المقالات

الكيان الصهيوني بين الوعد والوهم

الكيان الصهيوني بين الوعد والوهم

ان فكرة ومشروع اقامة الكيان الصهيوني في فلسطين، فكرة استعمارية غربية نفذتها بريطانيا من ألفها الى يائها.منذ ان اعطى بلفور وعده باقامة دولة لليهود في فلسطين في 2تشرين الثاني 1917 والى أيامنا الراهنة.

وتتلخص أهدافهم في عدد من النقاط لعل أهمها:

1- التخلص من وجود اليهود في اوروبا.

2- انشاء قاعدة عسكرية لتأمين مصالحهم في مستعمراتهم جنوب اسيا.

3- اقامة حاجز يمنع تواصل ووحدة مشرق العالم العربي مع مغربه.

وتم استخدام الحركة الصهيونية واليهود كأداة لتنفيذ هذا المشروع.وفي نظرة واقعية الى المئة عام المنصرمة يمكننا تقسيمها الى مرحلتين:

د. قيس قيس || دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر
د. قيس قيس

المرحلة الاولى— مرحلة التأسيس.

وهي تشمل العقود الثلاثة من تاريخ اصدار الوعد 2 تشرين الثاني 1917–الى 15 أيار 1948، تاريخ انسحاب بريطانيا واعلان المجرم بن غوريون ولادة دولة الكيان الصهيوني في فلسطين.

هذه المرحلة بريطانية بامتياز. فرضت فيها بريطانيا انتدابها على فلسطين لتتمكن من تحقيق الوعد والاهداف انفة الذكر.وقد أنجزت بريطانيا مهمتها بنجاح على حساب الشعب الفلسطيني .فقامت بتشجيع هجرة اليهود الى فلسطين. ولم يستطع عرب فلسطين ان يوقفوا تدفق قطعان المستوطنين رغم الثورات المتواصلة ( ثورة العشرينات، ثورة 1936، حرب 1947-1948) وذلك بسبب تواطؤ الأنظمة العربية مع ”حليفتهم بريطاني”.ويكفي ان نعلم ان عدد اليهود في فلسطين ارتفع من50 ألف في نهاية الحكم العثماني ، الى 650 الفا في نهاية الاستعمار البريطاني ، لندرك حجم الدور الذي لعبته بريطانيا في تأمين العنصر البشري للكيان الصهيوني !!!

في الجانب العسكري أنشأت بريطانيا مجموعات وكتائب عسكرية يهودية في مختلف صنوف الأسلحة شاركت مع الجيش البريطاني في معظم معارك الحربين العالميتين،لا سيما في معارك دمشق وبيروت وانتزاعها من سيطرة قوات ”فيشي ”.

بعد ان اطمأنت بريطانيا الى جاهزية العصابات الصهيونية قامت بأهم وأخطر عمل ضد عرب فلسطين،وذلك حين سلمت كل مؤسسات دولة الانتداب الى اليهود.من ذلك :المطارات والمرافئ والمراكز والثكنات والمستودعات ومحطات سكة الحديد ومصفاة النفط…وغيرها الكثير.

وفي المقابل نسفت بريطانيا كل بيت فلسطيني كانت تجد فيه بندقية او طلقة نارية واحدة.وكذلك منعت جيوش العرب من التدخل نصرة لفلسطين واعتبر ااحاكم البريطاني :”ان تدخل الجيوش العربية يعتبر عملا عدائيا ضد بريطانيا”…

وبعد كل هذا نجد بين الفلسطينيين والعرب من يعتبر ان بريطانيا صديقتنا وحليفتنا!!!

المرحلة الثانية– مرحلة الحضامة والرعايية.وهي الممتدة من أقامة الكيان 1948-والاعتراف بدولة ”اسرائيل ”في الامم المتحدة …الى ايامنا الراهنة.

على الغم من ان الكيان عمر قرابة السبعين عاما، فانه لا زال في مرحلة الحضانة والرعاية الامريكية التي ورثت بريطانيا في هذا الدور وغيره.

في بداية حرب 1948 قام اليهود بتظاهرة توجهت الى بيت بن غوربون مطالبين بالعودة الى الدول الاوروبية لانهم لم يجدوا حلمهم غي الوطن الموعود وانهم لا أمن ولا أمان لهم في هذه البلاد،طلب منهم ان يمهلوه عدة أيام خلالها تدخلت بريطانيا مع الحكام العرب وتم فرض الهدنة الاولى في حزبران 1948 ،بعد ان كان المجاهدون على أبواب تل أبيب والحارات اليهودية والمستعمرات محاصرة.

استقدم بن غوريون صفقة أسلحة تشيكية كانت سببا في تحول الحرب لصالح العدو الذي فرض شروطه في هدنات رودس مع الانظمة العربية 1949.وبعد ذلك بدأ الحرص الغربي على ميزان التسلح ان يكون مائلا بشكل دائم لصالح العدو.وقد أسهمت معظم الدول الغربية في تأمين الترسانة الصهيونية … من مغاعل ديمونا النووي الذي أنشأته فرنسا،الى أسراب طائرات الميراج والسكاي هوك والفانتوم الامريكية راهنا.وهذا مكن العدو من توجيه ضربة ساحقة للعرب عام 1967 وتم احتلال الضفة وغزة والجولان وسيناء.وعلى الرغم من ذلك فان الكيان لا زال يعاني من خطر وجودي. فقد استمرت حرب الاستنزاف وانطلقت فصائل الفداء الفلسطيني وقوي عودها وعديدها بعد معركة الكرامة في غور الاردن 1968.

