المقالات

جولة في “فوبيا” اللبنانيين من الفلسطينيين: عامل تفجير جديد!

جولة في “فوبيا” اللبنانيين من الفلسطينيين: عامل تفجير جديد!

إيلي الفرزلي

ليس كلام النائب سامي الجميل عن افتخار “الكتائب” برفض إعطاء الحقوق للفلسطينيين في مجلس النواب بالأمر المفاجئ. المفاجئ، بحسب الفلسطينيين أنفسهم، ألا يقول ذلك.

عند سماع هذا الخطاب، تصبح الدعوات لإقفال الحدود بوجه النازحين، وتحديداً الفلسطينيين منهم، مجرد حلقة في سلسلة عمرها من عمر الحرب الأهلية. هي “الفوبيا الفلسطينية” نفسها تتجسد بأشكال مختلفة أمام عيني من اصطلح على تسميتهم “اليمين اللبناني” العابر للطوائف.

أمام هذا المشهد، تسقط الحواجز بين مسيحيي الأكثرية ومسيحيي المعارضة، وتصبح القضية واحدة، ويقتصر التنافس على الشكل، فيجاهر كل طرف بأنه كان السباق في إشهار موقفه في معرض خوفه على “الكيان اللبناني”.

يرى متابعون لملف النازحين أن هذا الموقف ينبع من ثقة مطلقيه بسهولة صرفه في الانتخابات المقبلة، في استعادة لا تختلف كثيراً عن مشهد التنافس على من يستحق أكثر لقب “بطل تل الزعتر” (المخيم الذي دُمر في “حرب السنتين”) قبيل الانتخابات النيابية الماضية.

“سخيف الربط بين موضوع النازحين والانتخابات”، يقول مصدر في “التيار الوطني الحر” ويؤيده مصدر في “الكتائب”. يعتبر الطرفان أنه لا بد من معالجة ملف النازحين وفق مقتضيات المصلحة الوطنية. هذه المصلحة تقتضي، بحسب “التيار”، إقفال الحدود بوجههم، “لأنهم صاروا كثرا وفرص ضبطهم تكاد تكون معدومة”.

عند هذه النقطة، يصبح التعادل سيد الموقف بينهما. وبعدما كانت كفة العنصرية تميل لـ”الكتائب”، فإن “التيار الحر” عرف كيف يعيدها إلى التعادل مجدداً، من خلال مفاخرته بأنه كان أول مطالب بإقفال الحدود، عبر الوزير جبران باسيل. لم يشأ “الكتائب” أن يكون ثانياً ففضل “التعقل” من خلال التأكيد على صعوبة إقفال الحدود. مع ذلك، وكي يكون الموقف على قدر أهل العزم، يدعو النائب إيلي ماروني، بعيداً عن العامل الإنساني إلى التركيز على معالجة فوضوية الانتشار، والتمثل بالدولتين التركية والأردنية، اللتين أقامتا مخيمات خاصة بإيواء النازحين من سوريا.

أما أمين السر لـ”تكتل التغيير” النائب ابرهيم كنعان، فيرفض مزايدة البعض في اعتبار العلاقات التاريخية بين البلدين لا تسمح بإقفال الحدود، مذكراً بان الوضع في سوريا ليس كما كان تاريخياً. وبالتالي فالوضع الاستثنائي يحتاج إلى قرارات استثنائية.

مع ذلك، يؤكد كنعان أن اقتراح “التيار” لم يكن إلا نتيجة عدم قدرة الحكومة على ضبط الحدود وضبط أماكن وجود النازحين، إضافة إلى عدم القدرة على التمييز بين النازح والمسلح الذي يدخل بوصفه مدنياً.

كل ذلك ستوجب، بحسب كنعان، “دق ناقوس الخطر والعمل الجدي على إبعاد فتيل التفجير عن لبنان”.

يتذكر ماروني ما مضى ليخلص إلى أن وضعنا الحالي خطير جداً، من جراء انتشار النازحين على مساحة الوطن، وهو أمر مقترن بالانفلاش المسلح في ظل غياب الحكومة.

