المقالات

7 محطات فلسطينية

يشغل محمود عباس أربعة مناصب رئاسية، إذ إنه رئيس “اللجنة المركزية” لحركة فتح، و”اللجنة التنفيذية” لمنظمة التحرير الفلسطينية، و”السلطة الوطنية” في الضفة الغربية المحتلة، ومؤخراً رئيس “الدولة الفلسطينية غير العضو في الأمم المتحدة”. وبالتالي فإن ما يصرح به أو يسكت عنه في لقائه مع أجهزة الإعلام إنما هو رأيه كمسؤول فلسطيني من المفترض أنه ملتزم بالثوابت الوطنية والقومية في الصراع العربي – الصهيوني. وعليه فإن من حق أي عربي مناقشته إن رأى في ما صرح به أو سكت عنه أدنى مساس بالثوابت الوطنية والقومية في الصراع التاريخي مع الامبريالية وأداتها الصهيونية.

وفي لقائه مع “فضائية الميادين” في الأسبوع الماضي ذكر أن الفصائل اتفقت باجتماع قيادي في القاهرة على أربع قضايا . حين تقرأ في ضوء معطيات واقع حركة المقاومة العربية والكيان الصهيوني تعكس خللاً في رؤية الذين اتفقوا عليها لواقع طرفي الصراع في الزمن الراهن بأكثر مما كان عليه خلل الرؤية عشية توقيع اتفاق أوسلو، ما يرجح عندنا أن الشعب العربي الفلسطيني أمام أوسلو جديدة أشد خطورة على ثوابته الوطنية مما ألحقه بها الاتفاق الذي سبق لمحمود عباس توقيعه في 13 سبتمبر/ أيلول 1993 . وذلك ما سنحاول إيضاحه فيما يلي:

1 – لم يرد في ما أعلن عن اتفاق القاهرة بين الفصائل أي ذكر لحق عودة ملايين اللاجئين إلى ديارهم، والتعويض عليهم بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 194 لسنة ،1948 وهو حق شخصي للاجئ وورثته لا تملك أي سلطة فلسطينية أو عربية التنازل عنه. ما يدعو للتساؤل في ما إذا كان أقطاب اتفاق القاهرة قد تعاملوا مع حق العودة بمثل ما سبق لمحمود عباس أن قاله في لقائه مع القناة “الإسرائيلية” الثانية، من أنه ليس له الحق بالإقامة في صفد، ما اعتبرته الدوائر “الإسرائيلية” تنازلاً كاملاً من الرئيس الفلسطيني عن حق العودة، وانه لم تعد هناك حاجة للتفاوض عليه.

2 – نص البند الأول لما اتفق عليه في اجتماع القاهرة القيادي على إقامة “دولة فلسطينية على حدود ،67 أو رؤية الدولتين على حدود 67” وهو نص يعني تنازل قادة الفصائل المجتمعة في ذلك اللقاء عن حق شعب فلسطين والأمة العربية في 78 % من أرض فلسطين التاريخية. فضلاً عن أن المشاركين في ذلك الاجتماع لم يأخذوا في حسبانهم ما يترتب على إعلانهم من إقرار ضمني بالادعاءات الصهيونية بحقهم التاريخي في “أرض إسرائيل”، واتهامهم بالتالي القوى العربية التي شاركت في حرب 1948 / 1949 بالعدوان على “شعب الله المختار” وحقوقه المشروعة . وبالتبعية تبرير القول بأن اقتراف الصهاينة “التطهير العرقي” بحق شعب فلسطين حينذاك إنما كان من قبيل الدفاع المشروع عن النفس . فضلاً عما في ذلك من تهديد غاية في الخطورة لحقوق ومستقبل الاقلية العربية في “إسرائيل”.

3- أسس دعاة الدولة على حدود 1967 مطلبهم على قراري مجلس الأمن رقمي 242 و 338. وكان حرياً بهم وهم يؤسسون مطلبهم على القرارات الدولية أن يطالبوا بدولة على حدود قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947 . وذلك ما كانت قد أوصت به شخصيات وطنية فلسطينية في العام 1988 عشية طرح الراحل ياسر عرفات موضوع الدولة في دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في الجزائر حينذاك.

