المقالات

الحرب العراقية الايرانية قراءة مختلفة

بقلم: د. نزار محمود

قبل أيام مرت ذكرى وقف الحرب العراقية الايرانية يوم الثامن من آب من عام ١٩٨٨ بعد ان استمرت ثمان سنوات كبدت كلا الشعبين مئات الآلاف من الأرواح والمعاقين ومئات المليارات من الدولارات وغيرها ممن لا يمكن حسابه بالأرقام. وعاد الطرفان الى حدودهما الدولية.

لم تكن الحرب وليدة قرار عسكري لخوض حرب، ولم تكن الفتيلة التي اشعلت تلك الحرب سوى ما يظهر من قمة الجبل الغاطس جسمه في مياه بحر عميقة. لقد شكلت ثقافة التعالي الفارسي، من جهة، ولكنة الفرس المجوس، من ناحية أخرى، إحدى ركائز تلك الحرب ومغذياتها. فالايراني لا ينظر بعين العراقي، والعراقي لا ينظر بعين الايراني. وكتب تاريخهم تختلف عن كتب تاريخنا، ومذهب سلطتهم يختلف عن مذهب سلطتنا. ولم تكن الذئاب ولا الثعالب لتفوت فرصة إلا واستغلتها لشفط ثرواتنا وكسر عظمنا وهدر ريحنا.

لكننا لا يجب أن نبالغ في جلد الذات في الحديث عن هذه الحرب. فحروب “الجيرة” كانت ولا تزال وبأشكال مختلفة سنة بشرية، للأسف الشديد!. وبطبيعة الحال لا يتسع مقال للخوض في اعماق النفس البشرية والوقوف على أسباب خصوماتها ونزاعاتها، لكنها يجب أن تبقى، وبالتأكيد، محط اهتمام الباحثين والمصلحين والسياسيين لتجنب كوارثها.

إن تاريخ البشرية في شعوبها وأقوامها ودولها كطيات القماش الملون والمزركش، فكل طية قد تكشف لك عن لون وزركشة. فعشرات الآلاف من سنين تاريخ البشر المدون والمروي يحكي أساطير وحكايات، بطولات ونكسات، ويمر بحدود ويعرج على ملوك، ويعطي لذاك الحق وينزع من ذلك الملك.

في سبعينات العراق قام نظام استهوته وحدة الأمة العربية وملكته صورة مجدها وعظمتها وصعب عليه أمر هوانها، وتهيأ له من قاده بعزم ومركزية شخصية وعزيمة واصرار دون مرونة واقعية أو تردد ضعف أو خسارة أو استشهاد.

وكان، دولياً، يجب أن يقوم في ايران من يقابل ذاك المنحى في العراق، برؤية مختلفة وطموح معاكس واصرار على استعادة الدور والامجاد مرتدياً عباءة ولاية فقيه ومعتصماً بآل بيت.

ركبت ايران موجة تصدير الثورة، وحمل العراق عليها لتحطيم أحلامها، فانزلق الاثنان الى مستنقع وفخ الحرب. من السهل اليوم القول أنها كانت حرباً طائشة أو غبية، أو سمها ما شئت، أو أنه كان يمكن أو يجب تلافيها، لكننا اليوم وبعد ما وقعت وحصل ما حصل يتوجب علينا دراستها واستنباط العبر منها والعودة الى منطق العقل وبصيرة القلب للعمل على تجاوز مخلفاتها وتداعياتها وتجنب استمرارها!.

وفي هذه الأيام، وبعد ما يزيد عن ثلاثين عاماً على وقف الحرب العراقية الايرانية، قد يتوهم البعض ان هذه الحرب انتهت، وكم كنا تمنينا ذلك! لكنها لا تزال مستمرة في حلقاتها وأهدافها!

ارتكب نظام صدام خطأه في غزو الكويت، فكان كمن وضع رأسه تحت مقصلة المتربصين به وبطموحاته، ودمر العراق شعباً وأرضاً وقوة وحضارة، وقدم شاة مذبوحة وبقرة حلوب الى ايران وممثليها في العراق، ليس غباءً من الامريكان وليس حباً بايران، وانما في اطار خطة جيوسياسية لتدمير المنطقة وما تمثله من أمن وثروات وثقافة وتاريخ ومستقبل محتمل.

اليوم، نحن، ايرانيون وعراقيون، بحاجة الى وعي وتسامح وتصالح مع الذات والآخرين لنعود الى بناء أوطاننا وتحقيق أحلامنا المشروعة. فاستمرار خطابات الكراهية وشيطنة علاقاتنا التاريخية وادامة شعور الهيمنة والاستغلال والتعالي والنظرات “العمياء” المتخلفة الى حياة اليوم لن تخدمناً أمناً وسعادة ومحبة.

برلين، ٢٣/٨/٢٠١٩

مقالات ذات صلة