يعود الطرفان إلى التحذير من تفاقم المشكلة الفلسطينية في البلد، عبر تزايد أعدادهم. أرقام “الأونروا” تشير إلى 13 ألف نازح فلسطيني يتوزعون على مخيمات البقاع والشمال والعاصمة، إضافة إلى مخيم عين الحلوة.

المشكلة الحقيقية التي تواجه الحكومة، كما “الأونروا”، هي مشكلة شح السيولة وعدم القدرة على تأمين كل متطلبات النازحين. بالنسبة للبنان، فقد أوضح الوزير وائل أبو فاعور منذ البداية أن الحكومة تهتم بتأمين احتياجات السوريين، بينما “الأونروا” بالفلسطينيين. أما النتيجة فهي أن أصوات الاستغاثة بدأت تسمع من الطرفين. الحكومة تدعو المجتمع الدولي إلى مد يد العون في تأمين متطلبات نحو 150 ألف نازح سوري، و”الأونروا” كانت قد أعلنت حاجتها لسبعة ملايين دولار للقيام بمهمتها، فإذ بها تحصل على 10 بالمئة من هذا المبلغ. وهو ما جعلها تركز دعمها في مسألتي الطبابة والاستشفاء.

ما سبق ربما يقود إلى التأمل في الأوضاع الصعبة التي يعيشها هؤلاء النازحون، سوريين كانوا أم فلسطينيين، ليس بسبب الابتعاد عن منازلهم وبلدهم وحسب، بل بسبب ظروف اللجوء التي تضاعف من مأساتهم، وتجعلهم يعيشون بين أملين: إما العودة وإما الهجرة، لكن حكماً ليس البقاء في لبنان، الذي يشكو بعض أهله من “الاختناق” الاقتصادي والمعيشي.

اما من يريد أن يعرف الدور الذي تلعبه الحكومة اللبنانية بدقة، فما عليه إلا أن يعود إلى ما يردده رئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني الدكتور خلدون الشريف الذي أكد أن لبنان في ظروفه الحالية يستطيع أن يقدم الرعاية القانونية للفلسطينيين النازحين إلى لبنان فقط، أي السماح بدخولهم وإقامتهم ومغادرتهم مع التغاضي عن فترة الإقامة المسموح بها في الظروف العادية.

بعد كل ذلك، فإن القول بأن الفلسطينيين “قنبلة موقوتة يحمل في طياته”، بحسب مصادر فلسطينية، “سوء تقدير للواقع على الحدود. على اعتبار أن دخول المسلحين أو خروجهم الذي يتم في الأغلب عبر المنافذ عير الشرعية هو أمر مفصول تماماً عن هروب العائلات من مناطق الاشتباك”.

تتجنب مصادر فلسطينية التطرق إلى موقف “حزب الله” من موضوع النازحين، إلا انها تكثر في الوقت نفسه من المديح للموقف “الاشتراكي” الذي يعبر عنه تحديداً النائب وليد جنبلاط ووزراء “جبهة النضال”، عبر التأكيد على استحالة إقفال الحدود بوجه اللاجئين، والتعاطي، في الوقت نفسه، مع ملفهم إنسانياً وإغاثياً بما يحفظ سياسة الدولة وأمنها واستقرارها.

كل “الفصائل الفلسطينية” مجمعة على رفض بقاء النازحين الفلسطينيين في لبنان، إلا انها تنتظر اللحظة المناسبة لدعوتهم إلى العودة إلى ديارهم.

وفي هذا السياق، تردد أن حركة “حماس” تحمست لهذه الدعوة فور الاعلان عن ابرام اتفاق تحييد المخيم، إلا انها عدلت عن ذلك في انتظار تثبيت الهدنة (تجددت الاشتباكات، أمس في مخيم اليرموك). وهو ما عبر عنه بيانها بشكل واضح عندما أكدت أن “عودة اللاجئين النازحين من مخيم اليرموك إلى لبنان وشيكة وحتمية”. كما أملت أن يكون الاتفاق نموذجاً ناجحاً لتحييد جميع المخيمات الفلسطينية في سوريا، ما يضمن عودة جميع النازحين إليها.

