المقالات

الفخ والمصيدة لماذا يجب ان يدفع الصغار فواتير الكبار

بقلم: الدكتور نزار محمود

في البدء لابد لي من التنويه الى انني لا اقصد بالصغار إستهانة ولا أقصد بالكبار تبجيلا! ما أقصده في المقال هو التفوق العلمي والثقافي والتقني والعسكري والاقتصادي والسياسي.

شهد العالم على مدى تاريخه صراعاً دائماً بين كائناته الحية، ومنها البشر. وبالطبع كان لتلك الصراعات أسبابها المتنوعة من موضوعية وشخصية، مثل الاقتصادية والسياسية، والثقافية والروحية والنفسية، وكذلك تلك المتعلقة بفشل وعجز الإنسان عن تجنب تلك الصراعات.

وعندما نجول بلدان العالم ونستمع إلى أحاديث فخرها التاريخي ونزور متاحفها وساحاتها العامة تستوقفنا في جميعها حكايات واساطير قادتها وملوكها وانتصاراتها على أعدائها!.

وبطبيعة الحال لم تكن تلك الحروب ضد أعداء من خارج كوكب الارض، ولم تكن ضد كائنات غير بشرية، وانما كانت ضد اقوام وشعوب وبلدان اخرى.

فتاريخ الامبراطوريات البابلية والاشورية والفارسية والاغريقية والرومانية والخلافات الدينية والحملات الصليبية وحروبها التوسعية وتطاحناتها قديماً، والحروب الاستعمارية الاوروبية والامريكية أمثلة على صراعات البشرية.

من يدفع ثمن تلك النزاعات والحروب؟

هناك نوعان من التكاليف: تكاليف الحرب المباشرة، من بشرية، والتي لا يمكن تقديرها بثمن، ومادية، وغير المباشرة من معنوية وسياسية ونفسية.

ان مراجعة منصفة لنتائج الحروب تكشف ان اكثر من تحمل قمن تلك التكاليف هم الصغار والضعفاء من شعوب وافراد. فالسعوب والدول الكبيرة والقوية كانت غالباً هي المنتصرة، في حين كانت الصغيرة والضعيفة هي الخاسرة والمهزومة.

منذ بعض الوقت اخترع العقل الخبيث للكبار حروباً أخرى لتحقيق مصالحهم ودرء مخاطر منافسيهم عنهم، فكانت حروب الوكالات وسياسات التدمير الذاتي في من يحققون تلك المصالح فيهم. فبدأؤا باحتلالات شعوب وبلدان ونهب ثرواتها، وعندما يعجزوا يقيموا فيها رجالاً وأنظمة عميلة، ومن لم يستجب يزرعوا له من الفتن والانشقاقات وحروب الجيرة ما تغنيهم عن تدخلهم المباشر في تحقيق مصالحهم واستراتيجياتهم.

وهكذا دفعت الشعوب الضعيفة ضرائب حروب الكبار. حصل ذلك خلال وما بعد الحربين العالميتين، لا سيما خلال ما سمي بالحرب الباردة. وبعد انتهاء هذه الحرب وتغير موازين القوى لصالح الغرب المنتصر، بدأوا باكمال مخططاتهم في المناطق الغنية التي كانت يوماً تعيش في ظل توازن قوى الكبار المتحاربة.

ومع بروز مناطق قوى صاعدة، كالصين مثلاً، كان لا بد لأطراف المقابلة من التحصن خلف مصادر جديدة لدعم قوتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، ولم يكن ولن يكون ذلك ممكناً دون تكاليف تدفع فواتيرها الدول والشعوب الضعيفة والمهيمن على قرارها وثرواتها من خلال ابتزازها وخلق المشاكل والحروب لها. وليست الحروب الطائفية والعرقية وزرع الفوضى السياسية في منطقتنا العربية والاسلامية سوى نماذج منها.

إنها حياة البشر وقوانين غابته!

برلين٥/١٠/٢٠١٩

مقالات ذات صلة