المقالات

فلسطين ضحية المرحلة

فلسطين ضحية المرحلة

بقلم رائف حسين*

في بداية الحراك العربي بتونس ولاحقاً في مصر استبشر الفلسطينيون خيراً من الاشارات التي تتبعها المراقب والشعارات التي رفعتها حركة الشباب المنتفض في كل من الشارع التونسي والمصري. التضامن مع الشعب الفلسطيني والتنديد بالاحتلال وكذلك التنديد بالمتواطئين العرب من قوى رجعية وكومبرادور انتهازي كانت الصورة المميزه للتحركات في اشهرها الاولى.

فُلِجَ صدر الشعب الفلسطيني لهذه الصور وهذا الدعم المعنوي. هذا التضامن المميز دفع العديد من المحللين ليبدأوا، كانوا برأيي انذاك متسرعون ومتفائلون دون سبب، برسم سيناريو جديد للتضامن العربي ودعم الشعب الفلسطيني وما سيؤول عن كل هذا التحرك من قاعدة جديدة اخرى لاية محادثات سلام مستقبلية مع اسرائيل. كل هذا التفاؤل انقشع للاسف كالضباب وتبين انه سراب لم يترك سوى آمال معلقة بقلوب الفلسطينيين وعم الاحباط الشارع الفلسطيني بعد ان انجلت الصورة وتبينت الحقيقة كاملة. بعد سنتين ونيف من الحراك تبين واضحاً ان القضية الفلسطينية اصبحت قضية ثانوية تكاد لا تذكر ليس فقط في المحافل الرسمية بل ايضاً في قلب الحراك العربي. قضية فلسطين تحتل الان في السياستين العالمية والاقليمية موقع هامشي ليس الا. الجماهير العربية منشغلة بهمومها اليومية وفي صراعاتها الداخلية.

معظم الدول العربية الداعمة تقليديا لفلسطين غارقة الان بقلاقل داخلية وحروب اهلية نهايتها ستكون مدمرة للاقتصاد الوطني المحلي ولبنية المجتمع المدني في الشرق الاوسط.

اضافة لهذا اتت الاصطفافات القديمة الجديدة بين انظمة الخليج العربي بقيادة الوهابية السعودية والاخوان المسلمين في المنطقة واشعلت فتيلة العدواة المذهبية والحرب الطائفية في الشرق. والامر يزداد مأساة مع الحقيقة المرة ان الضعف القاتل للقوى التقدمية الديمقراطية والليبرالية بالعالم العربي وتراجع تأثيرها امام تديين السياسة وعدم قدرتها على مواجهة المتطلبات الجديدة يزيد من تأزيم الواقع ولا يبشر خيراً في الفترة القادمة. هذا الوضع المعقد في العالم العربي اضعف دون شك حركة الشارع وشق قوى التضامن مع فلسطين.

اصطفاف بعض القوى الفلسطينية، لاسباب ايدولوجية فؤوية ضيقة وقراءة خاطئة للواقع العربي ، الى جانب اطراف الصراع في بعض الاقطار العربية ضد طرف اخر ادخل الشعب الفلسطيني وقضيته في متاهة لا مخرج سهل منها. وزاد هذا التدخل الذي لم يبقى على مستوى التصريحات السياسية فقط، دون شك من تفاقم الوضع الفلسطيني ورسخ الانقسام في فلسطين المحتلة.

هذه العوامل مجتمعة دفعت القيادة المتنفذه للشعب الفلسطيني، التي كانت اصلاً تنتظر مثل هذه “الفرصة الذهبية” الى المغامرة ببدء مفاوضات عبثية مع الاحتلال الصهيوني والعودة الى تسويق الفكرة الانتهازية القديمة ” القليل افضل من لا شيء!”

الولايات المتحدة واسرائيل وايضاً بعض دول السوق الاوروبية التي شاركت بالضغط على قيادة رام الله واستدراجها للبدأ بالمفاوضات مع الاحتلال، كانت وما زالت تدرك مدى الضعف الذي تعيشه القيادة الفلسطينية في ظل الاوضاع في المنطقة وان امكانيات اقناع هذه القيادة الفلسطينية بحل على المقاس الصهيوني لم تتوفر في السنوات الماضية . قيادة دولة فتح في رام الله استغلت، وبانتهازية تشمأز لها النفوس، الوضع الاقتصادي الحرج والوضع النفسي المحبط لدى ابناء الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة للتسويق لسياسة المفاوضات العبثية.

الاحداث الاخيرة في فلسطين وخصوصاً في القدس المحتل وانعدام الرد العربي الرسمي والجماهيري على تدنيس المقدسات والقتل والاعتقالات ومن قبلها الاعلان عن المخططات الصهيونية لطرد بدو النقب الفلسطيني من اراضيهم، هو البرهان القاطع على ان الخاسر الاكبر في هذه المرحلة هي قضية فلسطين وشعبها باكمله.

وفي النهاية نشير مرة اخرى الا انه دون حركة شعبية فلسطينية لتصويب المسار الفلسطيني وانهاء الانقسام سوف تواجه فلسطين في الاشهر القادمة مستقبلاً قاتماً سيرسم الحالة الفلسطينية لسنوات طويلة.

* مدير معهد الدراسات الاستراتيجية للشرق الاوسط – هانوفر/ المانيا

مقالات ذات صلة