هزة اخرى زلزلت الكيان في حرب تشرين(اكتوبر) 1973،وحين اعتقد العدو ان اجتياحه للبنان وطرد الفدائيين وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982سيكون بداية لمرحلة من الامن وسلامة للجليل،،،كانت الولادة الرائعة للمقاومة الوطنية والاسلامية اللبنانية التي راكمت الانتصارات الى فرضت انسحاب العدو وعملائه من جنوب لبنان عام 2000. وكان هذا ايذانا بولادة عهد جديد بشر به السيد حسن نصر الله حين قال :”ولى زمن الهزائم وبدأ عهد الانتصارات”.

تبعا لذلك شاهدنا اندحار العدو عن قطاع غزة دون قيد او شرط ودون تفاوض.وفي محاولة تحسبن اوضاعه وضمن مخطط امريكي لولادة الشرق الاوسط الجديد كان العدوان الصهيوني على لبنان تموز 2006 وعلى غزة عامي 2008 و 2009…وكانت النتائج صادمة للكيان وأعوانه من هذه النتائج:

1-لأول مرة في الحروب مع العدو الصهيوني تكون المدن والمستوطنات مسرحا لهذه الحرب.

2- لأول مرة نشهد هجرتين داخل الكيان: الاولى من الكيان الى الخارج ، والثانية من الشمال الى الجنوب بعشرات الالاف طلبا للامن والامان.

3- لأول مرة يظهر النتاج العملي لتحالف المقاومة اللبنانية والفلسطينية مع سوريا والثورة الاسلامية في ايران التي تبنت موقفا عقائديا ضد العدو الاسرائيلي منذ انتصارها على الشاه المخلوع عام 1979.

لقد أثبتت هذه الوقائع صحة ما توصل اليه المؤتمرون الصهاينة في هرتزليا 1998 في الذكرى الخمسين لولادة كيانهم المسخ ،وهو ان :”اسرائيل لا زالت تعاني من خطر وجودي”.

وهذا تشخيص صائب وهو تكرار لشعور اليهود في عهد بن غوريون 1948.

ان هذا الواقع القائم والمتجدد الذي يعيشه الكيان الصهيوني بكل أطيافه يزداد قتامة مع تعاظم دور المقاومة اللبنانية والفلسطينية ، عدة وعددا وخبرة وكفاءة وتوسعا في القاعدة الشعببة الداعمة من المغرب العربي الى مصر والمشرق العربي والذي يعيد تشكيل ذاته على قواعد وخبرات عسكرية ميدانية بعد القضاء على المنظمات الارهابية وبعد الانتصارات التي حققها ويحققها محور المقاومة الممتد من طهران الى غزة ،مرورا بالانبار والجولان ولبنان.

بعد سبعبن سنة من عمره لا زال الكيان الصهيوني يعاني عزلة في المنطفة، فلم تتمكن اتفاقيات كامب دافد ووادي عربة واوسلو والاتصالات السرية والعلنيةمن دمج الكيان الاسرائيلي ضمن دول المنطقة لان جماهير مصر والامة العربية قالت كلمتها …لا للتطبيع مع هذا الكيان الغاصب ونعم لمقاطعته التي نراها في اكثر من بلد عربي ،ولن يكون اخرها طرد الوفد الاسرائيلي من المؤتمر الشبابي في روسيا.

بقي ان نقول ان الولايات المتحدة ورثت وتبنت حضانة الكيان الصهيوني بعد ضعف بربطانيا . وقدمت ولا زالت تقدم أحدث الأسلحة وأفتكها والمليارات من الدولارات سنويا،لا بل تفرض على بعض الدول مثل ألمانيا ، تقديم المساعدات المالية والعسكرية مثل الزوارق الحربية والغواصات النووية(شيربورغ ودولفين) ، ولولا هذه المساعدات لما تمكن الكيان من الثمود في اي مواجهة قادمة.

ان هذا الكيان بعد مئة عام من وجوده لا زال :” أوهن من بيت العنكبوت ” كما قال عنه السيد حسن نصر الله.يعاني من تفكك بنيته الاجتماعية،وصراعات حادة عقائدية وحزبية، وخلل في منظومته العسكرية رغم امكاناتها الهائلة…وثبت بالتجربة انه كيان يهزم وسيهزم باذن الله وبسواعد المجاهدين .

وبقي ان نقول انه على الرغم من ظاهر العداء لامتنا من الولايات المتحدة ،،،لا زال في امتنا من يقول ان%99 من اوراق الحل بيد أمريكا…وان امريكا صديقتنا تماما كما كان يقال عن بريطانيا من قبل!!!

أما اان لنا ان نرى الواقع ببصرنا وبصيرتنا،وان نميز العدو من الصديق؟؟؟؟؟

د. قيس قيس || دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر

مقالات ذات صلة