المواطنين أو مسؤولي مختلف المؤسسات، ما بين كيفية تفعيل المقاومة والحفاظ على دورها وموقعها والبحث عن مصادر وأنواع جديدة للأسلحة استعداداً للمعركة المقبلة والمتوقعة في أية لحظة، وما بين متابعة هموم المصالحة التي انطلقت خطواتها العملية بين غزة ورام الله والقاهرة تحت عيون مصرية أميركية – إسرائيلية، إضافة لمواكبة عملية الإعمار والبناء والتنمية التي تتوزع في كل مناطق القطاع بدعم عربي وإسلامي ودولي ومحلي. لكن الهمّ الأكبر، الذي يشغل بال الغزاويين وضيوفهم العرب والمسلمين، يتركز على مراقبة ما يجري في الدول العربية وكيفية حماية الوحدة العربية والإسلامية في مواجهة التكفيريين والتقسيميين ومعالجة ما يجري من محاولات لتمزيق الأوطان والمجتمعات.

الحديث عن المقاومة يبقى سرياً وخاصاً ويفضل الجميع الابتعاد عن التفاصيل الميدانية والعملانية، لكن الجميع هنا يؤكدون استمرار الاستعدادات والتدريبات والعمل للحصول على المزيد من الأسلحة تحضيراً للمعركة المقبلة، لأن العدو الصهيوني لن يقبل السكوت عن الهزيمة في معركة «السجيل» الأخيرة. بموازاة ذلك، يقول المسؤولون المعنيون إن أية معركة مقبلة ستحمل المزيد من المفاجآت وسيتم نقل المعركة إلى خارج غزة، والضفة الغربية والأراضي المحتلة العام 1948 لن تكون بعيدة عن الصراع، ويؤكد مسؤولو حماس والجهاد الإسلامي على دور إيران و«حزب الله» بالمساعدة في التسليح والتدريب. وهم يقولون لمن يراجعهم من وفود خليجية وعربية حول العلاقة بإيران: أعطونا السلاح وساعدونا في المقاومة لكي تكونوا شركاء في هذه المعركة.

أما بشأن المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، فيقول القائم بوزارة الخارجية والقيادي في حركة «حماس» الدكتور غازي حمد «عجلة المصالحة تحركت وهناك بدايات جيدة، وقد دخلنا في تنفيذ الجداول المحددة. ولجنة الانتخابات بدأت عملها في غزة والاجتماع بشأن إعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية انعقد في القاهرة بحضور الرئيس محمود عباس وقيادات الفصائل وسيتابع لاحقاً، واللجان الأخرى تعقد اجتماعاتها بشكل متتال لمعالجة كافة القضايا، وإن كان هناك بعض العقبات العملية، منها حصول بعض الاعتقالات في الضفة الغربية إضافة للضغوط الأميركية والإسرائيلية لإفشال المصالحة، لكن الراعي المصري مُصرّ على استكمال الخطوات العملية والسياسية وهناك متابعة دائمة من قبله، ونحن جادون بالتجاوب مع كل الإجراءات العملية».

من جهته، يقول القيادي في الجهاد الإسلامي خالد البطش (وهو مسؤول لجنة الحريات وبناء الثقة) إن «المصالحة مصلحة وطنية وهي ضرورية للشعب الفلسطيني وأحد ركائز المقاومة للنهوض والاستمرار وإعادة دورها في الضفة الغربية وتوحيد الصف الوطني خلف المقاومة. كما تعمل على بناء استراتيجية فلسطينية موحدة لإدارة الصراع مع إسرائيل وترتيب البيت الفلسطيني، وإن كان لكل طرف فلسطيني وجهة نظر حول أهداف المصالحة وما يريده منها. ونحن نعتقد أن المصالحة ستتحقق ما لم تحدث مفاجآت غير عادية، خصوصاً في ظلّ الضغوط من الشعب الفلسطيني والراعي المصري مع الاعتراف بوجود عقبات حقيقية.

وهناك قضية هامة تشغل بال القيادات الفلسطينية هي متابعة ما يجري في الدول العربية من أحداث وثورات، وانعكاساتها على دور المقاومة والوحدة الوطنية والإسلامية. وفي السياق، يؤكد القياديان الفلسطينيان الدكتور غازي حمد وخالد البطش إلى جانب وزير الأوقاف الدكتور إسماعيل رضوان على عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية، وإن عبروا عن وقوفهم مع تحقيق الشعوب العربية لحقوقها في الديموقراطية ورفض الاستبداد. وأبدى هؤلاء مخاوفهم من التحركات والمواقف التي تطلقها بعض الجهات ضد الوحدة الإسلامية، والتي تساهم بنشر الفتنة المذهبية. ويكشف عدد من القيادات الفلسطينية عن محاولات تبذلها بعض الجهات الإسلامية المتشددة للتحريض ضد بعض المذاهب الإسلامية أو جهات عربية وإسلامية، لكنها لم تلق القبول لدى هذه القيادات، ويؤكد هؤلاء المسؤولين على العمل لإطلاق مبادرات عملية وحدوية في المرحلة المقبلة.

وقد تكون بعض الحوارات التي جرت على هامش الزيارة مع بعض الوفود العربية والإسلامية حول القضايا المذهبية والمواقف بشأن حزب الله وإيران والشيعة مؤشراً خطيراً حول مدى تغلغل الخلافات المذهبية لدى الشعوب العربية والإسلامية، والتي تختلط فيها الحقائق بالأساطير والأكاذيب بالاتهامات الباطلة مع استحضار الجوانب الفكرية والفقهية والتاريخية. وكل ذلك يتطلب جهوداً مكثفة لمعالجة هذه الأجواء السلبية، وهذا ما وعدت بتنفيذه القيادات الفلسطينية.

أما على صعيد ورشة البناء والإعمار والتنمية فهي منتشرة في كل مناطق القطاع، والحكومة الفلسطينية في غزة لديها برنامج متكامل لمعالجة مختلف الملفات الاجتماعية والاقتصادية، وإن كان الحمل كبيراً ويتطلب المزيد من المساعدات والدعم العربي والإسلامي والدولي. وهناك جهود كثيرة تبذل في هذا الإطار من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وعدد من الدول العربية والإسلامية، لكن تبقى الحاجات أكبر من التقديمات ولذلك تلعب الجهود الفردية وقوافل كسر الحصار والجهود الشعبية دوراً مهماً في دعم الشعب الفلسطيني.

وفي ختام الزيارة، التي لم تشمل الإطلاع على كل تفاصيل الحياة اليومية لأبناء الشعب الفلسطيني، فإن الانطباع الأساسي الذي خرج به أعضاء وفد «قافلة أميال من الابتسامات – 19» مفاده أن «في غزة شعباً يقاوم ويبني ويعمل من أجل حياة كريمة لاستعادة كل أراضيه المحتلة وصولاً لتحرير القدس الشريف، وأن كل الإغراءات والضغوط وأشكال الحصار والاعتداءات الصهيونية لن تقف حجرعثرة أمام هذا الشعب ومقاومته».

السفير، بيروت، 13/2/2013

مقالات ذات صلة