المقالات

في الذكرى 89 لإشراقه شمس الحرية .. جيفارا سيرة إنسان

16 حزيران / يونيو 2017

إذا سألتم يوماً عن تشي جيفارا، أجيبوا: “عاش إنسان، ومات من أجل الإنسان، تحل اليوم الذكرى 89 لـ “إشراقه شمس الحرية”، على أصقاع المثقلة بالقهر والفقر والاستبداد، انه مولد الثائر الأممي إرنستو تشي جيفارا، “14 يونيو 1928 – 9 أكتوبر 1967″، 89 عاماً مرت على ميلاد إرنستو تشى رافاييل جيفارا دلاسيرنا ايقونة الثورة ووجهة المتطلعين إلى شمس الحرية في كل بقاع العالم، ولد ارنستو تشى جيفارا في 14 يونيو/حزيران 1928 في روزاريو، وأصيب بالربو منذ طفولته ولازمه المرض طوال حياته، ومراعاة لصحة الطفل “تشي” المصاب بالربو استقرت أسرته في ألتا غراسيا في السيرا دو كوردوبا، وفيها أسس والده لجنة مساندة للجمهورية الإسبانية عام1937. وفي 1944، واستقرت الأسرة في بيونس ايريس، ومنذ العام 1945 إلى عام 1953، ويذكر عندما “تشي” طفلاً، عادا من المدرسة مبكراً، ذات يوم وعند وصوله إلى المنزل بدون حذاء سألته الخادمة: “أين حذائك يا جيفارا”، أجابها جيفارا: “لقد أعطيته لزميلي لأنهم لم يسمحوا له بدخول المدرسة بدون حذاء، وهو لم يكن يمتلك حذاء، فأعطيته حذائي، ولا تقلقي لدى حذاء آخر على كل حال، فالإنسانية تولد ولا تكتسب.

أتم إرنستو بنجاح دراساته الطبية، وجعلته صلته بأكثر الناس فقراً وحرماناً وبالمرضى مثل المصابين بالجذام، وكذلك سفره المديد الأول عبر أمريكا اللاتينية، واعياً بالتفاوت الاجتماعي وبالظلم. إمتهن الطب، إلاّ أنه ظل مولعاَ بالأدب والسياسة والفلسفة.

سافر أرنستو تشي غيفارا إلى غواتيمالا عام 1954 على أمل الانضمام إلى صفوف الثوار لكن حكومة كاستيلو أرماس العميلة للولايات المتحدة الأميركية قضت على الثورة، لينتقل بعد ذلك إلى كوبا حيث التقى بفيدل كاسترو وأشعلوا الثورة ضد نظام حكم “باتيستا” الرجعي حتى سقوطه سنة 1959، وتولى منصب رئيس المصرف الوطني سنة 1959، ووزارة الصناعة “1961 -1965″، حصل تشي بالكاد على شهادته لما غادر من جديد الأرجنتين نحو رحلة جديدة عبر أمريكا اللاتينية، وقد كان عام 1951، خلال رحلته الأولى، قد لاحظ بؤس الفلاحين الهنود، كما تبين استغلال العمال في مناجم النحاس بشيلي والتي تملكها شركات أمريكية، وفي عام 1953 في بوليفيا والبيرو، مروراً بباناما وبلدان أخرى، ناقش مع منفيين سياسيين يساريين من كل مكان تقريباً، ولاسيما مع كاستر وبين كوبيين. تسيس، وفي تلك اللحظة قرر فعلاً الالتحاق بصفوف الثوريين، واعتبر نفسه آنذاك شيوعياً، وفي العام 1954 توقف في غواتيمالا التي كانت تشهد غليانا ديمقراطياً في ظل حكومة جاكوب أربنز، وشارك تشي في مقاومة الانقلاب العسكري الذي دبرته المخابرات الأمريكية والذي أنهي الإصلاحات الزراعية التي قام بها أربنز، وثقلت هذه التجربة فكره السياسي، والتحق آنذاك بالمكسيك، وهناك تعرف في تموز/ يوليو 1955 على فيديل كاسترو الذي لجأ إلى ميكسيكو بعد الهجوم الفاشل على ثكنة مونكادا في سانتياغو دو كوبا. وجنده كاسترو طبيباً في البعثة التي ستحرر كوبا من ديكتاتورية باتيستا. وهناك سمي بـ “تشي CHE” وهو تعبير تعجب يستعمله الأرجنتينيون عملياً في نهاية كل جملة، وفي حزيران/يونيو 1956 سجن تشي في مكسيك مع فيدل كاسترو ومجموعة متمردين كوبيين، واطلق سراحهم بعد شهرين، وفي 1959 اكتسح رجال حرب العصابات هافانا برئاسة فيدل كاسترو واسقطوا الديكتاتورية العسكرية لفولجنسيو باتيستا، هذا برغم تسليح حكومة الولايات المتحدة وتمويلها لباتيستا ولعملاء الـ CIA داخل جيش عصابات كاسترو، دخل الثوار كوبا على ظهر زورق ولم يكن معهم سوى ثمانين رجلا لم يبق منهم سوى 10 رجال فقط، بينهم كاسترو وأخوه “راؤول” وجيفارا، ولكن هذا الهجوم الفاشل أكسبهم مؤيدين كثيرين خاصة في المناطق الريفية، وظلت المجموعة تمارس حرب العصابات لمدة سنتين وخسروا نصف عددهم في معركة مع الجيش، كان خطاب كاسترو سبباً في إضراب شامل، وبواسطة خطة جيفارا للنزول من جبال سييرا باتجاه العاصمة الكوبية تمكن الثوار من دخول العاصمة هافانا في يناير 1959 على رأس ثلاثمائة مقاتل، ليبدأ عهد جديد في حياة كوبا بعد انتصار الثورة وإطاحتها بحكم الديكتاتور “باتيستا”، وفي تلك الأثناء اكتسب جيفارا لقب “تشي” الأرجنتيني، وتزوج من زوجته الثانية “إليدا مارش”، وأنجب منها أربعة أبناء.