السفير، بيروت، 22/12/2012

إيلي الفرزلي

ليس كلام النائب سامي الجميل عن افتخار “الكتائب” برفض إعطاء الحقوق للفلسطينيين في مجلس النواب بالأمر المفاجئ. المفاجئ، بحسب الفلسطينيين أنفسهم، ألا يقول ذلك.

عند سماع هذا الخطاب، تصبح الدعوات لإقفال الحدود بوجه النازحين، وتحديداً الفلسطينيين منهم، مجرد حلقة في سلسلة عمرها من عمر الحرب الأهلية. هي “الفوبيا الفلسطينية” نفسها تتجسد بأشكال مختلفة أمام عيني من اصطلح على تسميتهم “اليمين اللبناني” العابر للطوائف.

أمام هذا المشهد، تسقط الحواجز بين مسيحيي الأكثرية ومسيحيي المعارضة، وتصبح القضية واحدة، ويقتصر التنافس على الشكل، فيجاهر كل طرف بأنه كان السباق في إشهار موقفه في معرض خوفه على “الكيان اللبناني”.

يرى متابعون لملف النازحين أن هذا الموقف ينبع من ثقة مطلقيه بسهولة صرفه في الانتخابات المقبلة، في استعادة لا تختلف كثيراً عن مشهد التنافس على من يستحق أكثر لقب “بطل تل الزعتر” (المخيم الذي دُمر في “حرب السنتين”) قبيل الانتخابات النيابية الماضية.

“سخيف الربط بين موضوع النازحين والانتخابات”، يقول مصدر في “التيار الوطني الحر” ويؤيده مصدر في “الكتائب”. يعتبر الطرفان أنه لا بد من معالجة ملف النازحين وفق مقتضيات المصلحة الوطنية. هذه المصلحة تقتضي، بحسب “التيار”، إقفال الحدود بوجههم، “لأنهم صاروا كثرا وفرص ضبطهم تكاد تكون معدومة”.

عند هذه النقطة، يصبح التعادل سيد الموقف بينهما. وبعدما كانت كفة العنصرية تميل لـ”الكتائب”، فإن “التيار الحر” عرف كيف يعيدها إلى التعادل مجدداً، من خلال مفاخرته بأنه كان أول مطالب بإقفال الحدود، عبر الوزير جبران باسيل. لم يشأ “الكتائب” أن يكون ثانياً ففضل “التعقل” من خلال التأكيد على صعوبة إقفال الحدود. مع ذلك، وكي يكون الموقف على قدر أهل العزم، يدعو النائب إيلي ماروني، بعيداً عن العامل الإنساني إلى التركيز على معالجة فوضوية الانتشار، والتمثل بالدولتين التركية والأردنية، اللتين أقامتا مخيمات خاصة بإيواء النازحين من سوريا.

أما أمين السر لـ”تكتل التغيير” النائب ابرهيم كنعان، فيرفض مزايدة البعض في اعتبار العلاقات التاريخية بين البلدين لا تسمح بإقفال الحدود، مذكراً بان الوضع في سوريا ليس كما كان تاريخياً. وبالتالي فالوضع الاستثنائي يحتاج إلى قرارات استثنائية.

مع ذلك، يؤكد كنعان أن اقتراح “التيار” لم يكن إلا نتيجة عدم قدرة الحكومة على ضبط الحدود وضبط أماكن وجود النازحين، إضافة إلى عدم القدرة على التمييز بين النازح والمسلح الذي يدخل بوصفه مدنياً.

كل ذلك ستوجب، بحسب كنعان، “دق ناقوس الخطر والعمل الجدي على إبعاد فتيل التفجير عن لبنان”.

يتذكر ماروني ما مضى ليخلص إلى أن وضعنا الحالي خطير جداً، من جراء انتشار النازحين على مساحة الوطن، وهو أمر مقترن بالانفلاش المسلح في ظل غياب الحكومة.