4-أضاف أبو مازن ومشاركوه للمطالبة بالدولة عند حدود 1967 جملة “من خلال المفاوضات” في تجاهل لكون القرار 242 قد صدر بعد مفاوضات بين الادارة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، ما يعني أنه واجب التنفيذ من دون حاجة لمفاوضات جديدة . أما أن يعيد اتفاق القاهرة الأمر للمفاوضات فمعناه التمهيد لقبول الوضع الراهن في الضفة الغربية المحتلة حيث بات الاستيطان الصهيوني يشغل ما يجاوز 40 % من مساحتها.

5-في تناول محمود عباس نتائج حرب “الأيام الثمانية” في قطاع غزة تساءل بشكل استنكاري عما حققته المقاومة، متجاهلاً أنه في كل الحالات المماثلة عبر التاريخ يعتبر فشل قوى العدوان في تحقيق الغاية من عدوانها انتصاراً لقوى المقاومة، خاصة وقد اضطرت العدو لطلب وقف القتال. وإنه لمن الظلم لتاريخ النضال الفلسطيني التعاطي مع انتصار مواطني القطاع، وليس مقاوميه فحسب، على هذا النحو . وحسبنا التذكير بأن المقاومة في قطاع الممانعة والصمود هي التي فرضت على شارون الانسحاب وتفكيك المستوطنات سنة 2005 ثم حققت ردعاً متبادلاً مع آلة الحرب الصهيونية في حرب 2012 . ما اعتبر نصراً للمقاومة لم ينكره غلاة الصهاينة. وليرجع السيد الرئيس لصحافة العدو ليتأكد من أنه ظلم نفسه إذ ينكر على قوى المقاومة في القطاع انتصارها.

6 – أما القول بأن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني فادعاء غير واقعي . ذلك لأن الميثاق في صيغته الحالية لم يعد مضمونه اعتبار الكفاح سبيلا للتحرير والعودة، بعد أن جرى تعديله عام 1996 تحت إشراف الرئيس الأمريكي كلينتون، حيث استبعدت منه المواد التي تنص على رفض كل من: وعد بلفور، وصك الانتداب، وقرار التقسيم لاهدارها حق شعب فلسطين في تقرير مصيره، مقابل إضفاء المشروعية على الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، ثم إن المجلس الوطني شكل قبل ثلاثين عاماً، وعلى أساس المحاصصة الفصائلية . ما يعني أنه حتى تكون المنظمة ممثلة صادقة التمثيل لشعب فلسطين لابد من إعادة تصويب الميثاق، وإعادة تشكيل المجلس الوطني على أساس الانتخاب حيث تيسر ذلك، وإيجاد آلية لمشاركة المواطنين في الأرض المحتلة سنة 1948 والشتات العربي والدولي.

7 – لم يعد واقع شعب فلسطين والتجمع الاستيطاني الصهيوني بمثل ما كان عليه غداة توقيع اتفاق أوسلو . وهذا ما يعكسه واقع الصهاينة المأزوم، وتراجع مكانة “إسرائيل” في نظر رعاتها، إذ لم تعد رصيداً استراتيجياً لهم بقدر ما غدت عبئاً تاريخياً عليهم. وبعد أن كانت تهدد الأمن العربي بات رعاتها مشغولين بما يوفر لها “الأمن” في مواجهة المقاومة العربية. في حين ان اتفاق القاهرة المعلن عنه لا يعكس هذه الحقيقة بقدر ما يعكس مدى انتكاس الفصائل التي اتفق ممثلوها عليه. وبرغم بؤس الاتفاق المعلن عنه فان لنا في تاريخ النضال الفلسطيني ما يدعونا للقول باستحالة تمرير التفريط بالثوابت الوطنية وأن سقوط القيادات ليس نهاية التاريخ.

عوني فرسخ

الخليج، الشارقة، 1/2/2013

مقالات ذات صلة