بعد أن طلق زوجته الأولى، برز تشي جيفارا كقائد ومقاتل شرس جداً لا يهاب الموت و سريع البديهة يحسن التصرف في الأزمات، لقد تعدى جيفارا كونه طبيب بل أصبح قائداً برتبة عقيد، وشريك فيدل كاسترو في قيادة الثورة، وقد أشرف كاسترو على إستراتيجية المعارك بينما قاد وخطط جيفارا للمعارك، عرف كاسترو بخطاباته التي صنعت له وللثورة شعبيتها، لكن جيفارا كان خلف أدلجة الخطاب وإعادة رسم ايديولوجيا الثورة على الأساس الماركسي اللينيني، صدر قانون يعطي الجنسية والمواطنية الكاملة لكل من حارب مع الثوار برتبة عقيد، ولم توجد هذه المواصفات سوى في جيفارا الذي عين مديرا للمصرف المركزي وأشرف على محاكمات خصوم الثورة وبناء الدولة في فترة لم تعلن فيها الثورة عن توجهها الشيوعي، وما أن أمسكت الثورة بزمام الأمور – وبخاصة الجيش- حتى قامت الحكومة الشيوعية التي كان فيها جيفارا وزيراً للصناعة وممثلاً لكوبا في الخارج ومتحدثاً باسمها في الأمم المتحدة، كما قام بزيارة الإتحاد السوفيتي والصين، واختلف مع السوفييت على إثر سحب صورايخهم من كوبا بعد أن وقعت الولايات المتحدة معاهدة عدم اعتداء مع كوبا، تولى جيفارا بعد استقرار الحكومة الثورية الجديدة – وعلى رأسها فيدل كاسترو- على التوالي، وأحيانا في نفس الوقت المناصب التالية: سفير منتدب إلى الهيئات الدولية الكبرى، منظم الميليشيا، رئيس البنك المركزي، مسؤوول التخطيط، وزير الصناعة.