يعود الطرفان إلى التحذير من تفاقم المشكلة الفلسطينية في البلد، عبر تزايد أعدادهم. أرقام “الأونروا” تشير إلى 13 ألف نازح فلسطيني يتوزعون على مخيمات البقاع والشمال والعاصمة، إضافة إلى مخيم عين الحلوة.

المشكلة الحقيقية التي تواجه الحكومة، كما “الأونروا”، هي مشكلة شح السيولة وعدم القدرة على تأمين كل متطلبات النازحين. بالنسبة للبنان، فقد أوضح الوزير وائل أبو فاعور منذ البداية أن الحكومة تهتم بتأمين احتياجات السوريين، بينما “الأونروا” بالفلسطينيين. أما النتيجة فهي أن أصوات الاستغاثة بدأت تسمع من الطرفين. الحكومة تدعو المجتمع الدولي إلى مد يد العون في تأمين متطلبات نحو 150 ألف نازح سوري، و”الأونروا” كانت قد أعلنت حاجتها لسبعة ملايين دولار للقيام بمهمتها، فإذ بها تحصل على 10 بالمئة من هذا المبلغ. وهو ما جعلها تركز دعمها في مسألتي الطبابة والاستشفاء.

ما سبق ربما يقود إلى التأمل في الأوضاع الصعبة التي يعيشها هؤلاء النازحون، سوريين كانوا أم فلسطينيين، ليس بسبب الابتعاد عن منازلهم وبلدهم وحسب، بل بسبب ظروف اللجوء التي تضاعف من مأساتهم، وتجعلهم يعيشون بين أملين: إما العودة وإما الهجرة، لكن حكماً ليس البقاء في لبنان، الذي يشكو بعض أهله من “الاختناق” الاقتصادي والمعيشي.

اما من يريد أن يعرف الدور الذي تلعبه الحكومة اللبنانية بدقة، فما عليه إلا أن يعود إلى ما يردده رئيس لجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني الدكتور خلدون الشريف الذي أكد أن لبنان في ظروفه الحالية يستطيع أن يقدم الرعاية القانونية للفلسطينيين النازحين إلى لبنان فقط، أي السماح بدخولهم وإقامتهم ومغادرتهم مع التغاضي عن فترة الإقامة المسموح بها في الظروف العادية.

بعد كل ذلك، فإن القول بأن الفلسطينيين “قنبلة موقوتة يحمل في طياته”، بحسب مصادر فلسطينية، “سوء تقدير للواقع على الحدود. على اعتبار أن دخول المسلحين أو خروجهم الذي يتم في الأغلب عبر المنافذ عير الشرعية هو أمر مفصول تماماً عن هروب العائلات من مناطق الاشتباك”.

تتجنب مصادر فلسطينية التطرق إلى موقف “حزب الله” من موضوع النازحين، إلا انها تكثر في الوقت نفسه من المديح للموقف “الاشتراكي” الذي يعبر عنه تحديداً النائب وليد جنبلاط ووزراء “جبهة النضال”، عبر التأكيد على استحالة إقفال الحدود بوجه اللاجئين، والتعاطي، في الوقت نفسه، مع ملفهم إنسانياً وإغاثياً بما يحفظ سياسة الدولة وأمنها واستقرارها.

كل “الفصائل الفلسطينية” مجمعة على رفض بقاء النازحين الفلسطينيين في لبنان، إلا انها تنتظر اللحظة المناسبة لدعوتهم إلى العودة إلى ديارهم.

وفي هذا السياق، تردد أن حركة “حماس” تحمست لهذه الدعوة فور الاعلان عن ابرام اتفاق تحييد المخيم، إلا انها عدلت عن ذلك في انتظار تثبيت الهدنة (تجددت الاشتباكات، أمس في مخيم اليرموك). وهو ما عبر عنه بيانها بشكل واضح عندما أكدت أن “عودة اللاجئين النازحين من مخيم اليرموك إلى لبنان وشيكة وحتمية”. كما أملت أن يكون الاتفاق نموذجاً ناجحاً لتحييد جميع المخيمات الفلسطينية في سوريا، ما يضمن عودة جميع النازحين إليها.

السفير، بيروت، 22/12/2012

مقالات ذات صلة