المقالات

الفكر السياسي لحركة «حماس» في ظل التغيرات العربية

الفكر السياسي لحركة «حماس» في ظل التغيرات العربية

خالد مشعل

فلسطين تحتاج الإسلاميين والقوميين واليساريين والليبراليين

هناك تحديات وإشكالات أمام الربيع العربي ودوله، تستدعي جملة من الملاحظات والتنبيهات. ومن الضروري أن يكون هناك درجة عالية من الصراحة والشفافية في تناول هذا الموضوع، فالرائد لا يكذب أهله. ومنه هنا سأذكر جملة من الملاحظات والنصائح الصريحة في هذا الموضوع:

1. ضرورة التوازن بين أولويات الداخل، أي الهم الوطني وأولويات الأمة، أي الهم القومي، ولا تعارض بينهما، فالنجاح في الداخل يقوِّي الموقف الخارجي للدولة، والعكس صحيح، ومن الخطأ تبنِّي سياسة الانكفاء على الذات. بل نقول إن الانشغال بالقضايا الكبرى لا يعزز دور الدولة الإقليمي والدولي فحسب، بل يخدم السياسة الداخلية للدولة في مواجهة الضغوط ومحاولات التدخل الخارجي. من الخطأ أن تحمي نفسك بالانكفاء، بل احمِ نفسك بالانفتاح والمبادرة والاشتغال بالقضايا الكبيرة.

2. ضرورة عدم إدارة المرحلة الراهنة الكبيرة في تاريخ الأمة من الموقع القُطْري الصغير المنفرد، بل في إطار أوسع للأمة العربية والإسلامية بتعاون وتكامل. هذا يخدم الهموم والمصالح والملفات القُطْرية الداخلية نفسها؛ فالتكامل الاقتصادي والأمني والسياسي بين الدول العربية خاصة في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة التي تعيشها بعض أقطار الربيع العربي يخدم هذه الدول وشعوبها ويسهل عبور المرحلة الانتقالية بصورة أفضل. إن الشعوب والقيادات في أقطارها وهم منشغلون بهمومهم القُطرية، وهذا حقهم الطبيعي، عليهم وهم يبنون أوطانهم من جديد أن يفكروا كذلك وفي الوقت ذاته بواقع الأمة وهمومها ومصالحها! أين موقعها؟ أين دورها؟ أين مكانها تحت الشمس؟ لقد مضت على الأمة فترة طويلة كانت فيه ملعباً يُلعب فيها، ويتم التصارع عليها وهي غائبة. اليوم آن للأمة أن تكون لاعباً أساسياً، وتسهم في بناء خريطة الإقليم من جديد. هذه مسؤوليتنا جميعاً، نبني أوطاننا ونبني الوطن العربي الكبير في الوقت ذاته. غاب العرب عقوداً طويلة، وآن لهم اليوم أن يعودوا إلى المسرح وإلى ساحة الفعل، لا ليتصارعوا مع أحد إلا مع العدو الصهيوني ومع كل من يغزو بلادهم، أما مع دول الإقليم والجوار، فنريد أن نبني خريطة من التوازن والتكامل والتعاون، دون أن يضيع موقع العرب ودورهم.

3. إدارة العلاقة مع الغرب والدول الكبرى، وهذا شيء طبيعي في عالم اليوم لضرورات سياسية واقتصادية… الخ، يجب أن لا يكون على حساب القضية الفلسطينية ودور العرب فيها ومسؤولياتهم تجاهها. وأقول ذلك وأنا واثق أن الأمة هي إن شاء الله على خير ورشد، لكننا نقول ذلك من باب التذكير. ونرى أنه من الضروري عدم تقديم تنازلات مجانية للغرب في سياق إدارة العلاقة معه. إن شرعية دول الربيع العربي نابعة من إرادة شعوبها، وليس من الدعم الخارجي، وإن التصدي للقضايا الكبرى يقوّي دول الربيع العربي ولا يضعفها.

4. ضرورة رفع سقف الموقف العربي، والجامعة العربية، وسقف كل دولة كذلك في الموقف السياسي وخاصة في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، وضرورة إعادة النظر ومراجعة الاستراتيجية العربية القائمة. هذا يقتضي كبداية تغيير اللغة السياسية. نعم، الناس تحتاج إلى وقت، هذا صحيح، ولكن لا يصح بعد هذا الربيع العربي أن تبقى اللغة هي اللغة ذاتها، والمبادرات هي المبادرات ذاتها، والمشاريع هي المشاريع ذاتها، والمواقف هي المواقف ذاتها. أعلم أن التحوّل والتطوير الكلي يحتاجان إلى زمن، ولكن لا بدّ أن نبدأ الخطوة الأولى من الآن، لا بدّ من تغيير اللغة السياسية ومفردات الخطاب السياسي العربي. لا بد من البدء والبحث في تغيير الاستراتيجية العربية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، ومن ذلك الاتجاه نحو تغيير المواقف تجاه المقاومة وحركات المقاومة. وما كان مستغرباً ومستهجناً أو محرماً في الماضي في العُرف العربي الرسمي مثل عدم تزويد المقاومة بالسلاح، يلزم أن يصبح اليوم ممكناً. مطلوب رسم استراتيجية تدرسها الأمة كما تشاء، تعلن بعضها وتخفي بعضها، كيف ندعم حركات المقاومة بالمال وبالسلاح، ونسندها سياسياً ونحمي ظهرها…إلخ، ليكون رسالة قوية من الأمة أن الزمن قد تغير، وأنه لا بد للعالم أن يحترم إرادة الأمة وحقوقها ومصالحها، لا أن يظل منحازاً لإسرائيل، ويقف عاجزاً أمام عدوانها على الأمة واستهتارها بحقوقها ومصالحها ومقدساتها.