سافر تشي جيفارا إلى الكونغو ثم ظهر فجأة في بوليفيا. لم يكن مشروع “تشي” خلق حركة مسلحة بوليفية، بل التحضير لرص صفوف الحركات التحررية في أمريكا اللاتينية لمجابهة النزعة الأمريكية المستغلة لثروات دول القارة. منذ بداية عام 1967، وجد جيفارا نفسه مع مقاتليه العشرين، وحيداً يواجه وحدات الجيش المدججة بالسلاح بقيادة السي أي إيه في براري بوليفيا الاستوائية، أراد جيفارا أن يمضي بعض الوقت في حشد القوى والعمل على تجنيد الفلاحين والهنود الحمر من حوله، ولكنه أجبر على خوض المعارك مبكراً، وقد قام “تشي” بقيادة مجموعة من المحاربين لتحقيق هذه الأهداف، وقام أثناء تلك الفترة الواقعة بين 7 نوفمبر 1966 و7 أكتوبر 1967 بكتابه يوميات المعركة، ألقي القبض على اثنين من مراسلي الثوار، فاعترفوا تحت قسوة التعذيب أن جيفارا هو قائد الثوار، فبدأت حينها مطاردة لشخص واحد. بقيت السي أي أيه على رأس جهود الجيش البوليفي طوال الحملة، فانتشر آلاف الجنود لتمشيط المناطق الوعرة بحثاً عن أربعين رجلاً ضعفاء وجياع. قسم جيفارا قواته لتسريع تقدمها، ثم أمضوا بعد ذلك أربعة أشهر متفرقين عن بعضهم في الأدغال، إلى جانب ظروف الضعف والعزلة هذه، تعرض جيفارا إلى أزمات ربو حادة، مما ساهم في تسهيل البحث عنه ومطاردته،.. وفي يوم 8 أكتوبر 1967 وفي أحد وديان بوليفيا الضيقة هاجمت قوات الجيش البوليفي المكونة من 1500 فرد مجموعة جيفارا المكونة من 16 فرداً، وقد ظل جيفارا ورفاقه يقاتلون 6 ساعات كاملة وهو شيء نادر الحدوث في حرب العصابات في منطقة صخرية وعرة، تجعل حتى الاتصال بينهم شبه مستحيل، وقد استمر “تشي” في القتال حتى بعد موت جميع أفراد المجموعة رغم إصابته بجروح في ساقه إلى أن دمرت بندقيته “م-2” وضاع مخزن مسدسه وهو ما يفسر وقوعه في الأسر حياً، نقل “تشي” إلى قرية “لاهيجيرا”، وبقي حياً لمدة 24 ساعة، ورفض أن يتبادل كلمة واحدة مع من أسروه. وفي مدرسة القرية نفذ ضابط الصف “ماريو تيران” تعلىمات ضابطيه: “ميجيل أيوروا” و”أندريس سيلنيش” بإطلاق النار على “تشي”، فقد دخل ماريو عليه متردداً فقال له “تشي”: “أطلق النار، لا تخف”، إنك ببساطة ستقتل مجرد رجل”، لكنه تراجع، ثم عاد مرة أخرى بعد أن كرر الضابطان الأوامر له فأخذ يطلق الرصاص من أعلى إلى أسفل تحت الخصر حيث كانت الأوامر واضحة بعدم توجيه النيران إلى القلب أو الرأس حتى تطول فترة احتضاره، إلى أن قام رقيب ثمل بإطلاق رصاصه من مسدسه في الجانب الأيسر فأنهى حياته، وقد رفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأخيه أو حتى تعريف أحد بمكانه أو بمقبرته حتى لا تكون مزاراً للثوار من كل أنحاء العالم.

وقد شبت أزمة بعد عملية اغتياله وسميت بأزمة “كلمات جيفارا” أي مذكراته، وقد تم نشر هذه المذكرات بعد اغتياله بخمسة أعوام وصار جيفارا رمزاً من رموز الثوار على الظلم، فقد نشر فليكس رودريجيس، العميل السابق لجهاز المخابرات الأميركية “CIA”عن إعدام تشي جيفارا، في العام 1997م كشف النقاب عن جثمانه وأعيد إلى كوبا، حيث قام الرئيس الكوبي السابق الراحل فيدل كاسترو بدفنه بصفة رسمية، وكانت اخر كلمات نطقها، تشى جيفارا، قبل أيام من إعدامه: “أنا لا أؤمن بديانة أو مذهب محدد، أنني أؤمن بأن الله هو كل شيء وأن الحرية هي الأنسان،. وتشير شهادة الوفاة التي صدرت في 10 اكتوبر 1967 من قبل الدكتور موسيس ابراهم بابتيستا و خوسيه مارتنيز كازو، مشفي Night of Mlte بفالي غراندي ببوليفيا، يشار إلى أن في 9 اكتوبر الساعة 5 و النصف، وصل الجثمان و قال فرد السلطات العسكرية انها جثة ارنستو جيفارا لينش البالغ من العمر 40 عامًا تقريبًا، سبب الوفاة هو الإصابة بعدة أعيرة نارية في الصدر و الاطراف، المرفق رقم 2- تقرير المشرحة، صدر تقرير المشرحة في 10 اكتوبر 1967 من قبل الدكتور ابراهم بابتيستا و مارتنيز كازو، يشير التقرير الى ان الجثة المعروفة بـ اسم ارنستو جيفارا كانت في الأربعين من العمر، بشرة بيضاء، طول 1.73 متر تقريبًا، شعر بني مجعد، لحية كثيفة مجعدة و شارب، حواجب كثيفة، انف مستقيم، شفاه ممتلئة، فم مفتوح، اسنان في حالة جيدة مع ملاحظة وجود بقايا نيكوتين، غماز في الجهة اليسرى، عيون زرقاء خفيفة، لياقة جسدية عادية، ندوب تقريبًا على طول الجانب الأيسر من الخلف، الفحص المبدئي أظهر ما يلي:-

1- طلقة في الجهة اليسرى من الترقوة مع الخروج من عظام الكتف

2- طلقة في الجهة اليمنى من الترقوة مع حدوث كسر في تلك المنطقة بدون الخروج

3- طلقة مستقرة في الجانب الأيمن

4- طلقتان في الجانب الأيسر، مع الخروج من الظهر

5- طلقة في الجانب الأيسر من الصدر ما بين الفقرتين التاسعة والعاشرة مع الخروج من الجانب الأيسر

6- طلقة في الجزء الثالث السفلي من الفخد الأيمن

7- طلقة في الجزء الثالث السفلي من الفخد الايمن في منطقة سيتون

8- طلقة في الجزء السفلي من الساعد الأيمن مع كسر عظام الزند

–عند فتح الصدر وجد إصابة في قمة الرئة اليسرى بجروح طفيفة من الإصابة الأولى، وتذكر الوقائع التاريخية، انه بعد القبض على “تشي جيفارا” وإعدامه في 9 أكتوبر 1967، قام قاتليه بدعوة المصورين لإلتقاط صورة، ليثبتوا للجميع أن هذا هو موت “تشي العظيم”، ولكن صورة التي التقاطها حينذاك أضافت تأثيراً عميقاً لإسطورة ” تشي جيفارا “، وهو الخوف في أعين قاتليه حتى بعد وفاته، جيفارا لم يمت، جيفارا عاش في قلوب وعقول الملايين.

واليوم في هذه المناسبة اسمحوا لي ان أقدم لكم نصًا مترجمًا من “The Motorcycle Diaries”، يوميات رحلته في أمريكا اللاتينية قبل انخراطه في الثورة، فلندع جيفارا الإنسان يتحدث عن نفسه: “السبت، الرابع عشر من حزيران، 1952، ها أنا، أصل هرمًا إلى جيل 24، إنها حدود ربع القرن القدريّة، زواجي الفضّي مع الحياة التي لم تظلمني ظلمًا مبالغًا فيه. ذهبت إلى النهر منذ الصباح لأسترد حظّي مع الأسماك، إلا أن الصيد مثل القمار: في البداية تبدأ بالربح، ثم تأتي الخسارة. في المساء لعبنا مباراة كرة قدم، ووقفت حارسًا للمرمى مثل العادة، إلا أنني نجحت أكثر من المرات السابقة، في الليل، بعد وجبة عشاء كبيرة وشهيّة في بيت الدكتور برشياني، نُظمت على شرفنا حفلة في غرفة الطعام، كان فيها الكثير من المشروب الوطني- بيسكو. كان ألبيرتو قد مر بتجربة معينة مع تأثير هذا المشروب على جهازه العصبي. وعند نشوة المزاج رفع رئيس الجالية كأسًا وحيّانا بكلمات ودودة جدًا. أما أنا، وبعد أن كنت غارقًا في البيسكو، نجحت بأن أقول شيئًا من هذا القبيل، حسنًا، إني أشعر بأنه من واجبي شكر الدكتور برشياني أكثر بكثير مما هو مألوف، إلا أنه في وضعنا التعيس، ليس بإمكاننا أن نعبر عن شعورنا إلا بالكلمات، وعبر الكلمات أود أن أعبر عن شكري -أنا وصديقي في السفر- لكل العاملين في الجإلىة على الود والصداقة الطيبة التي أبديتموها، وعلى احترامكم لنا دون أدنى معرفة مسبقة بنا. وبالطبع، أشكركم على شرف احتفالكم بعيد ميلادي كأنه مناسبة شخصية لكل واحد منكم. وشيء إضافي: في الأيام القليلة القادمة سنترك أرض بيرو. إذن، فلكلماتي يوجد داع آخر؛ أن نقول الوداع. بودّي أن أشكركم من كل قلبي، لكم ولكل أبناء هذا البلد الذين غمرونا فضلًا دون أي تردد منذ وصلنا إلى هنا عابرين حدود تكنا، والآن أود أن أضيف أمرًا آخر وإن كان خارجًا عن الموضوع: بالرغم من أننا نصغر أمام الخطابة لأجل هذا الهدف، إلا أننا نؤمن –خاصةً بعد هذه الرحلة- بأن أمريكا مقسّمة لوحدات وطنية وهمية ودون أي أساس. من المكسيك حتى مضيق ماغيلان، كلنا أبناء عرق مختلط واحد، وبيننا قواسم قومية واضحة توحدنا، لذلك أحاول قدر المستطاع أن أمتنع من كل محدودية في نفسي، أو ضيق أفق. لذا، فلنشرب الآن نخب بيرو، ونخب أمريكا الموحدة، لقد لاقى خطابي تصفيقًا وهتافا حارّيْن. الحفلة انتهت عند الثالثة فجرًا، بعد أن تحولَت في هذا الجزء إلى سعي للقضاء على أكبر كمية.

نقلاً عن موقع الحزب الشيوعي اللبناني

مقالات ذات صلة