وإذا لم تكن هناك حروب جيوش رسمية، فلتدعم الأمة على الأقل الخيار الذهبي الذي أثبت جدواه، خاصة خلال السنوات الماضية. منذ العام 1967 لم تنتصر إسرائيل في حرب حقيقية، إلا إذا قلنا العام 1982، حين أخرجت الثورة الفلسطينية من بيروت ولبنان. بعد ذلك لا انتصار لـ«إسرائيل» سواء في لبنان أم في فلسطين في كلّ مواقعها خاصة في غزة، والفضل في ذلك هو للمقاومة ولأبطال المقاومة ولسلاح المقاومة ودعم الأمة لها.

مطلوب كذلك طي صفحة المشاريع والمبادرات التي أكل عليها الزمن وشرب، لا بدّ من البحث عن رؤى جديدة ومشاريع جديدة واستراتيجيات جديدة، وعلى رأسها امتلاك أوراق قوّة حقيقية، وأن تكون خيارات الأمة مفتوحة.

5. معاهدات التسوية وموقف الدول التي تقيمها، فلا شكّ في أنَّ هذا إرث ثقيل لا بدّ من مراجعته، كيف وبأي طريقة وبأي سياق زمني؟ المهم أنه لا بدّ من هذا. إن التسويات السياسية والمعاهدات مع إسرائيل، هي مجحفة بحق الأمة وبحق فلسطين، ليست أصلاً ولا شيئاً أصيلاً، وليست وضعاً طبيعياً، «فإسرائيل» لم تكن ولن تكون صديقاً ولا جاراً، بل هي عدو ليس للفلسطينيين وحدهم، بل للأمة جميعاً. وإذا كنا نقول هذا عن المعاهدات فمن باب أولى أن نتحدث عن العلاقات والاتصالات والتطبيع مع المحتل الإسرائيلي، فلا يجوز هذا على الإطلاق مع الربيع العربي الجميل، لأن على قادة الأمة في هذه المرحلة أن يعلموا أنّ غضب شعوبهم لم يكن فقط على السياسات الداخلية، ولكن كان غضبهم أيضاً على هوان الأمة وضعف مواقفها وسياساتها واستراتيجياتها تجاه الصراع العربي الإسرائيلي.

6. بالنسبة إلى وصول الإسلاميين إلى الحكم، وأهمية ذلك وتأثيره على القضية، فلا يعني ذلك أنّ فلسطين تحتاج إلى الإسلاميين وحدهم، أو أن حماس والجهاد الإسلامي كقوى وطنية إسلامية فلسطينية يحتاجون فقط إلى الإسلاميين على أهميتهم وتميّز وثبات موقفهم تجاه القضية، بل نحن محتاجون إلى الأمة بكل تياراتها ومكوّناتها، الإسلاميين والقوميين والليبراليين واليساريين، هذه هي أمتنا نحتاجها جميعاً، وفلسطين كانت قضية الأمة وستبقى كذلك. وإن من الضرورة بمكان أن ننأى جميعاً عن أي تقسيمات أو اصطفافات طائفية أو عرقية أو دينية. قاتل الله هذه الطائفية البغيضة التي عشعشت في المنطقة، قاتل الله التقسيمات العرقية والمذهبية والتقسيمات الدينية. إن أمتنا طول عمرها فيها هذا التعدد الجميل، هذا تاريخ ورثناه وهو شكّل حضارة الأمة ومسارها عبر التاريخ، لا يصح اليوم أن نبحث عن هذه الشقوق التي يضع فيها أعداؤنا الزيت والنار لتدميرنا. وهذا يقتضي ليس تثبيت الأفكار والمفاهيم الصحيحة فحسب، بل يقتضي أن يكون سلوكنا كدول أو حركات أو مفكرين أو مثقفين، ينسجم عملياً مع هذا الموقف وتلك المفاهيم ولا يغذي مشاعر الطائفية أو العرقية.

نريد للأمة في ربيعها العربي أن تكون موحدة كأمة، وموحدة على فلسطين، وأن تبني جبهتها الداخلية بما يحقق مصلحة شعوبها. هذه الشعوب اليوم متعطشة للحرية، متعطشة للديموقراطية، متعطشة للتنمية، متعطشة للقمة العيش الكريمة، متعطشة للنماء والنهوض والتكنولوجيا، ومتطلعة في الوقت ذاته إلى أن تكون أمة متقدمة بين الأمم، وقوية في إدارة علاقاتها وسياساتها الخارجية، وفي إدارة معركتها مع العدو الصهيوني.

السفير، بيروت، 30/3/2013

مقالات ذات صلة